صحيفة أمريكية تتحدث عن الصراع الدولي تجاه العراق وإستراتيجية بايدن
تقارير مترجمة | 11-12-2020, 11:50 |
بغداد اليوم-متابعة
مع اقتراب تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، لا يزال نهج تعامل إدارته المقبلة تجاه العراق يكتنفه الغموض، بحسب مقال نشرته مجلة ناشيونال إنترست (The National Interest) نصف الشهرية في عددها الأخير.
وورد في المقال الذي كتبته الباحثة المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط آنا بورشفسكايا، أن بايدن في كل تصريحاته العلنية حتى الآن لم يتحدث كثيرا عن العراق سوى الاكتفاء بإطلاق الوعود بإنهاء "الحروب الأبدية" وسحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، في حين أقر بأن خطر الإرهاب في سوريا والعراق يستوجب إبقاء بعض الجنود هناك.
وترى الكاتبة أنه من غير الواقعي ترقب أن يكون العراق في طليعة أجندة إدارة بايدن نظرا للأولويات القصوى داخل الولايات المتحدة والرصيد السياسي المحدود عندما يتعلق الأمر بهذه الدولة العربية.
ثم إن بايدن وأنتوني بلينكن -مرشحه لتولي منصب وزير الخارجية- كليهما يعتبر روسيا والصين ضمن أولويات سياستهما الخارجية، ولهذا السبب يتعين عليهما تبني نظرة إستراتيجية بعيدة المدى تجاه العراق.
دعم الأمن والديمقراطية بالعراق
وطالما أن المؤسسة المعنية برسم السياسة الخارجية الأميركية ما فتئت تتمحور حول التنافس بين القوى العظمى، كما تقول بورشفسكايا، فإن دعم الأمن والديمقراطية في العراق لن يؤدي إلى كبح الطموحات الإيرانية فحسب، وإنما كبح الأطماع الروسية والصينية أيضا.
ولطالما اعترف المحللون أن الهدف الأساسي من مشروع الحزام والطريق الاقتصادي ذو طابع جيوسياسي، تسعى الصين من ورائه لاحتلال مكانتها كدولة عالمية عظمى.
ومشروع الحزام والطريق هو مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن الـ19 من أجل ربط الصين بالعالم.
وليس سرا أن منطقة الشرق الأوسط -التي برزت في السنوات الأخيرة كأكبر مورد للمواد الهيدروكربونية إلى الصين- تعد حلبة حيوية لمطامع بكين الإستراتيجية العالمية.
مصالح الصين بالعراق
وتتطلع بكين على نحو مطرد وبشكل أقل وضوحا إلى ترسيخ موطئ قدم لها في العراق، ليس طمعا في احتياطاته النفطية الهائلة وحدها، بل الأهم من ذلك ربما هو موقع العراق الإستراتيجي الذي يعد أمرا حيويا في إرساء مركز يتيح للصين السيطرة على الطرق التجارية التي تربط بين الدول في منطقة أوروبا وآسيا.
وترتبط الصين بالفعل بشراكة مع إيران. وبنظرة سريعة إلى خارطة الطريق والحزام، تظهر إيران بوصفها نقطة ارتكاز إقليمية مهمة، في وقت ظلت فيه طهران وبكين تتطلعان إلى تعزيز تلك الشراكة.
لكن الصين تحتاج كذلك للعراق، ومن أجل ذلك ظلت بكين تعمل بهدوء خلال السنوات الماضية على زيادة وجودها في هذه الدولة، وفقا للكاتبة بورشفسكايا، التي تعمل زميلة باحثة في معهد واشنطن.
وبرزت الصين بوصفها أكبر شريك تجاري للعراق قبل حتى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما أن العراق هو ثالث أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين بعد كل من السعودية وروسيا.
وتعمل الشركات الصينية في العراق، لا سيما في حقول النفط الواقعة بجنوبي البلاد، وتنخرط أيضا في تقديم خدمات مثل صيانة محطات الكهرباء.
