مطار الموصل.. حلم منتظر وتشكيك بالإنجاز
محليات | 2-07-2023, 23:13 |
بغداد اليوم- تقرير
مثل كل اهالي الموصل الذين يجدون أنفسهم على الطريق الذي يمر قرب مطار الموصل، يتطلع زهير احمد، وهو متقاعد شغل مناصب ادارية عديدة، الى الموقع الذي يفترض انه تحول الى ورشة عمل، عله يجد ما يبشر بقرب افتتاحه بعد سنوات من الحديث عن اعادة بنائه “لكن لا شيء جدي يبدو على الأرض أو يظهر في الأفق".
يثير مشروع إعادة إعمار مطار الموصل بكلفة تقدر بنحو 268 مليار دينار (أكثر من 200 مليون دولار)، الكثير من الجدل، بين مؤيد يرى أنه أهم ثمرات اعادة الاعمار وانه سيربط المحافظة جواً بباقي أنحاء العراق والعالم وينشط الاقتصاد المتعثر، وبين رافضٍ يشكك في الجدوى الاقتصادية للمطار ويشير الى دعاية سياسية وربما فرص فساد جديدة للأحزاب.
في انتظار “المطار الحلم” الذي يواجه انجازه منذ 2018 مشاكل في التصميم والاحالة والتنفيذ والتخصيص، بحسب متابعين، يمضي سامر عزيز (35سنة) ووالدته المريضة بالسرطان، ساعات طويلة ومرهقة للسفر براً من مدينة الموصل إلى مطار العاصمة بغداد، قاطعين أكثر من 400 كيلومتر، ليستقلا من هناك طائرة توجّهت بهم إلى دبي، في رحلة علاج تتكرر للمرة الثالثة في غضون سنة.
يشير سامر إلى السماء ويقول بامتعاض: “تُصرف المليارات على توافه الأمور، بينما آلاف من سكان المدينة المصابين بالسرطان، يسافرون إلى محافظات ودول أخرى لتلقّي العلاج، لأن المستشفيات دُمرت في الحرب قبل أكثر من خمس سنوات، والطامة الكبرى أنهم يتعذبون في رحلاتهم هذه لأن مدينتهم ليس فيها مطار”.
يعدّد سامر الذي سافر مع والدته في رحلات علاج خارجية: “أربع مرات إلى الأردن، وثلاث إلى الإمارات، ومرتان إلى تركيا”، ويقول :”في كل مرة أشفق على أمي بسبب إرهاق السفر، ففي الطريق إلى بغداد، هنالك الكثير من نقاط التفتيش، إذ تمتد الرحلة الى ست ساعات أو أكثر من ذلك في بعض الأحيان، أما إلى أربيل، فالمسألة تتطلب إجراءات للدخول إلى المدينة، وأحياناً يكون هنالك كثير من الزحام”.
ويتمنى سامر، ومثله عشرات الآلاف من مواطني الموصل، أن تتحقق الوعود التي يقطعها الساسة بشأن إعمار المرافق الصحية وإنشاء المطار، ويتابع قائلاً: “أنا أعمل صائغاً، وأستطيع تكفّل نفقات سفر والدتي وعلاجها، لكن ماذا عن الآخرين الذين لا يملكون حتى قوت يومهم؟”.
رحلة اولى بطائرة عسكرية
في الخامس من نيسان 2023، هبطت طائرة شحن من نوع c130 تابعة للجيش العراقي، على مدرج مطار الموصل، في رحلة تجريبية بعدما أعادت شركتان تركيتان بناءه كمرحلة أولى من مشروع إعادة إعمار تقدر كلفته بأكثر من 200 مليون دولار، لكن اعادة البناء والتأهيل والتشغيل الفعلي سيتطلب وفق معنيين أشهرا اخرى من الانتظار.
حتى قبل تدميره بالكامل خلال حرب تحرير الموصل من داعش بين 2016 و2017، كان المطار متوقفاً عن استقبال الرحلات الجوية، بسبب الحظر الجوي الدولي الذي فرض على العراق بعد آب/ أغسطس من عام 1990 بسبب غزوه الكويت، واستمر لغاية فترة وجيزة قبل سقوط النظام العراقي في نيسان 2003.
بعدها، اتخذته القوات الأميركية كقاعدة لها لغاية أواخر 2011، ولم يُستخدم بعدها للنقل العام، بل اقتصر على استقبال وتوديع طائرات المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين الى حين سقوط مدينة الموصل بأيدي عناصر داعش في حزيران/ يونيو 2014.
وطوال تلك الفترة، كان مواطنو محافظة نينوى الذين يزيد عددهم عن أربعة ملايين نسمة، يضطرون لاستخدام مطارات في محافظات أخرى أقربها اربيل، للسفر والشحن الجوي.
