اقتصاد / سياسة / ملفات خاصة اليوم, 18:59 | --

أصبحت إلزامية


العراق مهدد بالعقوبات.. تجاهل تنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن إيران يضعه في "دائرة الخطر"

بغداد اليوم – بغداد

في الوقت الذي سارعت فيه أنقرة إلى إعلان التزامها بالعقوبات الأممية "Snapback" على طهران عبر مرسوم رئاسي وقّعه الرئيس رجب طيب أردوغان يقضي بتجميد أصول عشرات الكيانات الإيرانية، بقي العراق دون موقف واضح.

هذا التباين يكشف بوضوح الفارق في طريقة تعاطي الدول مع الالتزامات الدولية: فتركيا، رغم علاقاتها المعقدة مع طهران، آثرت التماهي مع النظام الدولي لتجنب أي مواجهة محتملة مع مجلس الأمن أو مع القوى الغربية. بينما بغداد، التي تُعد الشريك التجاري الأكبر لإيران في المنطقة، لم تُقدّم حتى الآن أي خطة بديلة أو مسار انتقالي يعكس استعدادها للتعامل مع العقوبات الجديدة. 

تشير تحليلات اقتصادية وقانونية إلى أن هذا التأخر يفتح الباب أمام مقاربات سلبية تجاه العراق، إذ يمكن أن يُفهم على أنه تحدٍّ للشرعية الدولية أو محاولة للمماطلة في تنفيذ القرارات.

ووفق تقديرات بحثية مستقلة، فإن وضع العراق تحت أنظار مجلس الأمن سيعني رقابة أشد على تعاملاته المالية والتجارية، ما قد يعرّضه لضغوط مباشرة في وقت يعاني فيه أصلاً من هشاشة اقتصادية.

تفعيل "آلية الزناد" المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015، والمعروفة اصطلاحاً بـ"Snapback"، يعني إعادة فرض جميع العقوبات الأممية التي كانت قد رُفعت عن إيران بعد توقيع الاتفاق. هذه الآلية تعيد تلقائياً تفعيل ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن بين عامي 2006 و2010، والتي شملت قيوداً على البرنامج النووي الإيراني، وتجميد أصول شخصيات وكيانات مرتبطة به، فضلاً عن قيود مصرفية وتجارية مشددة.

وبموجب هذه الخطوة، لم تعد العقوبات أحادية الجانب كما في السابق، بل أصبحت ملزمة لـ193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وفق قراءات قانونية، فإن ذلك يحوّل أي تعامل اقتصادي أو مالي مع إيران إلى مخالفة لقرارات مجلس الأمن، بما يعني أن جميع الدول، ومنها العراق، باتت مطالبة بوضع آليات واضحة للالتزام، وإلا عرّضت نفسها لاتهامات بعدم احترام النظام الدولي.

ويحذّر خبراء اقتصاديون من أن استمرار العراق في الصمت سيضعه في خانة الدول غير الملتزمة بالقرارات الدولية. فالخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أوضح أن "العراق لم يتحرك حتى الآن لتوضيح الآليات والخطط الزمنية لتنفيذ المقررات الأممية المفروضة على إيران، سواء بما يتعلق باستيراد الغاز أو التعامل التجاري أو المالي، وهذا ما قد يجعله تحت أنظار مجلس الأمن والمجتمع الدولي". هذا الطرح يعكس أن المشكلة لم تعد تقنية أو إجرائية، بل باتت مرتبطة بسمعة العراق في النظام الدولي، وما إذا كان سيُنظر إليه كدولة مسؤولة أم كدولة متمردة على قرارات أممية ملزمة.

وأضاف الهاشمي أن "(تركيا بدأت بتجميد أصول عشرات الكيانات الإيرانية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك المنظمة النووية الإيرانية وعدد من البنوك الإيرانية، حسب مرسوم رئاسي وقعه الرئيس أردوغان".

وأوضح أن "دول العالم بدأت تدريجياً بتطبيق العقوبات الأممية المفروضة على إيران كالتزام قانوني بالمقررات الدولية وتجنب مواجهة سياسية واقتصادية مع المجتمع الدولي".

