آخر الأخبار
نائب يحدد استراتيجية السوداني لتطوير اهم الانظمة الدفاعية للعراق الدفاع تنفي إحالة عدد من الضباط ممن هم برتبة فريق إلى التقاعد مصافي نفط بدائيّة لمتنفّذين في كردستان العراق تضاعف الإصابات السرطانيّة أول عملية ضد إسرائيل من قبل المعارضة البحرينية المسلحة اعتقال تركي قتل آخر إثر خلاف اجتماعي في أربيل

تقرير: مافيات مسيطرة على عقود تجهيز أدوية الأمراض المزمنة في العراق

محليات | 15-02-2023, 17:40 |

+A -A

بغداد اليوم - متابعة

ينتج العراق 1100 نوع من الدواء، أغلبها "نمطية"، مثلما وصفها نقيب الصيادلة، مصطفى الهيتي، بينما يفتقر إلى أنواع مهمة لعلاج الأمراض المزمنة، مما يضطره إلى إنفاق ثلاثة مليارات دولار سنوياً لاستيراد الأدوية، بحسب ما صرح به رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وبسبب شح الدواء ومحدودية ما توفره الدولة كحصص مجانية للأمراض المزمنة أو الخطرة، تنفد هذه الأدوية بسرعة، وينعكس ذلك على سعر المنتج في الصيدليات، فيضطر الفقراء إلى البحث عن البدائل المهربة رخيصة الثمن وفاقدة الصلاحية بسبب ظروف سوء التخزين ودرجات الحرارة العالية ونسبة الرطوبة المرتفعة.

وتدخل آلاف الأطنان من الأدوية سنوياً عبر المنافذ الحدودية من دون رقابة أو فحص، ويرجع عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية باسم الغرابي، أسباب دخول الأدوية المهربة إلى "سوء التنظيم ووجود ثغرات في عملية الاستيراد من قبل وزارة الصحة العراقية، واستغلالها من قبل متنفذين".

يقول الغرابي إن "الحل يكمن في الإرادة الحقيقية لتفعيل التسعيرة الدوائية الموحدة وتطبيق قانون الضمان الصحي كمرحلة أولى حتى تكون الأدوية تحت سيطرة الجهات المخولة من الدولة، وإن طبق ذلك فيمكن السيطرة على 70 في المئة من تهريب الأدوية".

المتابعة مستمرة

وبشأن التعامل مع المافيات المسيطرة على عقود تجهيز أدوية الأمراض المزمنة، قال رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية ماجد شنكالي، إن "اللجنة تتعامل مع أي ملف يرد إليها بشرط أن يتضمن وثائق ومستندات حول هذه التعاقدات التي قد تشوبها حالات فساد، سواء في ما يتعلق بالأدوية السرطانية أو غيرها، ونتابع هذه الشكاوى حالياً، كما نعمل على فتح الملفات السابقة في وزارة الصحة وبعض دوائرها بالمحافظات وبخاصة المرحلة المرافقة لجائحة كورونا".

وفي ما يخص وكلاء شركات أدوية الأمراض السرطانية تابع شنكالي، "نتعامل مع أفضل الشركات المصنعة للأدوية وبخاصة شركات إنتاج أدوية الأمراض السرطانية الذين يعمل وكلاؤهم في العراق بشكل واضح وصريح ولم يسبق أن استلمنا ملفات تحوي شبهات فساد بهذا الخصوص".

وأضاف "فضلاً عن أن الدولة غير قادرة على توفير كل ما يحتاج إليه مرضى السرطان، ولأن هذه الأدوية غالية الثمن، نعمل بشتى الطرق على توفيرها أو دعم خطوط إنتاجها في العراق، ولدينا محاولات للحصول على امتياز لفتح خطوط إنتاجية من مناشئ وشركات رصينة، لكن اللجنة مصرة على متابعة العمل على عقود شراء الأدوية من الخارج، كملفات محافظة نينوى والديوانية، وأحيل كثير منها إلى هيئة النزاهة واتخذت الإجراءات بحق بعضها وبعضها الآخر أخذ مجراه إلى القضاء".

 

الدولار الدوائي

وعن الجهود المبذولة للحد من تهريب الدواء، قال الهيتي نقيب صيادلة العراق، "اقترحنا عام 2014 وبالاتفاق مع رئاسة الوزراء حينها، تحديد سعر الدولار وأطلقنا عليه اسم (الدولار الدوائي) بمبلغ يقل عن سعر الصرف العادي بنسبة   23في المئة، سعياً للسيطرة على سعر الدواء في السوق. وعرض المقترح على وزارتي الصحة والمالية لكن لم يتحقق شيء، ويبدو أن السياسة الدوائية لتلك المرحلة أرادت للوضع أن يبقى على حاله".

يؤكد الهيتي أن "الدولة لن تتكلف أكثر من ثلاثة مليارات دولار كي تؤمن دواء آمناً وفعالاً وبسعر مقبول للمواطن"، مستدركاً "لكن هناك تشعبات لهذا الموضوع ويصعب على الدولة السيطرة عليها، كالمنافذ الحدودية، حتى من خلال الاستعانة بالجيش والشرطة، فالموضوع معقد".

