آخر الأخبار
بارزاني يغازل الجولاني.. عين مسعود على "المرجعية الكردية" ويريد موطئ قدم بـ"سوريا القادمة" إلغاء خدمة العلم ورفع الرواتب في سوريا.. قرارات جديدة من الجولاني "خوشناو" لاعباً عراقياً بعد انجاز أوراقه الرسمية ترسانة الأسد الكيماوية.. ماذا تبقى من السلاح المحرم وأين يخبؤه؟ نينوى تعطل الدوام ثلاثة أيام للإيزيديين

تقرير بريطاني يكشف تفاصيل جديدة عن مقتل تارة فارس وظروف وفاة رفيف الياسري ورشا الحسن

تقارير مترجمة | 9-09-2019, 04:50 |

+A -A

بغداد اليوم- متابعة

كشف تقرير بريطاني، عن تفاصيل جديدة بشأن مقتل الموديل تارة فارس، وخبيرتي التجميل رفيف الياسري ورشا الحسن.

وذكرت صحيفة "الصنداي تايمز" في تقرير لها نشر الأحد 8 ايلول 2019 "استيقظت فارس في وقت متأخر يوم مقتلها، وكان الوقت قد تخطى الظهر حين قامت من سريرها في بيت صديقها أحمد الشمري وسط العاصمة بغداد، وبعدها بدأت بوضع المكياج. نادراً ما كانت تارة وهي من النساء المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي تستيقظ قبل الظهر. كانت تارة مع صديقها أحمد وهو طالب هندسة كومبيوتر ومنتج موسيقي، خارج البيت حتى الساعة السابعة من صباح اليوم السابق، خرجا معا وأكلا البرغر وشاهدا فيلما في منزله الكائن في “كمب سارة” حيث قاما بجولة في بغداد وسط مراكز التسوق ذات الإضاءة الزاهية.

وتعدّ فارس وفق التقرير من أكثر النساء المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما على موقع “سناب تشات”، اذ يتابعها اكثر من 3 ملايين شخص، وكانت حساباتها على المواقع الأخرى تضج بالتفاعل. في تلك الليلة نشرت فارس بضعة مقاطع فيديو تظهر في سيارة بيضاء اللون نوع “بورش” ذات مقاعد جلدية حمراء، رغم أنها كانت تريد سيارة نوع رانج روفر زرقاء اللون.

في حديثه الى (الصنداي تايمز)، قال أحمد إن “تارة أيقظته في الساعة الخامسة مساءً، وكانت سترى صديقاً مشتركاً وهي فتاة لها اسم مستعار (دي جي- عيوش)، وخلال الأيام الماضية غالباً ما تقول إن شيئاً ما سيحدث، لكنها كانت مبتهجة ومتحمسة”.

بدأت تارة تأخذ طريقها، ودخل أحمد الى منزله، سمع ثلاث رصاصات، وعيناه تحدقان بشاشة التلفاز (المربوطة بالكاميرات الخارجية) في المطبخ، فيما الطريق الخارجي تتحرك فيه السيارة ببطء قرب المنزل، ركض الى الشارع ليجد تارة في مقعد السائق والدماء في جميع انحاء السيارة ذات المقاعد الجلدية الحمراء.. انها ميتة تماماً.

وأظهرت لقطات عُرضت على شاشات التلفاز، أن رجلاً قد صعد الى السيارة وأطلق النار عليها بمسدسٍ من مسافة قريبة عبر النافذة. واحد، اثنان، ثلاثة، ليقفز الى دراجة نارية كانت بانتظاره على الجانب الاخر.

سبب مقتل تارة فارس العام الماضي، ضجة كبيرة في العراق، لكن بالنسبة لكثيرين لم يكن الامر صادماً، فقد كانت ثالث نجمة في وسائل التواصل الاجتماعي من العراقيات تموت بظروفٍ غامضة ومريبة في ذلك العام. فقبل شهر من مقتل تارة، عُثر على رفيف الياسري، خبيرة التجميل والمشهورة باسم “باربي العراق” ميتة في منزلها. وبعد أسبوع من مقتل الياسري، توفيت رشا الحسن، التي كانت تملك صالون تجميل وتحظى بشعبية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي إثر انهيارها في المنزل امام ابنها.

