"الوطن هو الوطن".. رحلة 10 دقائق استغرقت 3700 كيلومتر في أوكرانيا
عربي ودولي | 22-05-2022, 20:13 |
بغداد اليوم - متابعة
رغم أن منزلي والدي سيرهي بيلييف، وخطيبته في خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، لا يبعدان سوى 10 كيلومترات، ويمكن الوصول إليهما خلال 10 دقائق بالسيارة من مكان إقامة سيرهي في قرية تسيركوني، إلا أن الغزو الروسي حال دون إمكانية اتخاذ هذا الطريق وإيصال الدواء لوالدته المريضة، قبل أن يتخذ مسارا عبر أربعة دول في رحلة مليئة بالمخاطر ومواجهة مع قوات الأمن الروسية.
تغيرت الحياة فجأة صباح الرابع والعشرين من فبراير، عندما بدأت القوات الروسية غزو أوكرانيا، وكانت قرية بلييف (32 عاما) على الحدود الشرقية مع روسيا، في خط المواجهة، لتتحول الكيلومترات العشرة، التي تفصله عن صديقته ناتالي دروز (28 عاما)، ووالديه، إلى منطقة يستحيل عليه اجتيازها، بحسب صحيفة "الغارديان".
ولأن والدته المريضة (66 عاما) كانت تنتظر من بلييف أن يأتي بالدواء، فقد فكر أن يسير شرقا وأن يستبدل مسافة 10 كيلومترات بالسيارة غربا، برحلة تصل إلى 3700 كيلومتر.
اتجه بلييف، وهو لاعب بوكر محترف، إلى الحدود الروسية، ثم عبر روسيا إلى لاتفيا، ثم إلى ليتوانيا، وبعدها إلى بولندا ثم عاد إلى غرب أوكرانيا للوصول إلى خاركيف من جهة الغرب.
يعترف بلييف أنها كانت فكرة جنونية، "لكن كان علي أن أصل إلى والدي وخطيبتي"، بحسب ما نقلت عنه الصحيفة.
بدلا من أن يتجه بلييف وأخوه غربا للوصول إلى وجهتهم التي تبعد عشرة كيلو مترات اتجهوا شرقا في رحلة مليئة بالمخاطر
في الأيام الأولى من الحرب، هرب بلييف وشقيقه يوري (45 عاما)، من قريتهم تسيركوني، التي أصبحت مشتعلة بسبب الحرب، إلى قرية "ستريلتشا" القريبة شمالا، التي كانت محتلة من قبل الروس لكنها لم تتعرض للقصف.
وفي القرية، بدأ بلييف البحث عن عائلات تريد الوصول إلى بولندا. وقرر وأخاه الانضمام إلى قافلة من أربع سيارات بقيادة سيارته القديمة، التي كانت تحدث ضوضاء مرتفعة، لأنها كانت بحاجة إلى إصلاحات، "لكن لم يكن هناك خيار آخر".
وفي سيارة بلييف، انضم إليه وأخيه شخصان غريبان، هما إميل (28 عاما)، وخطيبته، كاتيا (22 عاما).
وبدأت الرحلة، في الرابع من أبريل في تمام الساعة 1 مساء.
كانت البداية غير مشجعة، "أخبرنا الجنود الروس أن الحدود، والتي هي على بعد كيلومتر واحد، ستكون مفتوحة، لكنها لم تكن كذلك"، وأشار بلييف إلى أن "الخيار الوحيد القابل للتطبيق حينها كان القيادة لمسافة 70 كيلومترا عبر الأراضي الأوكرانية المحتلة إلى نقطة عبور حدودية ثانية".
يقول بلييف: "اتخذنا هذا الخيار الصعب، وكان هناك الكثير من نقاط التفتيش، وفي منتصف الطريق، لم يسمح لنا جنود روس بالمرور، وحولونا إلى معسكر تم استجوابنا فيه جميعا".
وأضاف "كان الروس متشككين للغاية بشأن إميل، الذي كان من لوغانسك في الشرق وليس لديه جواز سفر (..) كما تعطل هاتفه بسبب الرطوبة في القبو الذي اختبأ فيه من القصف".
وبحسب بلييف، فقد خلع الجنود الروس ملابس إميل للبحث عن وشوم قد تقدم دليلا على الانتماء العسكري.
كما بدأ الجنود في البحث في هاتف بلييف نفسه، لكنه كان قد حذف كل شيئ: "لو لم أفعل، لكنت ميتا"، مشيرا إلى أنه عندما نشبت الحرب، أرسل عبر الهاتف مواقع قوافل عسكرية روسية إلى أصدقاء له في الدفاع الإقليمي الأوكراني.
لكن المجموعة تسلمت أخيرا المستندات التي احتاجتها في الساعة الرابعة مساء في اليوم الأول من الرحلة.
ورغم أن حظر التجول الروسي يبدأ في الخامسة مساء، فقد استمر المغامرون في رحلتهم معرضين حياتهم للخطر.