وبحسب الهيتي وفي خلال سنة واحدة، نفذت نقابة الصيادلة 14 ألف زيارة تفتيشية على الصيدليات في بغداد فقط، وتشدد النقابة العقوبات على المخالفين، مثل غلق الصيدلية لثلاثة أيام إلى أسبوع، أو شهر أو حتى 90 يوماً، بحسب نوع المخالفة.

وأضاف "نحن بحاجة إلى تعاون بين حكومة إقليم كردستان العراق وحكومة المركز في شأن إدخال الأدوية والسيطرة عليها واعتبار المنفذ الحدودي في كردستان منفذاً رسمياً، وأن تنسق الأخيرة مع بغداد عملية فحص الدواء، فحتى الآن لا تعترف وزارة الصحة العراقية بفحص لجان كردستان لبعض الأدوية".

ويوضح نقيب الصيادلة أن الدواء الرسمي الذي مر بعملية الفحص وسددت قيمته الضريبية ويروج له في وسائل الدعاية والإعلان، سيكون سعره أعلى من الأدوية المهربة مجهولة المصدر.

 

سلطة النقابة على المذاخر والأدوية

يقول اختصاصي جراحة عظام، فضل عدم ذكر اسمه، إن تسعيرة الأدوية كانت ثابتة قبل 2003، وكانت الضوابط تستلزم أن يحصل الدواء المستورد على تصريح دخول وموافقات وزارة الصحة ونقابة الصيادلة وإذن دخول المنتج، وبعدها يتم الفحص والمعاينة والتأكد من شهادة المنشأ، وعلى أساسه يتم إصدار فحص الجودة والنوعية كتاباً موثقاً يؤيد كون الدواء مفحوصاً، ويرفق بموافقات أولية تؤيد صلاحيته لعلاج الأمراض المذكورة ومن بعدها يسمح له بدخول العراق.

 ويضيف أن الدواء يدخل باسم مكتب علمي، وهو التاجر الرئيس، وهذا يبيعه للمذاخر ومنها إلى الصيدليات والأخيرة تبيعه بدورها للمرضى، وكان يترتب هامش ربح بسيط لكل منهم، مشيراً إلى أن دور نقابة الصيادلة مراقبة المكتب العلمي والمذاخر والصيدليات، إذ يمكن السيطرة على السعر من قبل اللجنة المركزية في وزارة الصحة وفق المادة 49 من قانون الوزارة رقم 40 لسنة 1970.

وتابع "كان ذلك ما يحدث قبل 2003 أما في الوقت الحالي فهناك مذاخر تتلاعب بالأسعار وهي من تحدد سعر الدواء وهامش الربح، لأن الدواء غير مراقب ودخل بطرق غير شرعية".

وتبدأ سلسلة بيع الدواء من شركة معينة، من خلال مكتبها الإقليمي الذي يوزع الكمية على بلدان الشرق الأوسط مع مراعاة العدد السكاني ونسبة المبيعات والقدرة الشرائية والأسعار في هذه الدولة، وأحياناً لا تكفي النسبة المرصودة للعراق من المنتج، فيستغل تجار الدواء الحالة وينفذون عمليات تهريب من تركيا، مستفيدين من فرق العملة بين البلدين ورخص ثمن الدواء في بلد المنشأ.

يقول الطبيب إن "الرقابة موجودة لكن رؤوس الأموال تتحكم أحياناً، ودخل بعض المتنفذين في هذا المجال بسبب ما توفره الأدوية من أرباح كبيرة". 

ويضيف "شركة كيماديا هي المسؤولة عن تجهيز عقود الأدوية لوزارة الصحة ومنها توزع إلى المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية لجميع المحافظات. وترصد للأمراض المزمنة كميات من الأدوية دائماً لكن ليس كل الأنواع، لأنها تعتمد على الموازنة أو على صرف الوزارة أو المساعدات والمعونات الآتية من خارج العراق".

ويختم الطبيب حديثه، قائلاً "في الفترة الأخيرة صدر قرار بأن يتابع جهاز الأمن الوطني الصيدليات والمذاخر وطرق وصول الأدوية، مما أسهم بعرقلة كثير من عميات التهريب، لكن ما زالت هناك مافيات ومبالغ ورشى تدفع للمتنفذين بالحدود والجمارك".

 

رحلة علاج منتهية الصلاحية

تقول إيمان (57 سنة) مصابة بمرض السرطان في مراحله الأخيرة إن "الأدوية منتهية الصلاحية التي اضطررت إلى شرائها من السوق السوداء، لندرة توفرها، تسببت بتدهور حالي على رغم غلاء أسعارها، إذ يبلغ سعر دواء يحتوي على 24   حبة فقط ما كلفته أربعة آلاف دولار أميركي".

يقول زوجها، "اضطررنا لبيع منزلنا الذي يقدر بـ200 ألف دولار أميركي لسد تكاليف جزء من علاج زوجتي، وللأسف لم يسهم ذلك في شفائها بل ساءت حالها لتضارب وصفات علاج الأطباء لها، ووقعت هي فريسة تجاربهم وكانت سبباً في كثير من الآلام والمتاعب لها".

ويختم "لو كان هنالك إشراف من الدولة على الرحلة العلاجية للمرضى وبالذات مرضى السرطان لتغيرت إحصائيات هذا المرض ونتائج مرضاه، لأنهم يعانون بشدة ولا يجدون رحمة لدى طبيب أو صيدلي إلا ما ندر، وإن كان وضعنا المادي معقولاً، فالفقراء يعانون بلا أمل".