أثار نبأ وفاة النساء الثلاث في بغداد ضجة داخل المجتمعات العربية، وكذلك في المملكة المتحدة (بريطانيا)، لاسيما أن البلاد كانت في خضم أزمة سياسية بعد عام على هزيمة تنظيم داعش. لذلك سارع رجال الشرطة والسياسيون ومن بينهم وزير الداخلية السابق الى القول إن “تارة فارس قُتلت على ايدي جماعات مسلحة متطرفة”.

وقد اُستهدفت النساء الثلاث لنمط حياتهن الليبرالية المنفتحة، وامر رئيس الوزراء (السابق حيدر العبادي) بإجراء تحقيق بشأن وفاة تارة فارس ومقتل خمس نساء أخريات قائلاً إن قتلهن أعطى انطباعاً بوجود خطة منظمة وراء هذه الجرائم.

وانتشرت شائعات في جميع انحاء العراق، ومنها ان جهات متطرفة تقتل امرأة كل يوم خميس من نهاية الأسبوع، وهو اليوم الذي توفيت فيه رفيف ورشا وتارة، وهذا ما كان يعتقده كثيرون، فاختفت الناشطات الأخريات وفر بعضهن الى خارج البلاد، ما دفعهن الى إغلاق حساباتهن على الانترنت، خوفا من أن يكن الهدف المقبل.

ولم يتم قتل تارة ورفيف ورشا كجزء من مؤامرة كبرى قامت بها جماعة متطرفة، إلا أن السبب الحقيقي في استمرار موت النساء بدا شيئاً اكثر غدراً وفق التايمز، فبعد تحقيقٍ دام عدة أشهر وعشرات المقابلات مع أصدقاء الضحايا وأتباعهم والشرطة والسياسيين ومسؤولي الامن، ظهر كيف وصل الموت الى النساء الثلاث اللاتي يعتبرن الأكثر تأثيراً في بغداد. والذي دل على أن الرجال الأقوياء المرتبطين بجهات متنفذة متورطة في أنشطة إجرامية شاركوا بالفعل في مقتلهن، حتى أنهم في قضية تارة كانوا يعتقدون أنهم سيفلتون من العقاب.

وُلدت تارة فارس في عام 1996 لعائلة مسيحية فقيرة في حي شعبي ببغداد. كانت في السادسة من عمرها حين اعتنق أهلها الإسلام، وسعى والداها الى إعادة تربيتها وفقاً لمواصفاتٍ يرى والداها انها مناسبة بحق ابنتهما، بشأن ما يجب ان تكون عليه الفتاة الطيبة.

تقول احدى صديقات تارة في المدرسة للصحيفة “عندما كنا صغيرتين، لم تكن تارة معتادة على وضع المكياج، لكنها كانت تكره المدرسة رغم ذكائها الشديد للغاية، وكان والداها صارمين معها”.

ومع مرور الوقت الذي كانت فيه تارة بسن المراهقة، كان من الواضح انه مهما حاول والداها تربيتها بطريقتهما، كانت تنفر وتتجه نحو التمرد، فقد بدأت بارتداء الكعب العالي والملابس الحديثة، ودخلت مسابقة ملكة جمال محلية لتحتل المركز الثاني، وفي العام التالي فازت.

وكان لدى فارس الكثير من الأفكار الكبيرة يقول التقرير، منها الذهاب الى الولايات المتحدة الأمريكية أو العيش في دبي مع صديقها. لم تكن عائلتها معجبة بهذا النشاط لذلك وبعد وقت قصير من عيد ميلادها السادس عشر، زوّجها والداها من رجل من اختيارهما، لكن هذا الزواج سرعان ما فشل، وفقاً لما ذكرته صديقتان لتارة. فيما تزعم تارة بمقابلات سابقة، ان أسباب انفصالها هو سوء المعاملة الذي تعرضت له من قبل زوجها حيث كان دائما ما يضربها، ولم تتمكن صحيفة الصنداي تايمز من تأكيد هذه الادعاءات، ولم تتمكن من الاتصال بزوجها للتعليق.

