بغداد اليوم – بغداد
يشهد الشرق الأوسط مطلع تشرين الأول 2025 حراكاً عسكرياً أمريكياً غير مسبوق منذ سنوات، حراك تتقاطع فيه الأبعاد المحلية مع الإقليمية، ليجد العراق نفسه مرة أخرى في صدارة معادلة معقدة يتداخل فيها الأمن بالسياسة والجغرافيا بالاستراتيجية. فبينما رُصدت تحركات داخل قاعدة عين الأسد غرب الأنبار، ظهرت في الوقت ذاته مؤشرات متسارعة في الأجواء العراقية عبّرت عنها تشكيلات جوية أمريكية انطلقت من قاعدة العديد في قطر، ضمت حاملات وقود ترافقها طائرات مقاتلة عبرت نحو إقليم كردستان وتركيا. هذا المشهد لم يكن معزولاً عن وصول تشكيلات مقاتلة متطورة إلى قواعد المنطقة، وانضمام حاملات طائرات إلى شرق المتوسط والخليج، في خطوة وُصفت بأنها إعادة تموضع استراتيجية ترفع من مستوى الجاهزية الأمريكية في لحظة مشحونة بالتوتر مع إيران وحلفائها.
مصدر مطلع تحدث لـ"بغداد اليوم"، عن متغيرات غامضة تجري داخل قاعدة عين الأسد غرب الأنبار، مبيناً أن "القوات الأمريكية المنتشرة في القاعدة بدأت منذ يوم أمس بإعادة الانتشار والتموضع ضمن ما يعرف بالنقاط المركزية لها". وقال المصدر في حديثه لـ"بغداد اليوم" إن "أسباب هذه المتغيرات غير واضحة، لكنها قد تشير إلى احتمال تحول الوضع القتالي في القاعدة إلى حالة مختلفة".
وأضاف أن "القاعدة لم تشهد منذ أيام أي عمليات لنقل مواد أو معدات عسكرية باتجاه قواعدها سواء في الشمال أو نحو سوريا أو الخليج العربي، كما جرت خلال الأسابيع الماضية، ما يشير إلى أن الوضع الحالي يتركز على إعادة التموضع الداخلي".
وأشار إلى أن "هذه المتغيرات قد تتضح أكثر في الأيام المقبلة، لتكشف الرسالة التي تريد القوات الأمريكية إيصالها من خلال هذه التحركات". وتشير القراءات البحثية إلى أن هذه التغييرات تعكس انتقالاً محتملاً نحو مرحلة جديدة من الاستعداد العملياتي، وهو ما يعيد العراق إلى صلب معادلة الصراع الإقليمي.
وفي السياق نفسه، وثّقت بيانات رصد الطيران مغادرة تشكيلات من قاعدة العديد في قطر، شملت حاملات وقود جوية ترافقها طائرات مقاتلة، عبرت الأجواء العراقية وصولاً إلى إقليم كردستان وتركيا. وتفيد التحليلات الدفاعية بأن الدفع بحاملات الوقود الجوية إلى الخطوط الأمامية يسمح بإبقاء المقاتلات في الأجواء لفترات أطول، بما يعزز خيارات الضربات أو الاستطلاع الاستراتيجي. كما أن اختيار الأجواء العراقية كممر لهذه التشكيلات يشير إلى استمرار العراق كجزء أساسي من البنية العملياتية الأمريكية في المنطقة، وهو ما يحمل دلالات سياسية وأمنية تتجاوز الطابع اللوجستي.
وتؤكد تقارير دفاعية متخصصة أن الولايات المتحدة دفعت خلال الأيام الأخيرة بأكثر من 24 طائرة مقاتلة متطورة إلى قواعدها في الشرق الأوسط، بينها طرازات مثل F-22 وF-35، فضلاً عن تعزيز الانتشار البحري بحاملات طائرات ومجموعات بحرية في شرق المتوسط والخليج. وتوضح التجارب التاريخية أن مثل هذا الحشد غالباً ما يسبق تغييرات في قواعد الاشتباك أو تحضيراً لفتح جبهات جديدة، وهو ما يعكس تحولاً في أولويات الأمن القومي الأمريكي بإعادة الشرق الأوسط إلى موقع "الأولوية المتقدمة" بعد سنوات من التركيز على ملفات آسيا وأوكرانيا.
من الجانب الإيراني، صدرت تصريحات رسمية حملت رسائل واضحة لاعتبار التصعيد الحالي مقدمة لمواجهة واسعة. إذ أكد مصدر إيراني أن "إيران أغلقت جميع الفجوات التي كانت مفتوحة منذ حرب الـ12 يوماً"، مضيفاً أن "الحرب القادمة ستكون مختلفة وطويلة وتشمل المنطقة بأكملها"، مع التشديد على أن "إيران لن تبدأ الحرب". وتُظهر هذه الرسائل أن طهران تسعى لتقديم نفسها كطرف دفاعي أمام المجتمع الدولي، مع التركيز على تعزيز قدراتها الدفاعية والصاروخية.
