كتب: صلاح حسن بابان
انتخابات كردستان هذا العام تجري بلا عناوين كبيرة. تراجع خطاب المواجهة مع بغداد، وانطفأ شعار الاستقلال، واهتزت صورة الزعامات. الناخبون منشغلون بالأزمات اليومية، فيما ترسم الانتخابات الاتحادية المقبلة حدود اللعبة الجديدة بين أربيل وبغداد.
مع كل انتخابات، يتحول إقليم كردستان العراق إلى مشهد هوليوودي مثير للجدل، مليء بالوعود والتهديدات والشعارات التي ترفعها الجهات السياسية والحزبية الكردية كدعاية انتخابية؛ في محاولة منها لتعبئة الساحة الكردية ودفعها نحو صناديق الاقتراع، لضمان مشاركة أكبر، كمحاولة مطمئنة لضمان أعلى نسبة مشاركة للناخبين، والوصول إلى برّ مطمئنٍ أمام المجتمع الدولي وسط مخاوف من ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات، على غرار الدورات الانتخابية السابقة.
يبدو المشهد هذه المرة في كردستان مختلفاً، مع غياب شبه تام لـ”روح الانتقام” من العراق عموماً، والعاصمة بغداد خصوصاً. حيث كانت -خلال الانتخابات السابقة- الاحتفالات الكردية تشتعل بتهديدات وخطاب عدائي، لدرجة أن “بعض” الأحزاب الكردية وصفت بلاد الرافدين وعاصمتها مدينة السلام بأنها “جار سيء وعدو شرس غاشم”، يسعى إلى تقويض المكانة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للإقليم، ويتسبب في معاناة مواطنيه بقطع قوتهم، في إشارة إلى أزمة الرواتب بين بغداد وأربيل وعدم إرسالها بانتظام.
تقهقر الحملات الانتخابية
ولأن الحملات الانتخابية والتحشيد للاقتراع البرلماني الاتحادي خافِتٌ في عموم الإقليم، فإن إحدى الصور الانتخابية التي لطالما تكرّرت باستمرار، خافتة أيضاً، ألا وهي الاتهامات بين الأحزاب الكردية نفسها، حيث يتبرأ كل طرف من مسؤولية المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية في الإقليم، ويُحمّل الآخر مسؤولية تراجع مكانة كردستان أمام المجتمع الدولي والعالم، نتيجة تراجع حرية التعبير والتضييق على الحريات بعد اعتقال مجموعة من الصحفيين والناشطين خلال السنوات الست الماضية بتهمٍ مختلفة، منها ما يتعلق بـ”تهديد الأمن العام” وغيرها. هذا إضافة إلى أزمة تأخر صرف الرواتب وتطبيق نظام ادخار الرواتب، الذي يتضمن استقطاع نسبة من رواتب الموظفين، بالإضافة إلى توقف الترفيعات والعلاوات للموظفين منذ عام 2014، وتراجع المستوى الاقتصادي والرفاه الاجتماعي النسبي الذي كان يتمتع به الإقليم خلال أعوام 2003-2013، وهجرة كبرى شركات الاستثمار الأجنبية، وتوقف تصدير النفط من كردستان منذ مطلع عام 2023 وحتى نهاية أيلول الماضي، واستمرار هجرة مواطنيه إلى الدول الأوروبية بحثاً عن حياة آمنة على قوارب الموت هرباً من “بطش” أصحاب السلطة، علاوة على اتهامات “الولاء” للخارج.
كانت هذه الاتهامات بمثابة وجبات انتخابية دسمة للتعبئة الانتخابية، استخدمتها ووظفتها الأحزاب الكردية أمام خصومها خلال الحملات الانتخابية في مناطق نفوذها وسيطرتها. إلّا أن روح الحماس مع الأيام الأولى لانطلاق الحملة الانتخابية، في الثالث من تشرين الأول، بدت غائبة عن الحملات الانتخابية للأحزاب الكردية، على عكس المرّات السابقة. والسبب في ذلك هو انتهاء صلاحية “حلم الاستقلال وانفصال الإقليم الكردي” عن العراق، الذي كانت بعض الأحزاب الكردية تحمل رايته وتطالب به. كما تلاشى حلم الاستقلال المالي والاقتصادي، بعد أن فشل الإقليم في الاستمرار بتصدير نفطه بمعزل عن الحكومة الاتحادية في بغداد، وارتبطت رواتب موظفي الإقليم بالعاصمة العراقية مباشرةً.
إنّ ما يجعل الحملة الانتخابية الحالية في كردستان مختلفة تماماً عن سابقاتها، هو غياب قيادات الصف الأول عن السباق والترشح الانتخابي. ويعود ذلك إلى فقدانهم جزءاً كبيراً من ثقة الرأي العام والشارع الكردي، وفشل “الزعامات الكردية” في مناصرة القضايا الكردية في العاصمة الاتحادية، بما في ذلك حق تقرير المصير والاستقلال المالي والسياسي عن بغداد كما ادّعت سابقاً من خلال إمبراطورياتها الإعلامية وأمام ناخبيها. أمّا اليوم وبعد فقدان الأمل والثقة بـ”الزعامات الكردية”، لم يعد المواطن الكردي مُهتماً بحلم الاستقلال أو تصدير النفط، بل أصبح همه الرئيس هو ضمان استمرار تدفق الرواتب من الحكومة الاتحادية في بغداد، مما يُمكّن إقليم كردستان العراق من الحفاظ على نشاطه الاقتصادي، وبقاء أسواقه على قيد الحياة بعد تجربة مريرة على مدى السنوات العشر الماضية بسبب أزمة مالية شلّت الحياة فيها تقريباً.
من ينافس من؟
في إقليم كردستان العراق يتنافس 314 مرشحاً في الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، من إجمالي 7768 مرشحاً في عموم البلاد، للظفر بـ 44 مقعداً مخصّصاً لمحافظات الإقليم، منها 12 مقعداً لكوتا النساء داخل قبّة مجلس النواب العراقي الذي يضم 329 مقعداً. ويتنافس 173 مرشحاً في أربيل على 15 مقعداً، منها أربعة مقاعد لكوتا النساء. ويتنافس 115 مرشحاً في دهوك على 11 مقعداً، منها ثلاثة مقاعد لكوتا النساء. ويتنافس أكثر من 200 مرشح في محافظتي السليمانية وحلبجة على 18 مقعداً، منها خمسة مقاعد لكوتا النساء. جميعهم ينتمون إلى ثماني كتل سياسية كردية، منها كتل تقليدية كالاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وأخرى حديثة العهد بتوجهاتها وبرامجها السياسية المختلفة، ككتلة “هه لويست/موقف” المعارضة، التي من المتوقع أن تُهيمن على المشهد السياسي المعارض في كردستان خلال المرحلة المقبلة، بعد تراجع شعبية حراك “الجيل الجديد” بزعامة شاسوار عبد الواحد، الذي حُكم عليه مؤخراً بالسجن ستة أشهر على خلفية “فضائح” وملفات مالية وتهرب من الضرائب الحكومية، وتنتظره ملفات أخرى تتعلق بـ “فساد مالي وإداري”، وتهم احتيال، واختلاس أموال من مواطنين استثمروا أموالهم في مشروع “جافي لاند” السياحي في السليمانية، دون الحصول على أيّ نسبة من الأرباح. وقد بيع المشروع المذكور في مزاد علني بأكثر من 91 مليار دينار عراقي لمستثمر كردي في الخامس من تشرين الأول من العام الجاري، لسداد الديون الحكومية المستحقة على زعيم “الجيل الجديد”. وكان المشروع المذكور يوفر له إيرادات شهرية ضخمة كان يمول بها آلته الإعلامية ويدير بها شؤون حزبه، بحسب وسائل إعلام كردية.
الانتخابات بوصفها ترياقاً للإحباط
من صور الإحباط في المشهد السياسي الكردي فشل قادة الأحزاب السياسية الكردية في تشكيل حكومة الإقليم الجديدة، رغم مرور عام على انتخابات برلمان كردستان التي أُجريت في تشرين الأول 2024. ولا تزال الصراعات على المناصب والوزارات الرئيسة تعيق تشكيل حكومة جديدة، وسط توقعات بتأجيل تشكيلها إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية، المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني 2025. وقد يُمهد ذلك الطريق لتسويات سياسية واتفاقات بشأن توزيع المناصب وحصة كل حزب في حكومتي أربيل وبغداد.
لا شكّ في أنّ نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية قد تكون سبباً مباشراً وحاسماً في تشكيل الحكومة الكردية الجديدة في إقليم كردستان، والقصد هنا، أن الانتخابات الاتحادية الجديدة ستفتح باباً واسعاً، بكل تأكيد، للفائزين الكبار بها، وتعيد من خلاله توزيع المناصب الاتحادية، ما يعني توفّر أوراق لعب وخيارات إضافية على طاولة الحزبين الكرديين -الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني- المخصّصة لمناقشة مناصب حكومة الإقليم التي اختلفا على تقاسمها، حيث يُطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاستي الإقليم وحكومة كردستان، إلى جانب وزارات حساسة مثل الداخلية ووزارة الثروات الطبيعية، وغير ذلك، بينما يطالب الاتحاد الوطني الكردستاني بوزارة الداخلية ومجلس أمن الإقليم ووزارات أخرى. ويعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني هذا الأمر “خطاً أحمر” لا يمكن تجاوزه.
على مدى السنوات القليلة الماضية، حسمت المعادلة السياسية في كردستان توزيع المناصب التي يشغلها الكرد في بغداد. فعلى سبيل المثال، تولى الحزب الديمقراطي الكردستاني رئاستي الإقليم والحكومة، بالإضافة إلى حقيبتي الداخلية والثروات الطبيعية في كردستان، بينما تولى الاتحاد الوطني الكردستاني رئاسة جمهورية العراق. إلّا أنّ الواقع يبدو مرجحاً لتغيير هذه المعادلة نحو توازنات جديدة فرضتها التطورات الإقليمية والدولية، بما في ذلك تلك المتعلقة بتراجع النفوذ الإيراني وتنامي النفوذ الأمريكي والتركي في الساحة السياسية العراقية عموماً، بما فيها الساحة الكردية.
وتشير المعطيات الحالية إلى أن خريطة الاتفاق بين الحزبين الكرديين -المتنافسين الدائمين والحليفين الدائمين- ستتغير بما يضمن للحزب الديمقراطي الكردستاني رئاستي الإقليم والحكومة في كردستان، بينما سيتولى الاتحاد الوطني الكردستاني رئاسة برلمان كردستان، ووزارة الداخلية، ونيابة رئاسة الحكومة ومجلس أمن الإقليم، ووزارات أخرى كالمالية والتخطيط والبيشمركة، بالإضافة إلى مطالبته بتوسيع صلاحيات ممثليه في الحكومة الكردية. ويُعدّ هذا جوهر الخلاف بين الطرفين، مما يعيق تشكيل حكومة كردية جديدة في المرحلة الحالية، رغم التقارب الملحوظ بينهما. ويُرجّح استمرار الأزمة السياسية واتّساعها في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضايا مستقبلاً، رغم انعقاد اجتماعات مهمة خلال الأيام الأخيرة، منها “اجتماع الزعامات”، الذي عُقد مرتين خلال 72 ساعة، بين رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل جلال طالباني، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، في بيرمام، مقرّ إقامة بارزاني بأربيل، بالإضافة إلى لجان تفاوضية تضمّ قيادات الصف الأول في الحزبين. وناقش الطرفان تشكيل حكومة كردية جديدة، وتوحيد مواقفهما حيال مستجدات الإقليم، والذهاب بموقف موحّد إلى بغداد.
الذهاب إلى العاصمة
ليس واضحاً الموقف الكردي في بغداد بعد انتخابات 11 تشرين الثاني، حيث تلفّ الضبابية المرحلةَ الراهنةَ بشأن التحالفات السياسية مع الأحزاب السنية والشيعية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ويتوقع أن يُترك ذلك بعد معرفة عدد المقاعد التي سيفوز بها كل حزب كردي في الانتخابات. عندها، ستتضح الصورة أكثر بشأن الموقف الكردي من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
ونظراً للمسافة الشاسعة بين وجهتَي نظر الحزبين في ملفاتٍ مثل تشكيل حكومة الإقليم، يبقى سيناريو تفكّك الموقف الكردي إلى شطرين، كما حصل في عام 2021، وارداً، عندما تحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني مع رئيس حزب تقدم، محمد الحلبوسي، وزعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، لتشكيل الحكومة الجديدة. بينما ذهب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى جانب “الإطار التنسيقي الشيعي”، الذي تمكّن من إفشال مساعي الصدر لتشكيل الحكومة تحت عنوان “الثلث المُعطل”، مما أجبر الصدر على الانسحاب وتقديم نواب كتلته استقالاتهم، ما فتح الباب أمام الديمقراطي الكردستاني للعودة إلى الاتفاق مع الإطار التنسيقي، وتشكيل ما بات يُعرف بائتلاف إدارة الدولة، الذي انبثقت منه التشكيلة الحكومية برئاسة محمد شياع السوداني.
لكن، ولأن التيار الصدري يقاطع الانتخابات، تتزايد حظوظ احتمال آخر، احتمال مناقض لما حصل بُعيد انتخابات 2021، قد يقرّب المسافة بين الحزبين الكرديين في بغداد، ويختصر وقت تشكيل الائتلاف الحكومي والحكومة الاتحادية فحكومة الإقليم، لأن جميع المعارضين والمنقسمين في الضفّة الشيعية الكبيرة لن يكونوا بحجم الكتلة الصدرية وثقلها، ما يعني أن اتفاق الشيعة على الحكومة ورئيسها لن يواجه عقبة ضخمة كالتيار الصدري، وبالتالي، لن يواجه الشركاء من المكونات الأخرى -والكرد بمقدمتهم- ما واجهوه وجرّبوه بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
المصدر: نيريج
بغداد اليوم – الأنبار زار رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي، اليوم الأربعاء (15 تشرين الأول 2025)، عضو التحالف قتيبة رحيم مطلك في منطقة الزنكورة التابعة لقضاء الرمادي مركز محافظة الأنبار، برفقة عدد من قيادات التحالف. وبحسب بيان مكتبه الإعلامي، تلقته