أنجبت تارة طفلاً صغيراً اسمه أمير، وبسبب غضب زوجها من مغادرتها، أخذه الأب، ونادراً ما كان يسمح لها برؤيته، كما يقول اصدقاؤها. وبعمر 17 عاماً انتقلت الى تركيا مصممة على بدء حياة جديدة، حيث وجدت في العاصمة التركية اسطنبول صديقاً عراقياً، كان متزوجاً، لكنها عشقته على أية حال، وشعرت بسعادة غامرة لكونها تحبه، سيما أنها بدأت تعيش في مكان مناسب لارتداء السراويل القصيرة كلما أرادت ذلك، لكنه بقى متزوجاً ولم ينفصل عن زوجته، لتعود تارة مرة أخرى الى العراق وحيدةً.

لقد غيّر ألم الانفصال عن ابنها وعودتها الى المنزل شيئاً ما في تارة، وفقاً لصديقتها. وبدأت تتمرد ضد القيود المفروضة عليها، وقامت بنشر صور لنفسها على الانترنت كاشفة بذلك اجزاءً من جسدها واستعراض للاوشام التي وضعتها على جسدها وتدخينها للحشيشة.

وفي العراق  يعدّ “شرف” المرأة مقدساً، وهو أهم شيء تمتلكه. ويقول احد الصبيان الذين عرفوا تارة منذ أن كانت في الخامسة عشر من عمرها “لم يسمح لي أبي بالتحدّث معها، ويقول انها لم تكن جيدة وستجعل الناس يعتقدون أنني لست جيداً ايضاً”.

ومنحت خدمة الانترنت الحرية الهائلة للشباب العراقي، ولاسيما النساء اللاتي يمكنهن الاتصال بأي شخص في العالم، حتى لو كن يعشن حياة مقيّدة. ومن خلال كونها مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، أعطت تارة ما احتاجته للخروج من بغداد وأصبحت مشهورة.

في عام 2016، انتقلت الى العيش في مدينة أربيل التي تبعد 220 ميلاً الى الشمال من العاصمة العراقية، وفي إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، كان هناك العديد من مراكز التسوق وعدد لا يُستهان به من المتاجر، وفي بعض أنحاء البلدة، تتجول الفتيات بشعرهن الطويل وبقمصان وألبسة قصيرة.

لم يكن أحد أكثر متعة من تارة فارس، حين انتقلت الى أربيل كانت في العشرين من عمرها وكانت المدينة تضج بالحياة. أمضت فارس الليالي في شوارع المدينة، وكانت تقضي نصف وقتها مع أصدقائها مستمتعةً. وخلال أيام ذهابها الى الصالون لتعديل اظافرها وتجميلها، ظهرت على موقع التواصل الاجتماعي بفيديو قصير عبر “سناب تشات” وهي تدخن الحشيشة وتهاجم العادات المحافِظة وبعدها عادت لمراقبة تجميل اظافرها.

وبحلول عام 2018، بدأت تارة فارس تكسب المال عبر الانترنت، وكانت صالونات التجميل وشركات العدسات اللاصقة تدفع لها مبالغ عالية لقاء إعلانات تقوم بها، وهي غالباً ما كانت تقدم نفسها على أنها الفتاة اللطيفة في العراق، حالها حل كيم كاردشيان التي لا تغادر المنزل بدون المكياج، وتنشر صورها بلا هوادة.

وفي الاحياء الأكثر شغباً بأربيل وبغداد، كانت تُعرف باسم الفتاة الممتعة، حيث تجلب الطاقة الطفولية أينما تحل، لتكون مركز اهتمام نتيجة تصرفاتها مثل المعانقة والتقبيل بالهواء، وهي لم تهتم لثانية واحدة بأي شخص سواء كان سنياً او شيعياً او مسيحياً، ناهيك عن أنها كانت تمنح المال للمتسولين ولطيفة مع الغرباء، كما يقول الأصدقاء.

