سياسة / أمن / ملفات خاصة 17-10-2025, 09:06 | --

تقييد الفضاء الإلكتروني


حجب قنوات ومؤثرين ومواقع إخبارية.. السلطات تُحكم قبضتها على الإعلام الرقمي في العراق

بغداد اليوم – بغداد

تتسارع في العراق خلال الأشهر الأخيرة سلسلة قرارات وإجراءات تستهدف المؤثرين وصنّاع المحتوى وعددًا من المواقع الإخبارية، ما أثار مخاوف من تحوّل “تنظيم المحتوى” إلى سياسة تقييد ممنهجة للحريات الرقمية والإعلامية.

وقال المختص في الشأن الإعلامي والحقوقي علي الحبيب، لـ"بغداد اليوم"، إنّ "قيام السلطات العراقية بحجب عدد من المؤثرين وصنّاع المحتوى على منصة (تيك توك)، بعد أيام من حجب قنوات على تطبيق (تلغرام)، يمثل تصعيدًا واضحًا في نهج تقييد الفضاء الرقمي والإعلامي في البلاد".

وأضاف أن "هذه الإجراءات تعكس توجهاً رسمياً متنامياً للسيطرة على المحتوى الرقمي تحت مبررات الأمن أو القيم الاجتماعية، لكنها غالبًا ما تُتّخذ دون مسار قانوني معلن أو قرار قضائي واضح، ما يشكل انتهاكًا لمبادئ حرية التعبير التي يكفلها الدستور العراقي".

يرى مراقبون أن أخطر ما في هذه السياسة ليس فقط التوسع في الحجب، بل الانتقائية في التنفيذ. فبينما تُلاحق السلطات صانعي محتوى بتهم “الإساءة إلى الذوق العام” أو “المحتوى الهابط”، تُغضّ الطرف عن خطابات طائفية وتحريضية يطلقها بعض الناشطين والسياسيين المنتمين لأحزاب نافذة دون أن تطالهم المحاسبة أو الإشارة إليهم.

ويرى مختصون أن غياب المعايير الموحدة في التنفيذ يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة، ويخلق انطباعًا بعدم الاتساق في إدارة القضايا الإعلامية، ما يتطلب – بحسبهم – تعزيز التنسيق بين الجهات القضائية والتنظيمية والإعلامية لضمان وحدة المعايير واحترام مبدأ العدالة المتساوية في التعامل مع جميع الحالات.

ولم تقتصر الإجراءات على صناع المحتوى، إذ امتدت موجة الحجب إلى عدد من المواقع الإخبارية المحلية التي تناولت ملفات فساد أو انتقدت سياسات حكومية.
وأفاد صحفيون لـ"بغداد اليوم" بأن بعض المنصات الإعلامية “فُوجئت بإيقاف نطاقاتها داخل العراق” دون إشعار مسبق أو توضيح رسمي، رغم التزامها بمعايير النشر المهنية، معتبرين ذلك “رسالة ردع لكل من يخالف السلطة في الرأي أو التحقيق”.

ويُذكر أن العراق سبق أن فرض قيودًا مؤقتة على تطبيقات التواصل الاجتماعي خلال احتجاجات تشرين السابقة، بذريعة “حفظ الأمن”، ما عزز المخاوف من أن تكرار الحجب بات أسلوبًا متكررًا لإدارة الرأي العام بدل الحوار معه.

منذ منتصف عام 2023، بدأت السلطات بحجب قنوات تلغرام، ثم فرضت في 2024 رسومًا على المؤثرين، تبعتها إجراءات تجميد المدفوعات المالية الخاصة بتيك توك من البنك المركزي العراقي، وانتهى الأمر بحملات إغلاق صفحات ومواقع وصنّاع محتوى معارضين في 2025.

وبحسب مراقبين، فإن هذا المسار “يعكس تحوّل الحكومة من إدارة إعلامية تقليدية إلى إدارة أمنية للفضاء الرقمي، تُستخدم فيها أدوات الدولة للضغط على حرية النشر”.

