التصحر يقتل بلاد النهرين.. الجمعيات الفلاحية والزراعة تتشاركان ’الفشل الذريع’
اقتصاد | 16-09-2022, 13:43 |
بغداد اليوم- بغداد
تستمر التحذيرات في العراق من خطورة التصحر، حيث يؤكد خبراء أنّ الكثبان الرملية تجتاح الأراضي الزراعية الخصبة، فيما تتواصل الدعوات إلى وضع استراتيجية وطنية وإيجاد الحلول وتخصيص ميزانية سنوية لهذا الملف.
ومع تأثيرات التغير المناخي فإنّ الجفاف الذي يعانيه العراق، من جراء قطع إيران روافد نهر دجلة وتقليل تركيا التدفقات المائية نحو العراق بنهر الفرات، وضع البلاد أمام أزمة جفاف غير مسبوقة، أدت إلى تقلص المساحات الزراعية إلى النصف وحرمان محافظات عدة من الزراعة بالكامل، وفقاً للخطط الزراعية الموسمية.
ويفقد العراق سنوياً 100 ألف دونم جراء مشكلة التصحر والزحف الصحراوي، والأخطر من ذلك تصاعد وتيرة الكثبان الرملية في مناطق لطالما كانت خصبة وواعدة في الزراعة وتأمين مخرجات الأمن الغذائي للبلد.
ويعدّ العراق من الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية، في ظل ارتفاع نسبة الجفاف ودرجات الحرارة التي تتجاوز 50 درجة مئوية في فصل الصيف. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذّر البنك الدولي من انخفاض بنسبة 20% في الموارد المائية للعراق بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي.
ويحمّل خبراء البيئة الحكومات المتعاقبة جزءاً كبيراً من المسؤولية نتيجة عمليات جرف الغطاء الأخضر، وسوء إدارة أزمة المياه التي سبّبت موجة جفاف حادة، ويتحدثون عن ضعف الخبرات في التعامل مع تحديات التغير المناخي.
ومع كل ذلك، تواصل وزارة الزراعة فشلها الفادح في ادارة ملف الاراضي الزراعية والخطط الرصينة لتأمين الامن الغذائي، في وقت يعاني فيه اصحاب الاراضي من قلة الدعم والخسائر الكبيرة لانعدام التعاون بينهم وبين الحكومة وحتى الجمعيات الفلاحية التي باتت في عداد الموتى بغيابها عن المشهد ومحاباتها للفشل الحكومي منذ سنوات.
وتحمل الكثير من الجهات النيابية وذات الاختصاص، الجمعيات الفلاحية ووزارة الزراعة الفشل الكبير بالقطاع الزراعي واهمال الفلاح حيث تسبب ذلك بتوسع خط التصحر لرقعة واسعة في العراق ولم يعد هناك اية حلول .
وبحسب الخبير الاقتصادي، منار العبيدي، فأن ديوان الرقابة المالية اعلن في تقرير له عن فشل سياسة وزارة الزراعة بخطط مكافحة التصحر، مبينا ان نسبة الاراضي المتصحرة بالعراق بلغت 16% وان الاراضي المهددة بالتصحر بلغت 54% اي ان نصف اراضي العراق مهددة بالتصحر .
ويقول العبيدي، في تدوينة له تابعتها (بغداد اليوم) ، إن "هكذا تقرير صادر من جهة رسمية كان من المفروض ان يتم اتخاذ اجراءات فورية وتغييرات شاملة في ادارة وزارة الزراعة وان تقوم كل وسائل الاعلام بتسليط الضوء على تقرير يعتبر من اهم التقارير الصادرة من ديوان الرقابة المالية"، مستدركا قوله: "لكن دائما نتيجة غياب المحاسبة والمراجعة في كل مفاصل الدولة فأن هكذا تقارير تترك في غياهب ملفات الارشفة ولا تكون هنالك وقفة حقيقية ليس فقط من الدولة بل حتى من ابناء البلد".
واعرب العبيدي، عن امله بان "يتم تسليط الضوء على هذا التقرير المهم من قبل كل وسائل الاعلام وان يشكل ضغط شعبي من اجل تبني سياسات حقيقية ليس فقط لجيلنا بل للقادم من الاجيال التي ستعيش في هذا الوطن".
من جهته، اكد مستشار لجنة الزراعة في البرلمان، عادل المختار، ان الجمعيات الفلاحية في العراق ابتعدت عن مهامها الاساسية في الرقابة، مبينا انها اصبحت تؤيد الحكومة بجميع ما تتخذه من قرارات، فيما دعا لتصحيح عمل الجمعيات كافة.
وقال المختار لـ (بغداد اليوم)، إن "الجمعيات الفلاحية اصبحت لا تعترض على القرارات الحكومية ولا تمارس دورها الرقابي حيث ادى هذا الامر الى بقاء الفلاح وحيدًا في مواجهة القرارات الحكومية والتي قد لا تصب في مصلحته في بعض الأحيان".