سلكت المجموعة مسارات ترابية، وكان عليهم اجتياز جسر متضرر في قرية روبيجني، "كان هبوطا بطول 20 مترا إلى النهر، شعرت بالرعب في تلك المرحلة".
تحسنت الحالة المزاجية للمغامرين بعد عبورهم الجسر، وحاجزا آخر، لكن كارثة أخرى حلت بعدما تعرضت العجلات الأمامية للسيارة لأضرار بالغة إثر سقوطها في حفرة، فكان على الباقين المساعدة بالسفر إلى أقرب قرية للبحث عن ميكانيكي، "كان أول من سألته في قربة "فوفشانسك" قال إنه ميكانيكي، وبالفعل نجح في إصلاح السيارة".
وعلى الحدود، وفي حدود السابعة مساء، لم تكن هناك كهرباء، "لكن ظهر جنود روس يحملون مدافع رشاشة صوبوها نحونا: "أوضحنا لهم أننا لا نعرف الطريق.. تناقشوا معا.، وقبلوا ذلك (..)".
في الثالثة من صباح اليوم الثاني، باتت المجموعة في روسيا، وتحركت القافلة متجهة إلى بيلغورود، أقرب مدينة روسية كبيرة.
لكن أفراد من الأمن الفدرالي الروسي اعترضوا طريقهم، يقول بلييف: "تم استجواب كل واحد منا مرة أخرى، كنت أعرف أن هاتفي نظيف. سألوني عن وظيفتي، فقضينا حوالي 20 دقيقة نتحدث عن البوكر".
وصلت القافلة إلى بيلغورود حوالي الخامسة صباحا، ونام الجميع في سياراتهم خارج سوق تجاري.
بعدها، مرت القافلة في رحلتها على كورسك وروسلاف وسمولينسك وفيليكيي لوكي، ليصلوا أخيرا إلى معبر أوبيلينكا الحدودي إلى لاتفيا في الساعة العاشرة صباحا في اليوم التالي السادس من أبريل.
استغرق الأمر 16 ساعة لعبور الحدود، يقول بلييف: "لكننا شعرنا بالراحة في نهاية المطاف بعد أن اجتزناها والوصول إلى لاتفيا، وأخيرا اتصلت بناتالي ووالدي، "طلبت مني خطيبتي البقاء في أمان في بولندا بعد أن نصل إليها، وعدم العودة إلى أوكرانيا وأنه يمكننا اللقاء بعد نهاية الحرب".
لم يكن لدى بلييف ورفاقه وقت للتفكير، كانت الساعة الثانية صباحا، وأمامهم رحلة ألف كيلو متر إلى بولندا عبر لاتفيا.
توجهت القافلة مرة أخرى، هذه المرة إلى وارسو، ووصلت الساعة السابعة مساء. وصل رفاقه المسافرون إلى وجهتهم، حيث تحولت قاعة معرض كبيرة إلى مركز للاجئين.
كان على بلييف أن يتخذ قراره. وخلال إقامته لمدة سبعة أيام في وارسو لإصابته بكورونا، بدت مخاطر العودة إلى أوكرانيا للوصول إلى والديه وخطيبته جسيمة.
في 14 أبريل، في الساعة الثانية مساء، غادر بلييف وارسو متجها إلى الحدود، وانضم إلى قافلة إنسانية، متجهة إلى العاصمة الأوكرانية كييف.
كان الطريق إلى كييف أيضا مملوءا بالمخاطر، حيث كانت الكثير من الطرق مغلقة، ما أضاف مئة كيلو متر إلى الرحلة البالغة 550 كيلو مترا من بولندا إلى كييف.
وصل بلييف إلى كييف ظهر يوم 15 أبريل ونام عند أحد أصدقائه، في سرير لأول مرة منذ 11 يوما.
في صباح يوم 18 أبريل، غادر كييف متوجها إلى مدينة بولتافا، وهي مدينة في منتصف الطريق إلى وجهته، حيث يعيش شقيقه الأصغر.
في بولتافا، اشترى الأدوية لوالديه وكان الآن في طريقه كجددا إلى الخطوط الأمامية للحرب في أوكرانيا، حيث ظلت قريته معزولة واحتدمت معركة خاركيف، لكن بلييف كان مصمما في الوصول إلى مبتغاه.
أراد أن يفاجئ والديه، فاتصل بهما وأخبرهما أن أحد المتطوعين بالقرب من المنزل، ولذا يجب على أن ينزلا لاستقباله، ويضيف: "عندما نزلا وجداني وقاما باحتضانني وتدفقت الدموع".
وعلى بعد 50 مترا فقط من منزل ناتالي، أوقفته الشرطة، "كانوا يشتبهون في البطانيات وحالة سيارتي. سألوني إن كنت أنام فيها ولماذا"، مضيفا "كانت طوابع جواز سفري فقط هي التي أقنعتهم بقصتي ".
وأخيرا، عاد بلييف، لتبتسم ناتالي عند سؤالها إن كان قرار عودة خطيبها صحيحا، قائلة "الوطن هو الوطن".