تشير مصادر قانونية إلى أنّ وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات لا تنشر تفاصيل قرارات الحجب أو أسانيدها القانونية إلا بعبارات فضفاضة غير محددة، ولا تُتيح آلية طعن أو اعتراض للمؤثرين أو المواقع المتضررة.

ويؤكد مختصون أن هذا الفراغ في الشفافية يفتح الباب أمام التوظيف السياسي والانتقائي، ويضع العراق في موقع متراجع على مؤشرات حرية الإنترنت التي ترصدها المنظمات الدولية.

ووفقًا لتقرير منظمة “فريدوم هاوس” لعام 2024، صُنّف العراق ضمن فئة "غير حر رقميًا" بعد حصوله على 32 نقطة من أصل 100 في مؤشر حرية الإنترنت، وهي مرتبة متأخرة مقارنة بدول المنطقة، بسبب الرقابة الحكومية، وحجب المواقع الإخبارية المستقلة، وضعف الإطار القانوني لحماية المستخدمين.

كما رصدت هيومن رايتس ووتش في تقاريرها استخدام السلطات العراقية مواد قانونية فضفاضة لتجريم التعبير الإلكتروني، واعتقال ناشطين وصحفيين بتهم تتعلق بـ“إهانة المؤسسات” أو “الإساءة إلى الذوق العام”، ما يشكل انتهاكًا واضحًا لحرية التعبير الرقمية.

أما منظمة مراسلون بلا حدود (RSF)، فقد صنّفت العراق في المرتبة 169 عالميًا على مؤشر حرية الصحافة لعام 2024، مشيرة إلى أن الصحفيين والمؤسسات الإعلامية يواجهون ضغوطًا وملاحقات قضائية عند تناولهم ملفات سياسية أو فساد إداري.

وأكّدت منظمة العفو الدولية أن الحكومة العراقية واصلت تقييد حرية الرأي والنشر، وحجبت مواقع وأغلقت صفحات إلكترونية بذريعة “الأمن القومي” أو “القيم الاجتماعية”، معتبرة ذلك خرقًا لالتزامات العراق الدولية بموجب المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه العراق عام 1971.

وفي السياق ذاته، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان لعام 2024 أن العراق يشهد تضييقًا مستمرًا على حرية الصحافة والفضاء الرقمي، وأن العديد من وسائل الإعلام واجهت حجبًا أو تهديدات بسبب تغطياتها النقدية للشأن العام.

وشدد علي الحبيب على أن "الجهات الحكومية مطالبة باعتماد معايير معلنة لإدارة المحتوى الرقمي بدلاً من سياسات الحجب الشاملة أو المزاجية"، لافتًا إلى أن "الحل يكمن في التثقيف الإعلامي وسن قوانين عادلة توازن بين حرية النشر ومسؤولية الاستخدام دون المساس بحقوق المواطنين".

في الوقت الذي تبرر فيه الحكومة هذه الإجراءات بأنها لحماية “القيم المجتمعية” و“الأمن الرقمي”، يرى المدافعون عن حرية التعبير أن الأمن يُستخدم اليوم كذريعة للسيطرة على الفضاء العام، وأن "الحجب المتكرر دون قضاء علني يمثل تحوّلًا نحو نموذج من الرقابة الصامتة يُعيد البلاد إلى الوراء".

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

مخرجات اجتماع الإطار التنسيقي

بغداد اليوم - الإطار التنسيقي يعقد اجتماعه الدوري - ثمن جهود المفوضية والأجهزة الأمنية المختلفة لضمان سير العملية الانتخابية بسلاسة وشفافية - شدد على أهمية الأمن الانتخابي وتوفير بيئة مستقرة تضمن حرية الناخب وسلامة الاقتراع - أكد ضرورة تبنّي حلول

اليوم, 22:04