تقول صديقتها جاي الصايغ البالغة من العمر 33 عاماً المواطنة البريطانية من أصولٍ عراقية وتقيم في مدينة أربيل “كانت شخصيتها حيوية وإيجابية للغاية وتضحك دائماً ولديها قلب كبير”. ويقول اصدقاؤها ان زوجها حين نشر صوراً لزفافها، ردت عليه بنشر صوره بملابسه الداخلية، فلا شيء بعد الآن يمكن ان يؤذيها، كانت تعرف انها تستفز الناس وتعرف ما تنوي القيام به.

ونادراً ما كانت تارة تتحدث عن زوجها السابق، وفي بعض الأحيان حين تعود الى البيت تجد تارة الحزينة، وهي الشخصية الحقيقية لها بعد أن تغادرها تلك الابتسامة، بحسب حديث الصائغ.

بحلول العام الماضي، كان متابعو تارة فارس تجاوزوا الملايين على موقعي التواصل الاجتماعي “انستغرام” و”سناب تشات”. وأجريت مقابلة معها تحدثت فيها عن حياتها، وبعد فترة وفرّت ما يكفي من المال لشراء سيارة بورش. فصادقت بعض المتنفذين من مجتمع أربيل، وهم الأثرياء الذين يملكون النفوذ والقوة، وهؤلاء هم الأناس الأكثر خطراً. ومع اقترابها منهم، بدأت تارة بقضاء أمسيات في أكثر المطاعم ثراءً، والجلوس والتقاط الصور. بدأت تارة تحصل على المال وسافرت الى مختلف عواصم الشرق الأوسط، بينها عمّان ودبي، وتظهر من حسابها على الانستغرام، حتى بدت وكأنها تقيم بأكثر الفنادق رفاهية التي تكلف الليلة الواحدة فيها آلاف الدولارات. فجزء من هذه الأموال التي بحوزتها جاء من الترويج للصالونات التجميلية.

لكن وبحسب اصدقائها المقربين ومسؤولي الامن والشرطة، فإن تارة في السنوات الأخيرة كانت تمارس الجنس بانتظام مقابل المال، وتتقاضى آلاف الجنيهات في الليلة الواحدة، وهذا ما يحدث غالباً مع كبار رجال السن ذوي النفوذ.

ويقول عزّة ماراني، صديقها السابق والمقرب “تارة كانت ذكية جداً، ارادت ان تذهب الى الولايات المتحدة، ولديها حلم الوصول الى هناك، لكنها لم تحظ بفرصة للسفر، ورغم ذلك كانت تتصرف كأنها تعيش بأسلوب (بيفرلي هيلز وهي مدينة يسكنها نجوم هوليوود تقع في ولاية كاليفورنيا) حتى اني سألتها لماذا تفعلين ذلك في العراق؟ كانت تجبني انا لا اهتم لذلك”.

 

باربي العراق

توفيت “باربي العراق” في 16 آب من العام الماضي، وجاءت الاخبار صادمة بالنسبة لتارة ومجموعة معها، ففي الساعة الخامسة من ذلك اليوم، اقتحم رجلان مستشفى الشيخ زايد ببغداد، وكانت امرأة في سيارتهما وهي ميتة بالفعل، وهذه المرأة كانت تحتاج لساعتين ليبدأ جسدها بالتصلّب.

تعرف موظفو المستشفى على المرأة، إنها “باربي العراق” الجرّاحة التجميلية ونجمة التواصل الاجتماعي رفيف الياسري. انتشرت الشائعات سريعاً بأنها اغتيلت على ايدي ميليشيات كانت تستهدف أسلوب حياتها، لكن مصادر متعددة قدمت روايات أخرى عن وفاتها

ورغم أن رفيف درست الطب، إلا أنها اشتهرت بإدارة صالون تجميل راقٍ ببغداد، وللقيام بذلك، كما يقول الأصدقاء والشرطة ومصدر كبير في أجهزة الامن القومي، كان عليها ان ترضي الجهات المتنفذة  القوية، فهم كانوا كمورد ابتزاز وشريك تجاري مفروض عليها، وكان عليها ان تفعل ما يطلبونه منها مقابل الحماية.

