تقرير خاص
الكليات الأهلية في العراق بالأرقام.. تكاثر عددي وتناقص في الجودة يخرّج أجيالا من العاطلين
ملفات خاصة | 20-11-2022, 22:57 |
بغداد اليوم- ليندا المرقبي
رغم الإنفاق الحكومي بما يفوق 22 مليار دولار على القطاع التعليمي، يبقى من أكثر القطاعات تضررًا وأكثرها تأثيرًا على مستقبل العراق، ولا يزال يعاني الكثير من النقص بشقيه الحكومي والأهلي.
خصخصة التعليم في الثمانينات
وضعت الحكومة العراقية منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي خطة استرشادية للقطاع الخاص حددت بموجبها التعليمات والضوابط والسياسات التشجيعية التي تبنتها آنذاك لتشجيع الاستثمارات في مجال التعليم الجامعي الأهلي، ضمن مخطط ينطلق من أن العلاقة بين الجامعات الحكومية والأهلية ليست تنافسية بل تكاملية، بهدف استيعاب تزايد عدد خريجي الثانوية العامة المقبلين على التعليم الجامعي، وتم تأسيس أولى الجامعات الأهلية الخاصة سنة 1988، وهي "كلية التراث الجامعة"، وتلتها عدة جامعات أُخرى.
ويضم العراق أكثر من 66 جامعة وكلية أهلية معترف بها رسميا من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بينها ثماني جامعات في إقليم كردستان. وتضم تلك الجامعات والكليات أكثر من 570 قسما في اختصاصات شملت المجموعات الطبية والهندسية والإنسانية، بينما يوجد 35 جامعة حكومية ما يشكل نصف نصاب الأهلي.
التعليم الخاص رديف يحتاج السند
من المفترض ان تكون الجامعات والمدارس الاهلية ذات طابع ايجابي وان تشكل عامل قوة للدولة العراقية، ولكن واقع الحال والذي رصدته (بغداد اليوم)، كشف عكس ذلك، إذ إن اغلب هذه الكليات تركز على عامل الربح وتهتم بالكم وتحول معظمها الى دكاكين لبيع الشهادات، بحسب مختصين.
ويترافق مع العدد الكبير من الجامعات الأهلية فوضى لا تفيد واقع التعليم الأهلي في البلاد، وبدلا من أن يؤدي العدد إلى خريجين أكثر وفرص عمل أفضل، تنتج تلك الجامعات أجيالا من العاطلين عن العمل.
ويمثل الفساد في القبول المشكلة الأبرز، فالطلاب ذوو المعدل التراكمي المنخفض الذين لم يتم قبولهم في الجامعات والمعاهد الحكومية، غالبًا ما يتقدمون إلى الجامعات الخاصة ذات المعايير الأقل، ويمكن الحصول على القبول في الجامعات الخاصة من خلال الرشاوى، كما تقبل الأقسام الطبية في بعض الجامعات الخاصة خريجي الثانوية العامة من برامج الأدب أو التجارة أو الاقتصاد وهو ما يخالف المعايير الأكاديمية، وهذا بسبب الفساد والمحسوبية، بحسبما يقول مختصون.
وتأتي التكاليف المادية العالية التي تستلزم التسجيل في الجامعة أيضا كمعضلة، ورغم أن وزارة التعليم العالي كانت قد طلبت من الجامعات الأهلية منح تخفيض في التكاليف لا تقل عن 20 في المئة منها، لكن بعض الجامعات الأهلية لم تلتزم بذلك ولم تحرك الوزارة ساكناً بحجة استقلالية الكليات الأهلية الاقتصادية عن الوزارة.
ويعتبر تربويون وأساتذة جامعيون استطلعت (بغداد اليوم) آراءهم أن قطاع التعليم الخاص تسبب في العديد من المشاكل في العراق، بما في ذلك انخفاض مستوى التعليم وزيادة البطالة نتيجة التأسيس العشوائي للكليات دون دراسة جدوى.
أسباب هيمنة القطاع الخاص التعليمي
يأتي التغاضي الحكومي عن ضرورة قوننة هذا القطاع ومتابعة مخرجاته التربوية من اهم أسباب هيمنة قطاع الجامعات الاهلية.
حيث ذكر وزير التخطيط العراقي "خالد بتال" في تصريح صحافي سابق واطلعت عليه (بغداد اليوم) بأن حصة التعليم الجامعي الأهلي في العراق قد بلغت حوالي 30 بالمئة من الطلبة المقبولين سنوياً، وشدد على أن الهدف هو أن تقوم وزارة التعليم العالي بدعمٍ من الطبقة السياسية العراقية برفع هذه النسبة إلى 50 بالمئة .