أما الخبير في الشؤون الأمنية أحمد التميمي فقد حدّد ملامح المواجهة المقبلة كما تراها واشنطن. وقال التميمي في حديثه لـ"بغداد اليوم" إن "تسارع وتيرة نقل المعدات العسكرية من واشنطن إلى الشرق الأوسط، سواء إلى القواعد الخليجية أو القريبة من إيران، تصاعد خلال الأيام التسعة الماضية، مع وصول طائرات قاصفة وأخرى للتزود بالوقود جواً وأساطيل بحرية".
وأضاف: "من المتوقع أن يعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن خارطة طريق جديدة لإيران مماثلة لما حصل في غزة، تركز على أربع نقاط رئيسية أبرزها: تسليم مخزون اليورانيوم عالي التخصيب فوراً، البدء بتفكيك البرنامج النووي، تجميد البرنامج الصاروخي، وإجراء تغييرات في البنية الحكومية لتقليص قوة وسلطة المرشد الأعلى".
واعتبر التميمي أن هذه المطالب ستُرفض من طهران، ما قد يجعل المواجهة شبه حتمية ويدفع واشنطن إلى عملية خاطفة تستهدف القدرات النووية والصاروخية ومراكز القرار. كما أوضح أن "إيران تعمل على تعزيز قدراتها في الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية بدعم من موسكو وبكين، في محاولة لاستنزاف الولايات المتحدة وحلفائها وخلق ما يشبه أوكرانيا جديدة"، مشيراً إلى أن "المواقف الخليجية ثابتة بعدم الانخراط المباشر خشية تعرض مصالحها الاقتصادية للخطر".
على الصعيد السياسي العراقي، علّق النائب عارف الحمامي على الموقف الوطني في حال اندلاع مواجهة شاملة، قائلاً في حديثه لـ"بغداد اليوم": "ملامح اندلاع حرب جديدة أصبحت قاب قوسين أو أدنى، خاصة وأن أي اتفاق حول البرنامج النووي والملفات الأخرى لم ينجح، وقد يندلع الرصاص في أي لحظة".
وأضاف أن "موقف العراق سيحدده تطور الأحداث، لكن بشكل عام بغداد تقف مع إيران لأنها على حق، فيما استهداف إيران ليس مرتبطاً بمسار محدد بل هو جزء من أجندة أمريكية غربية تهدف إلى منع أي دولة إسلامية من امتلاك قدرات نووية وصاروخية متقدمة، قادرة على خلق توازن ورد العدوان".
وأوضح أن "أي استهداف لإيران قد يطال لاحقاً دولاً أخرى مثل تركيا وباكستان، ما يجعل الاستراتيجية بعيدة المدى وتشمل جميع العواصم الإسلامية دون استثناء"، مؤكداً أن "أي حرب في المنطقة لن تقتصر آثارها على الجغرافيا المباشرة، بل قد تنتقل إلى مناطق أخرى، وستؤدي إلى فوضى كبيرة، وستتحمل الولايات المتحدة وزر أي حروب تفتعلها، لما سيكون لها من ارتدادات كبيرة على الاقتصاد الدولي".
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن ما تشهده المنطقة حالياً لا يمثل مجرد تحركات تكتيكية عابرة، بل يؤشر إلى إعادة تشكيل عميقة في قواعد الاشتباك الإقليمي. الولايات المتحدة تسعى لتثبيت معادلة ردع جديدة عبر الحشد العسكري وإعادة التموضع، فيما تعمل إيران على تقديم نفسها كطرف دفاعي مستعد لخوض مواجهة طويلة. وبين هذين المسارين، يظل العراق في موقع بالغ الحساسية، حيث تتقاطع فيه حسابات القوى الكبرى مع حسابات الداخل المحلي، ليصبح اختباراً عملياً لمدى قدرة التوازنات الدولية والإقليمية على تجنب الانزلاق نحو حرب شاملة قد تعيد رسم خريطة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لعقود قادمة.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
بغداد اليوم – بغداد أعلن رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، اليوم السبت (4 تشرين الأول 2025)، إطلاق قائمة الائتلاف الانتخابية خلال حفل رسمي حضره مرشحو الائتلاف، مؤكدا أن مشاركتهم في الانتخابات تمثل قرارا مسؤولا والتزاما بمسيرة بناء الدولة العراقية.