كان صديقها أحد كبار الرجال المتنفذة وهو مسيحي، في تلك الليلة التي سبقت وفاتها، وفقاً لعشرات المصادر، فانهما خرجا وثملا ثم ناما معاً، لكن سرعان ما نشب الخلاف بينهما، حيث أراد معاقبتها فسلمها الى اثنين من حراسه الشخصيين اللذين بدورهما اغتصباها، وفقاً لمصادر أمنية عراقية. وهذا ما يؤكده ضابط شرطة كبير قرأ التقرير الطبي، على أنها تعرضت للاغتصاب.

وعادت الياسري الى منزلها في الساعة الخامسة صباحاً، أبلغت خادمتها بإيقاظها في الساعة الثالثة مساءً، وفي الساعات التي تلت عودتها الى المنزل، تناولت جرعة زائدة من المخدرات التي قتلتها وقت الغداء في اليوم التالي. ويقول مصدر في المستشفى كان يعرف رفيف منذ نصف عقد، إنها كان تتعاطى الهيروئين بانتظام “لقد كانت مدمنة، وكان الأشخاص الذين قتلوها يعلمون ذلك”.

عندما توفيت رفيف، تعرضت رشا الحسن الى صدمة، تلك المرأة التي تدير صالون تجميل في واحدة من اغنى المناطق الراقية ببغداد، وكانت تحظى بشعبية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. الضحيتان تعرفان بعضهما البعض، ورغم انهما لم تلتقيا، إلا أن رشا كانت خائفة طوال هذا الأسبوع، كما يقول احد الأصدقاء “كانت تبكي وتقول سأكون أنا الثانية بعد رفيف”. وبعد أسبوع تقريباً من وفاة رفيف في الساعة 4.30 مساءً يوم الخميس الموافق 23 آب أغسطس، انهارت رشا في مطبخها، نُقلت من قبل عائلتها الى مستشفى الشيخ زايد، وكان زوجها لا يرغب باثارة أية ضجة، مكتفياً بالقول إنها كانت مريضة، وفي هذه الاثناء كان قلب رشا يحتاج الى صعقة كهربائية لتبدأ حياتها من جديد، لكنها توفيت بعد لحظات.

وصرخ احد الأطباء ما الادوية التي كانت تتناولها وطلب من مرافقيها الذهاب الى منزلها والحصول على أدويتها، أصرت أسرتها على أنها لم تأخذ شيئاً لكنهم سرعان ما عادوا الى الطبيب بعدد من المهدئات.

ومثل رفيف كان على رشا التعامل مع جهات لابقاء صالونها يعمل، وفقاً لصديقة مقربة منها ولأعضاء بجهات ومصادر في قوات الامن الوطني والشرطة، فكان صالونها له صلات بمبيعات المخدرات عبر ميليشيات، ما يتيح لها الوصول الى كميات اكبر من المهدئات، وكذلك الخوف من حدوث شيء ما بشكل خاطئ تدفع ثمنه غالياً فيما بعد.

لم تبق رشا على قيد الحياة بعد فترة طويلة من إنعاشها، أدت الشائعات المحيطة بوفاتها الى إصابة الناشطين العراقيين بحالة من الذعر، وكانت تارة قلقة جداً كما يقول احد الأصدقاء. فلقد اغلق هؤلاء حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وظلوا في منازلهم. فيما كان المتطرفون يواصلون القتل، وظن الناس أن تكون هناك ضحية جديدة مساء كل يوم خميس، ولكن جاء الأسبوع التالي ولم يُقتل احد.

في شهر أيلول، بعد أسابيع قليلة من مقتل رشا ورفيف، اخبرت تارة فارس، صديقاتها المرعوبات بأنها ذاهبة الى بغداد بعد حصولها على فرصة عمل، ولكن كان هناك سبب آخر لزيارة المدينة، إذ أخبرت صديقاً مقربا أنها ستعمل مع رجل ثري جداً، اشترى لها ساعة من الماركة الشهيرة روليكس، وأعربت عن أملها في أن تتمكن من الحصول على سيارة نوع رانج روفر منه. هذا الرجل كان غامضا، فرغم أن تارة فارس كانت تنشر تفاصيل حياتها بشكل يومي، لكنها كانت حريصة على عدم إظهار ما يتعلق ببعض الأشياء، ومنها هذا الرجل القريب جداً من قائد ميليشيا قوي.