تشكيك في الجدوى الاقتصاديّة
أثار مشروع إعادة إعمار مطار الموصل، الكثير من الجدل، بين مؤيد يرى أنه سيربط المحافظة جواً بباقي أنحاء العراق والعالم بدلاً من الاعتماد على مطارات مدن أخرى أقربها أربيل، في نقل المسافرين والبضائع، وبين رافضٍ، يشكك في الجدوى الاقتصادية للمطار، معتقدين أن المبالغ التي رُصدت لإعماره ولاحقاً تكلفته التشغيلية، سترهق ميزانية المحافظة، كونه مطاراً صغيراً أنشأه الجيش الإنكليزي سنة 1920 ثم استُخدم كمطار عسكري على مدى عقود، وكان الأولى بناء المستشفيات والمرافق الأخرى المدمّرة.
ويرون أنه يتوجّب على الحكومة المحلية التفكير بإنشاء مطار دولي جديد، واقترحوا الموقع الذي كان النظام العراقي السابق قد حدده لذلك في منطقة السحاجي غرب المحافظة، على مساحة ألف دونم، تم استملاكها ووُضعت التصاميم الخاصة بالمشروع، لكن ظروف الحرب والحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض على العراق بعد غزوه الكويت سنة حالا دون إنجازه.
ومن بين هؤلاء، رئيس بلديات نينوى السابق رئيس لجنة إعمار نينوى عبد القادر الدخيل، إذ أكد أن مطار السحاجي أو كما وصفه بـ”مطار نينوى الدولي”، مصمّم والأرض المخصصة له مستملكة، “ونينوى بحاجة ماسة إليه وينبغي وضعه ضمن المشاريع الاستراتيجية المستقبلية”.
الباحث في الشأن الاجتماعي مروان هاشم، يفسّر سبب ضغط المواطنين المستمر في نينوى لتنفيذ مشروع المطار، على رغم أن الكثيرين هناك يدركون أنه قد لا يحقق الفائدة المرجوة منه، وقد يقتصر على استقبال رحلات جوية محلية فقط.
إذ يقول إن نينوى أكثر محافظة عراقية تضرراً من نشاط المجاميع المسلحة والحرب عليها منذ نيسان 2003 ولغاية صيف 2017، وطرد تنظيم “داعش” منها، وتدمير كامل لبنيتها التحتية، وكان مواطنوها وما زالوا يضطرون للسفر براً إلى بغداد أو أربيل وعبر مطاريهما.
ويبيّن، “هم بإصرارهم هذا، يحاولون تعويض ما فاتهم جراء تدهور الأمن واللحاق بالتطور الحاصل في بقية المحافظات، وعدم ظهور محافظتهم بأنها أقل أهمية من المحافظات الأخرى”.
أما محافظ نينوى نجم الجبوري، فلفت الى أن مشروع المطار هو حلمٌ للأهالي قائلاً: “سنعمل على إعادة إعمار المطار حتى لو اضطررنا إلى بيع ثيابنا لتأمين مبالغ تغطي التكلفة”. وأضاف أنه بذل جهوداً كبيرةً جداً لإقناع الحكومة المركزية في بغداد لتخصيص المبالغ اللازمة لغاية الآن، وأن مساعيه لم تنجح للحصول على إذن بالشروع في تنفيذ المشروع إلا بعد عقد 14 اجتماعاً مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وعبّر الجبوري، في حوار اذاعي، عن استغرابه من محاولات البعض تعطيل تنفيذ مشروع المطار من خلال اتهامات بوجود شبهات فساد، من بينهم عضو مجلس النواب ماجد شنكالي، وأشار الى أن ذلك حدث أيضاً مع مشروع آخر، وهو مجاري الجانب الأيمن للموصل، ووجّه كلامه إلى النائب: “ركز اهتمامك بقضية الفساد التي تتحدث عنها، لكن لا تعطّل المشروع”.
الخبير الاقتصادي تاج الدين خيري، يؤكد أن للمطار أهمية قصوى لنينوى، في مجال شحن البضائع، وشكك في أن تكون له فائدة كبيرة في مجال نقل المسافرين.
ويقول: “المحافظة تشهد حركة إعمار دؤوبة، وتحتاج إلى المطار لتقليل التكلفة، فبدلاً من إفراغ الحمولات الجوية في مطارات أخرى ونقلها براً إليها، ستصلها بنحو مباشر، كما أن المطار سيعزز من حركة الاستثمار، وهو أولاً وأخيراً سيعني بأن نينوى تعيش عصراً جديداً من الاستقرار”.
ويستدرك: “لكن مجرد إعمار المطار، لن يكون كافياً لاستقطاب المستثمرين، ولا بد من أن يرافق ذلك، إعمار الفندقين الدوليين نينوى أوبروي والموصل، فالأخير دُمّر بالكامل خلال الحرب، مع تقديم تسهيلات مقدمة للمستثمرين المحليين والدوليين، والأهم من ذلك كله الحفاظ على الأمن الداخلي، لأن رأس المال جبان”.