ومن أبرز المؤشرات على دور الصين المتعاظم في تلك الدولة العربية مذكرة تفاهم بقيمة 10 مليارات دولار أميركي كان رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي قد وقعها معها العام الماضي، والتي تنص على تقديم قرض للعراق فيما عُرف بصفقة النفط مقابل إعادة الإعمار. وبموجب المذكرة يزود العراق الصين بمئة ألف برميل نفط يوميا نظير مشروعات بنى تحتية تقيمها شركات صينية.
وقد قوبلت تلك الصفقة بانتقادات داخلية كثيرة، بما في ذلك من قبل البرلمان العراقي. واعتقد البعض أن عبد المهدي استغل إبرام المذكرة لصرف الانتباه عن إخفاقات حكومته، في حين أشار آخرون إلى غموضها.
روسيا
وتركز روسيا من جانبها على المزايا النسبية في العراق وتحديدا فيما يتعلق بتوريد السلاح والطاقة وارتباطاتها بالمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وذلك ضمن رؤيتها الأوسع لتنافس القوى العظمى مع الولايات المتحدة.
وروسيا، كما الصين، لا تتصدر المشهد في العراق، لكن مصالحها وتنافسها على السيطرة على القطاعات المذكورة آنفا سوف يستمران، برأي آنا بورشفسكايا.
والأهم من ذلك -من وجهة نظر كاتبة المقال- أن الصين تنظر إلى روسيا كقدوة عسكرية يُحتذى بها وليس العكس. والدولتان (روسيا والصين) تتعاونان معا أكثر من تنافسهما مع بعضهما بعضا، وكلاهما شريكة لإيران في نهاية المطاف.
أما العراقيون من جانبهم فإنهم ينظرون إلى روسيا على أنها دولة تعي الخطر الذي يمثله "الإرهاب السني"، على حد تعبير مقال ناشونال إنترست، كما أنهم يعتقدون أن الصين وروسيا كلتيهما أكثر استعدادا من الغرب لتحمل المخاطر عندما يتعلق الأمر بالعمل في بيئات خطرة وغير مستقرة.
مصالح أميركا والغرب بالعراق
فما الذي يعنيه كل ذلك للولايات المتحدة؟ تجيب كاتبة المقال بأن العامل الأول يكمن في أن الولايات المتحدة تنظر إلى أن الشرق الأوسط على أنه "يشغلها" عن الاهتمام بالمنافسة بين القوى العظمى.
أما العامل الثاني فهو أن النفوذ المتعاظم للأطراف المنخرطة في العراق سيتيح لهؤلاء تشكيل هذه الدولة -وبالتبعية المنطقة برمتها- بما يتوافق مع قيمهم ومصالحهم التي تتناقض مع قيم الغرب ومصالحه.
وتمضي الكاتبة إلى القول إن مشاكل العراق عميقة الغور، ومع ذلك فإن البلاد تمتلك إمكانيات مذهلة قادرة على جعلها واحدة من أكثر الدول تطورا في المنطقة. بيد أن بورشفسكايا تزعم أن إيران -شأنها شأن الصين وروسيا- لا تريد يقينا أن ترى العراق دولة بذلك النمو والتطور.
كما أن تركيا تساهم في زعزعة استقرار العراق، رغم أنها شريك تجاري مهم له.
شعب العراق
وترى الكاتبة أن السماح لإيران وروسيا والصين بالهيمنة على العراق لن يفضي إلا لمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، مضيفة أن تلك الدول لن تستثمر في أهم موارد العراق ألا وهي شعبه.
إن العراق -وفق ما خلص إليه مقال ناشونال إنترست- ليس بحاجة ليكون في صدر أولويات السياسة الخارجية، بل إن الاستثمار في أمنه ووحدته وديمقراطيته يمثل دليلا على الحنكة السياسية الحقيقية.
ومع استمرار مد الاستبداد بالشرق الأوسط في النمو، فإن الانخراط في المنطقة سيساعد في ضمان أن المصالح الأمنية والجيوسياسية الأساسية للولايات المتحدة سوف يتردد صداها إلى أبعد من العراق.