ووفقاً لعدة مصادر أمنية، فإن احد معارف تارة، يسيطر على حانات بغداد، فضلاً عن العديد من متاجر الكحول في المدينة. وتقول بعض المصادر إن تارة كان لها دور متنامٍ في إدارة أعماله، ورغم انه مازال مجهولاً، إلا أن تارة كانت تتطلع لشراء مركز تجميل من هذا الشخص الذي كان يخطط لتقديمه لها بالكامل. ويمكن القول إن ساعة روليكس وسيارة نوع رانج روفر وصالون التجميل، ثروات هائلة لشخص يبلغ من العمر 22 عاماً مع دخل غير منتظم.

ووفقاً لأحد الأصدقاء كانت تارة تتحدث بانتظام في الأيام التي سبقت اغتيالها بالانتقال الى بغداد، متجاهلةً تحذيرات أحبائها. ويقولون انها لم تفهم خطورة الوضع. فقد تعرضت تارة لتهديدات بالقتل خلال فترات سابقة، لكن الجميع كان يتلقى تهديدات بالقتل وكان ذلك طبيعياً. ومع ذلك، فان التدفق المستمر على الـ”سناب تشات” من قبل تارة، منحها موقعاً اجتماعيا مميزا جعلها ترتاد المطاعم والحانات، الأمر الذي جعل صديقاتها معرضات للخطر، حتى أن إحداهن ممن كانت تصفها بالطفلة، تقول “ظنت أنها (تارة) ستكون على ما يرام، رغم اننا اخبرناها بعدم الذهاب الى بغداد”.

بغداد اليوم هي مكان مختلف عن المدينة التي نشأت فيها تارة، فالعنف الطائفي أهدأ مما كان عليه عقب الغزو الأمريكي، فيما توقفت التفجيرات الانتحارية الى حد كبير، والأجانب بدأوا يهبطون في مطار العاصمة، ويستقلون سيارات الأجرة للوصول الى فنادقهم، بدلاً من السيارات المدرعة التي كانت تقلهم، ويشرب المراهقون الويسكي ويرقصون فرحاً.

وفي مكتبه ببغداد، يقول رجل عراقي وهو يفسر الوضع الحالي إن “معظم كبار السياسيين منشغلون بأعمالهم الخاصة، وبعضهم يوفر الحماية للمومسات، والبعض الاخر يوفر الغطاء لتجار المخدرات، والبعض الاخر يلعب القمار، فلا احد يركز على حماية المجتمع من الجريمة المنظمة، ولا الدولة ولا مسؤولوها يهتمون لما يجري”.

فاضل الغراوي، عضو اللجنة العليا العراقية لحقوق الانسان، يقول “الجديد هو أن الجريمة المنظمة، بدأت تظهر وتستهدف المجتمع، وهذه الجريمة تأخذ من الأفكار الدينية غطاءً لتحركاتها، فباختصار بغداد أصبحت مكاناً للإفلات من العقاب”.

ماتت تارة بعد وصول أحمد، بأكثر من 30 ثانية اثر سماعه اطلاق نار، حيث ركض على الطريق خارج منزله، فرأى صديقته المفضلة ميتةً في سيارتها، والدماء تملأ المكان من حولها. كان القتلة قد ضربوا تارة رصاصتين في صدرها وأخرى في رقبتها، فماتت على الفور.

يقول أحمد “رأيت تارة في السيارة، والدماء في كل مكان، ركضت لكنني لا اعرف الى اين”. كان احمد يرتدي بدلة رياضية بيضاء، ونقل جثة تارة الى مقعد السائق، منطلقاً بسرعة نحو مستشفى الشيخ زايد، وفي الطريق اتصل أحد من أصدقائهما المشتركين على تارة، حيث كانوا معا في الليلة الماضية يأكلون البرغر ويلعبون لعبة الـ”PUP-G” على الانترنت.