تضخيم إعلامي
وصف ناشطون مدنيون في نينوى تسخير الإعلام الرسمي للحديث عن الانتهاء من إعمار مدرج مطار الموصل، بأنه تضخيم ومحاولة لإظهار الحكومتين المحلية والمركزية على أنهما حققتا إنجازات كبيرة، للتغطية على إخفاقهما في إعادة إعمار البنية التحتية التي كانت تضرّرت بالكامل خلال الحرب مع “داعش”.
وقال الناشط المدني، محمد قاسم، إن الإعلام التابع لمحافظة نينوى انشغل طوال أيام بعرض الأخبار المتعلقة بهبوط تجريبي لطائرة صغيرة في المطار، وبعد تشكيك البعض في قدرة المطار على استقبال طائرات كبيرة، سُخر الإعلام ذاته لتغطية الأخبار عن هبوط طائرة كبيرة تابعة للجيش العراقي كان على متنها وزير الدفاع ثابت العباسي ومحافظ نينوى نجم الجبوري، وأن الأخير صرح بأن الهدف من الهبوط بتلك الطائرة إسكات المنتقدين والمشككين.
وأضاف قاسم، “ذلك كله والحديث فقط عن مدرج واحد صغير لا غير، في حين أن المطار يحتاج إلى سياج خارجي وإلى قاعات للمسافرين ومخازن وورش وبرج مراقبة وأجهزة ملاحظة وآليات وغيرها من الأمور، فماذا لو أكملوا بالفعل مطاراً بكل متطلباته، ماذا كانت حكومة نينوى ستفعله حينها؟”.
وانتقد الكاتب والباحث ناصر وعد الله، ما وصفه استعجال محافظ نينوى في إطلاق التصريحات، قائلاً: “هو ذكر مرات عدة بأن المطار سيكون دولياً، وقريبون منه تحدثوا عن طاقة سنوية تبلغ 600 ألف مسافر، وهذا أمر غير صحيح تماماً، لأن طبيعة مطار الموصل وموقعه الكائن داخل المدينة تقريباً لا يسمحان بهبوط طائرات تابعة لدول أخرى إلا إذا كان الهبوط اضطرارياً. والدليل أن المطار كان محلياً في عهد النظام السابق وقبله، علماً أنه لم يكن هنالك مطار في أربيل أو غيرها من المدن القريبة، بل فقط مطار بغداد الدولي”.
المهندس الاستشاري موفق الخطاب، الذي كان مديراً لمشروع مطار الموصل بين 1990-1992، يشدد على أهمية اختيار شركات عالمية لتنفيذ المشروع “بعيداً من المحسوبية وابتزاز المقاولين والشركات".
فساد ومطار للمسؤولين
عبد المجيد (46 سنة- تاجر مواد غذائية) مطلع على مواقع مطارات العديد من الدول بحكم سفره الدائم، يصرّ على أن المطار سيكون للمسؤولين فقط، “لذلك يتسابقون للحديث عنه عبر وسائل الإعلام”. ويضيف: “أشك في أنه سيستخدم لغير تنقلاتهم المكلفة، وربما لنقل الحجاج والمعتمرين إلى السعودية فقط لا غير”، مشيراً الى أن أعضاء مجلس النواب عن نينوى والمسؤولين الكبار سيستخدمونه كذلك في الدعاية ”لا سيما قبل الانتخابات”.
ويتابع بالكثير من الاستغراب “مطار دولي كبير في نينوى، حيث الأرض الخصبة للزراعة والاستثمار والصناعة والتجارتين المحلية والدولية، سيعني تقليل الاعتماد وبدرجة كبيرة على مطار أربيل الدولي (83 كم شرق الموصل)، كما أن هنالك مخططاً لبناء مطار دولي في محافظة دهوك (80 كم شمال الموصل) وسيؤثر عليه كثيراً”.
يقول، إن “الجهات الحكومية في السابق (سنوات نشاط الجماعات الدينية المسلحة بين 2004 و2017) كانت تتذرع بتدهور الأمن ولا تنفذ مشاريع ذات نفع عام، والمبالغ المخصصة لها كانت تتبخر حيث تتقاسمها الأحزاب والمسؤولون”.
ثم يضيف بنبرة جادة: “الآن، الوضع الأفضل، هم ما زالوا يسرقون، لكنه ينفذون شيئاً على الأرض، وبالنسبة إلي فإن إنشاء مطار صغير ويواجه عيوبا جوهرية وحتى وإن كان ملاصقاً لمنزلي، هو إنجاز كبير في زمن الفساد هذا!”.
المصدر:شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية