بغداد اليوم - بغداد
يٌشكل ملف الحشد الشعبي نقطة تماس بين السيادة العراقية والسياسة الأمريكية، تقارير غربية، كشفت عن ضغوط مارستها واشنطن لوقف تمرير قانون الحشد الجديد، بالتوازي مع حزمة عقوبات استهدفت شخصيات ومؤسسات عراقية. وتشير المعطيات السياسية إلى أن هذه الخطوات تأتي ضمن استراتيجية أمريكية لإعادة هندسة التوازنات العراقية قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
تفيد القراءات القانونية بأن الحشد، بموجب القانون رقم (40) لسنة 2016، جزء من المنظومة الأمنية الرسمية، يخضع لتوجيه القائد العام للقوات المسلحة، ما يجعل أي محاولة لتقييد تمويله أو فرض قيود خارجية عليه مساسًا بالسيادة العراقية. وفق مقاربات سياسية حديثة، فإن واشنطن انتقلت من الضغط العسكري المباشر إلى استخدام العقوبات والرقابة المالية كأدوات لإعادة ترتيب المشهد الأمني والسياسي في العراق، وهو ما خلق تباينًا واضحًا في الرؤى بين العاصمتين.
تاريخياً، جاء الحشد الشعبي استجابة وطنية لفتوى دينية في 2014، قبل أن يُشرعن وجوده البرلمان عام 2016 في إطار مكافحة الإرهاب. ورغم أن القانون حدّد ارتباطه المباشر بالمؤسسة العسكرية الرسمية، إلا أن بعض التقارير الغربية، ومنها تقرير Middle East Monitor، ما زالت تصف الهيئة بأنها “ذراع نفوذ إقليمي”. لكنّ هذا التوصيف، بحسب دراسات بحثية متخصصة، يتجاهل الواقع الدستوري الذي جعل الحشد مؤسسة أمنية قائمة على أسس قانونية عراقية، وليست كيانًا موازيًا للدولة.
يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية السابق أيوب الربيعي لـ"بغداد اليوم"، إن “الحشد الشعبي هو قوة الشعب ويمثل جميع مكوناته، وقد تم تشريعه بقانون واضح يربطه بالمؤسسة الأمنية الرسمية.” تذهب التحليلات القانونية إلى أن هذا الموقف يعكس القراءة العراقية الرسمية لمفهوم السيادة المؤسسية، القائمة على الفصل بين الارتباط الإداري والولاء السياسي.
تقرير Middle East Monitor الأخير أشار بوضوح إلى أن إدارة ترامب استخدمت أدوات مالية ودبلوماسية لإيقاف تمرير القانون الجديد للحشد، من خلال تهديدات بالعقوبات على مؤسسات مصرفية وشخصيات سياسية، إضافة إلى تجميد معاملات مالية في مصرف الرافدين تتعلق بملف الرواتب. وتزامن ذلك مع إعلان الخارجية الأمريكية فرض عقوبات جديدة على شخصيات عراقية قالت إنها “مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني”، وهو ما فُهم في بغداد على أنه رسالة ضغط غير مباشرة تستهدف البيئة السياسية الداعمة للحشد. في المقابل، يقول الربيعي إن “الإملاءات الأمريكية لا يمكن أن تمر على مؤسسة أمنية وطنية رسمية”، مؤكدًا أن “ملف الحشد شأن داخلي خاضع لسيادة الدولة العراقية.” وفق تقديرات سياسية متقاطعة، فإن هذا الرد يعكس إدراكًا رسميًا متزايدًا لخطورة تحوّل العقوبات إلى أداة هندسة داخلية، لا مجرد سياسة ردعية. وتذهب قراءات بحثية إلى أن واشنطن، عبر هذه الآلية، تسعى لتقليص الدور الاقتصادي والسياسي للحشد دون الاصطدام الميداني معه.
في الداخل، تتعامل الحكومة العراقية مع الحشد بوصفه مؤسسة وطنية مشروعة، بينما تُصرّ بعض القوى الغربية على اعتباره “تحديًا لمبدأ حصر السلاح بيد الدولة”. ويرى الربيعي أن “ما يُطرح في وسائل الإعلام الغربية يحمل طابعًا سياسيًا أكثر من كونه واقعيًا، فالعراق دولة ذات سيادة ولن يسمح بالتدخل في ملفاته الأمنية الداخلية.” بحسب قراءات سياسية متخصصة، تمثل هذه التصريحات امتدادًا لموقف برلماني وحكومي عام يسعى إلى رسم خط فاصل بين الإصلاح الداخلي المشروع والضغط الخارجي المشروط. تشير البيانات الرقابية إلى أن الحكومة ماضية في عمليات تنظيم داخلية داخل هيئة الحشد، تشمل ضبط الرواتب وتوحيد القيادة العملياتية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الانضباط المؤسسي وتقليل الاعتماد على التمويل السياسي أو الخارجي. ويفسر خبراء في الشأن المؤسسي أن هذه الخطوات تمثل جوابًا عمليًا على المخاوف الغربية من ازدواجية القرار، دون أن تعني الانصياع الكامل للمطالب الأمريكية.
يمكن القول إن الجدل حول الحشد الشعبي لم يعد مجرد نقاش حول تشكيل أمني، بل تحوّل إلى اختبار شامل لمفهوم السيادة العراقية. الضغوط الأمريكية الجديدة — بما فيها العقوبات الاقتصادية والمالية — كشفت انتقال الصراع من الميدان العسكري إلى المجال المؤسسي والاقتصادي، وهو تحول يعيد العراق إلى مركز التجاذب بين مشروعين متوازيين: أحدهما يسعى لإعادة تعريف الأمن الوطني بمعايير دولية، والآخر يتمسك بالسيادة المطلقة في إدارة الشأن الداخلي. ووفق معطيات بحثية، فإن نجاح بغداد في تثبيت هذا التوازن سيحدد ليس فقط مستقبل الحشد الشعبي، بل موقع الدولة العراقية في معادلة النفوذ الإقليمي خلال العقد المقبل.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
بغداد اليوم - بغداد يواجه منتخبنا الوطني، اليوم السبت (11 تشرين الاول 2025)، نظيره الإندونيسي في تمام الساعة 10:30 مساءً على ملعب الجوهرة المشعة بمدينة جدة السعودية، ضمن الجولة الثانية من منافسات الملحق الآسيوي المؤهل إلى كأس العالم 2026. وذكر الاتحاد