ويأتي دور الماكنة الإعلامية الترويجية للتعليم الخاص بكل مستوياته، لتستغل النواقص التي تعاني منها المدارس والجامعات الحكومية، وتستعرض الخدمات التي يقدمها التعليم الأهلي والتي تعتبر عنصر الجذب بالدرجة الأولى، مثل خطوط النقل ووجبة الطعام والمباني الحديثة والجيدة، وما يشاع عن ذلك النجاح بلا جهد أحياناً.
كليات أهلية لاختصاصات تدر الاموال
يتركز التوسع في الجامعات الأهلية لكليات طب الأسنان والهندسة والصيدلة تحديدا لكونها أكثر الاختصاصات التي تدرّ الأموال لتلك الكليات، وفق رصد (بغداد اليوم)، إذ وصل عدد كليات طب الأسنان الأهلية في 2021 إلى 30 كلية، مقابل 20 كلية حكومية. أما كليات الهندسة الأهلية، فبلغ عددها 58 كلية، تضم فروعا متعددة، في حين أن الحكومية عددها 37 كلية، بينما كان عدد كليات الطب البشري الحكومية 33، في حين أن الأهلية 3 كليات.
وفي سياق متصل كان النائب السابق في البرلمان العراقي جواد الموسوي قد أصدر بيانا اطلعت عليه (بغداد اليوم) ناشد فيه الجهات المسؤولة لايقاف استحداث ثلاث كليات طب أهلية في العراق وهي (الكفيل، العين، وفرع لجامعة طهران في كربلاء)، على الرغم من قرارات مجلس الوزراء بالتريث في استحداث الكليات الأهلية، وتوصيات لجنة القرار 92 وبيانات النقابات المهنية، بالإضافة إلى المخالفات الجسيمة لقانون التعليم العالي الأهلي رقم 25 لعام 2016، ورفض وزارة التخطيط.
وأوضّح الموسوي في بيانه أن "العراق لديه 36 كلية طب عام حاليا، وهي أكثر من كليات الطب العام في بريطانيا"، مضيفا أنه "في عام 2027 سيكون عدد الأطباء في العراق أكثر من ٩٥ ألف طبيب، وكل هذه الزيادة بالخريجين من الأطباء يرافقها نقص شديد بالبنى التحتية للكليات الطبية وخاصة المستحدثة والأهلية، مع عدم توفر كوادر التدريس، وعدم وجود مستشفى تعليمي يتضمن أدنى متطلبات الوزارة وبالإضافة إلى نقص شديد بالمستشفيات"، حسب قوله.
غياب القوانين المسؤولة .. يخلق الفوضى
يجيز قانون التعليم العالي الأهلي في العراق رقم 25 لعام 2016، لمجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وبعد استكمال كافة متطلبات التأسيس، منح إجازة تأسيس الجامعة أو الكلية أو المعهد الأهلي لأي من الجهات الآتية: حملة شهادة الدكتوراه أو الماجستير من المتقاعدين أو من غير الموظفين ممن هم بمرتبة أستاذ مساعد على الأقل، على أن لا يقل عددهم عن 9 أعضاء لتأسيس الجامعة الأهلية، و7 لتأسيس الكلية الأهلية، و5 أعضاء لتأسيس المعهد الأهلي.
وأكد اختصاصيون وقانونيون استطلعت (بغداد اليوم) رأيهم، أنّ القانون يضمّ ثغرات عديدة تحتاج إلى معالجات سريعة من قبل البرلمان العراقي لتغييرها، مثل متطلبات التأسيس، وإعطاء السلطة المالية والإدارية للجامعات والكليات الأهلية، بحيث يمكنها التحكم بالأقساط الدراسية لزيادة مرابحها كما تريد.
كما انتقدوا عدم وجود خطة دقيقة لاستحداث كليات أهلية بما يتناسب مع حاجة المجتمع إلى اختصاصات معينة، وإنما يفرض القانون شروطا كلما توافرت عند جهة معينة يجوز لها تأسيس كلية أهلية.
ومن أبرز القوانين المقترحة، شروط أن يكون للجامعة الاهلية المستحدثة مساهمات واضحة في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي، و أن تكون ذات قدرة مالية لتهيئة المتطلبات كافة التي تحدد بتعليمات تصدرها الوزارة.