عبر هذه اللعبة أخبر احمد صديقه علي أن تارة تعرضت للقتل، وهو ينتشل جثتها خارج المستشفى حاملا إياها بين ذراعيه، راكضاً نحو وحدة الطوارئ. كانت فارس متوفاة عملياً لحظة وصول جثتها الى المستشفى، فكان شكلها بلا مكياج اصغر بكثير مما تبدو عليه في موقع التواصل الاجتماعي “الانستغرام”.

نُقل أحمد الى مركز للشرطة للإدلاء بشهادته، وبدلاً من ذلك تعرض للاعتقال، ويقول انه أمضى اسبوعاً تحت التعذيب في مركز الشرطة، متعرضاً الى الصدمات الكهربائية ويسمع بالوقت نفسه أصواتاً تقول “عليك ان تعترف انك قتلت

وبعد بضعة أيام، انضم علي اليه، متعرضاً للمعاملة نفسها، ويقول “لم يجدوا شيئاً ضدنا، فحاولنا جاهدين عدم الاعتراف بشيء لم نرتكبه، لأنهم أرادوا القاء التهم علينا”. ولم ترد وزارة الداخلية على طلب التعليق على المزاعم بشأن التعذيب.

وفي خضم المعلومات الخاطئة التي يروجها بعض أفراد الشرطة والسياسيين بشأن مقتل تارة فارس، هناك شيء واحد واضح، وهو أن تارة فارس تم إعدامها من قبل فريق من القتلة المحترفين. وكان أحد الرجال يراقب الشارع لساعات قبل خروجها الى سيارتها، وهو مغطى الوجه أمام الكاميرا.

ولم يكن هذا الشخص الوحيد الذي ينتظرها، فعندما قاد احمد سيارة تارة الى المستشفى، تبعته سيارة أخرى، راقبته وشاغلته وهو يحمل جثتها، كما أخبر الشرطة أحمد أن تارة كانت حامل في الأسابيع السبعة الأولى حينما قتلت.

ومازالت التحقيقات مستمرة في مقتل تارة ورفيف ورشا، فيما يؤكد أكثر من خمسة مصادر بما في ذلك مسؤول في الامن الوطني وسياسي بارز مطلع على القضايا ، ان جميع القتلى يعاملون على انهم مريبون ولديهم نوايا إجرامية.

ولم يتم القبض على رجل الشخص الذي أمر حراسه الشخصيين بالاعتداء على رفيف، أو حتى استجوابه، حتى تم إجبار قاضيين على التنحي في الأسابيع الأولى من التحقيقات، حسب ثلاثة مصادر. وتم إخفاء تقارير الفحص الطبي بعد الوفاة، وصدرت أوامر من مكتبي وزيري الصحة والداخلية السابقين بعدم الكشف عنها إلا بتعليمات مباشرة من الوزراء انفسهم.

وأُطلق سراح أحمد وعلي، صديقي تارة، بعد خمسة أشهر قضياها خلف القضبان، مما عرض أحمد لخسارة سنة جامعية وسط ندوب واضحة عليه. أما “دي جي عيوش” الفتاة التي كانت تارة تخطط للقائها يوم مقتلها، تعرضت للاعتقال لفترة وجيزة وأطلق سراحها.

ولم يتم اعتقال او استجواب الفتى المقرب من جهات متنفذة الذي كانت تأمل تارة أن تأخذ منه سيارة الرانج روفر زرقاء اللون. وتقول خمسة مصادر حكومية إنه هو من أمر بقتلها، وفقاً لسياسي بارز مطلع على التحقيق، فيما يعتقد أحمد أن هذه الرواية غير صحيحة.

ويقبع قبر تارة في النجف الاشرف، فقبرها مزين باللون الأبيض واسمها مكتب باللون الأحمر. واستمر المعجبون لعدة أيام بالبكاء بعد ان تحول مقتلها الى قضية رأي عام.