واضاف، انه "في الفترة الأخيرة اصبح عمل الجمعيات الفلاحية مقارب لعمل السلطة واصبح من الواضح تخليها عن دورها الرقابي لانها تشارك في هيئة الرأي وبالتالي لا تستطيع الجمعيات الفلاحية انتقاد العمل الحكومي لأنها اصبحت شريك في جميع القرارات التي يتم اتخاذها في مجال الزراعة"، فيما دعا المختار الى "تصحيح عمل الجمعيات الفلاحية حيث تكون رقيب وناقد ومطالب بحقوق الفلاحين".
وتعدّ ملوحة المياه ايضا والتي ترافق بالارتفاع الشديد في درجات الحرارة، ضربة قاضية للقطاع الزراعي العراقي الذي يشكّل نسبة 5% من إجمالي الناتج الداخلي ويوظّف 20% من إجمالي اليد العاملة في البلاد. غير أنه قطاع ضعيف أصلاً، فهو لا يؤمن أكثر من نصف احتياجات البلاد الزراعية، فيما تغرق الأسواق بواردات زراعية ذات جودة أعلى.
وبهذا الشأن، دعا عضو التجمع الوطني عبد الوهاب خليل، لإعادة هيكلة الجمعيات الفلاحية في البلاد.
وقال خليل لـ (بغداد اليوم)، ان "لدينا الكثير من علامات الاستفهام على عمل نقابات وهيئات تعنى بشرائح واسعة من المجتمع العراقي ومنها الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية الذي لم يكن فعالا في السنوات الماضية".
واضاف، أن "الاتحاد لم يتصدى للكثير من الملفات الساخنة ومنها حقوق المزارعين في المحافظات التي عانت من فيضانات وجفاف".
وبين، ان "الوقت حان لإعادة هيكلة الجميعات الفلاحية وفتح كل الملفات امام الرأي العام خاصة وان الزراعة الان تمر بمرحلة حرجة جداً وصعبة وتتحمل الجمعيات جزء كبير من تداعياتها لانها المسؤول المباشر عن حقوق المزارعين".
واشار خليل الى ان "اوضاع البلاد الحالية ساهمت بشكل كبير بغض اللنظر عن عمل النقابات والهيئات والاتحادات"، مستدركا قوله " لكن الفترة القادمة ستؤدي حتماً الى متغيرات في عملها نحو اتجاه يلبي الطموح".
بالمقابل، اتهم رئيس مجلس قضاء المقدادية، في ديالى، عدنان التميمي الجمعيات الفلاحية بالوقوف وراء ماساة 20 الف مزارع في ديالى.
وقال التميمي، لـ (بغداد اليوم)، ان "ديالى من اكثر المحافظات المتضررة من ازمة الجفاف التي ادت الى توقف الخطط الزراعية لثلاث مواسم متتالية دون اي دور للجمعيات الفلاحية في المشهد العام".
واضاف، ان "الجمعيات الفلاحية تقف وراء ماساة 20 الف مزارع هو رهن البطالة الاجبارية لاسباب متعددة منها الجفاف وفوضى الاستيراد واهمال الحكومة لقطاع حيوي"، مؤكداً ان "الجمعيات اخفقت في 3 ملفات مهمة هي تعويض المزارعين عن فيضانات ربيع 2019 وجفاف 2022 وحماية المنتج الوطني".
واشار الى انه "لم نشهد اي دور للجمعيات الفلاحية"، لافتاً الى ان "وضع ديالى ماساوي في ملف الزراعة ونسبة كبيرة من المزارعين اضطروا لمغادرة مهنة الاباء والاجداد الى مهن اخرى للبحث عن لقمة العيش".
وفي الإجمال، تضرّر سبعة ملايين عراقي من 40 مليوناً، من الجفاف والنزوح الاضطراري، وفق تقارير رسمية،
اما في الجبايش بجنوب العراق، المنطقة الواقعة ضمن أهوار العراق والمشهورة تاريخياً بمسطحاتها المائية منذ أيام السومريين، فقد شهدت المناطق، هجرة بشكل مستمر لاضطرار مربي الحيوانات قطع مسافات هائلة ليؤمنوا لجواميسهم البيئة الملائمة لإنتاج الحليب الذي يشكّل الدخل الوحيد لعائلاتهم.
وليست هذه سوى البداية، لانه وبحسب تقارير رسمية، ففي السنوات القادمة، سوف تزداد تداعيات التغير المناخي حدّة مع وجود أعلى معدلات التزايد السكاني في العراق، اذ تُفيد البيانات بأن عدد سكان البلد سيتضاعف من 38 مليوناً اليوم إلى 80 مليوناً بحلول عام 2050، وهذا يُضاعف المخاطر الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ إذا تُركت من دون معالجة.
ويضاف ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة درجتين وانخفاض المتساقطات بنسبة 9% بحلول العام 2050، وفق لذات التقارير.