وتابع الهاشمي: "عدم الالتزام بالمقررات الدولية الخاصة بإيران، يمكن أن يُدخل الدولة الممتنعة عن التنفيذ بمسارات دبلوماسية غير سليمة ويجعل منها دولة متمردة لا تحترم القرارات الدولية، وهذا ما قد يفتح الباب لردود أفعال دولية قد ترقى لمستوى العقوبات، وتلك مسألة على العراق تجنبها بشتى الطرق خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة".

من جانبه، يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية أحمد عبد ربه خلال حديث سابق لـ"بغداد اليوم"، أن "تفعيل زناد العقوبات على إيران سيترك انعكاسات مباشرة على الاقتصاد العراقي، لاسيما في ملف الطاقة والتجارة البينية، نظرًا لاعتماد العراق على الغاز والكهرباء الإيرانية بشكل كبير".

ويضيف أن هذا الإجراء "سيؤدي إلى ضغوط إضافية على السوق المحلية وارتفاع في الأسعار، فضلًا عن زيادة الطلب على الدولار وتأثيره على استقرار الدينار". هذه القراءة تؤكد أن التحدي لا يقف عند حدود الالتزام القانوني فحسب، بل يمتد إلى معيشة المواطن اليومية واستقرار السوق المحلية.

وأوضح عبد ربه أن "هذه التداعيات ليست بعيدة الاحتمال، فقد شهد العراق في أوقات سابقة تراجعاً حاداً في إمدادات الغاز الإيراني عندما تراكمت المتأخرات المالية، وهو ما انعكس فوراً على ساعات التجهيز بالكهرباء وأدى إلى احتجاجات شعبية واسعة.

والآن، مع دخول العقوبات الأممية حيز التنفيذ، فإن المخاطر تتضاعف لأن أي تعطيل إضافي في تدفقات الطاقة لن يكون قراراً إيرانياً فحسب، بل التزاماً دولياً يفرض على بغداد إعادة النظر في بدائلها سريعاً".

وفق تقديرات سياسية–اقتصادية متقاطعة، فإن ما يطرحه كل من الهاشمي وعبد ربه يكشف عن وجهين لأزمة واحدة: الأول يتمثل في الضغوط الدولية الناجمة عن غياب خطة رسمية، والثاني في الانعكاسات الداخلية التي قد تُفجر أزمات اقتصادية واجتماعية متزامنة.

هذا التداخل يوضح أن العراق لم يعد يملك ترف الانتظار، وأن أي تأخير إضافي قد يضاعف من كلفة الأزمة على المستويين الداخلي والخارجي.

جزء كبير من المعضلة العراقية يرتبط بالاعتماد شبه الكلي على الغاز والكهرباء الإيرانيين. فالعراق يستورد ما يصل إلى ثلث حاجته من الكهرباء عبر الغاز المستورد من إيران، وأي اضطراب في هذه الإمدادات ينعكس فوراً على الشبكة الوطنية. هنا تكمن صعوبة الموقف: فالتزام بغداد الكامل بالعقوبات قد يعني الدخول في أزمة طاقة داخلية، بينما تجاهلها سيجعلها أمام خطر العقوبات الدولية.

تفيد بيانات ميدانية أن العراق خسر في سنوات سابقة آلاف الميغاواطات من الكهرباء عندما قلصت إيران الإمدادات بسبب متأخرات مالية، وهو ما أدى إلى احتجاجات واسعة في الشارع. هذه التجربة تجعل الحكومة العراقية مترددة في حسم موقفها، خشية أن يؤدي أي التزام فوري بالعقوبات إلى صدمة داخلية لا يمكن احتواؤها بسهولة.

تؤكد تقديرات بحثية مستقلة أن المماطلة في إعلان خطة عراقية واضحة لتنفيذ العقوبات الأممية المفروضة على إيران قد يضع بغداد في موقع حساس أمام مجلس الأمن. فغياب أي التزام رسمي يُفسَّر عادة بوصفه تمرداً على النظام الدولي، خاصة وأن القرارات الأممية في هذه الحالة ملزمة لجميع الدول الأعضاء.

الخطورة تكمن في أن استمرار هذا الغموض قد يفتح الباب أمام فرض عقوبات ثانوية على العراق نفسه، كتقييد التحويلات المالية أو تشديد الرقابة على صادراته النفطية. وفق مقاربات قانونية، فإن هذا السيناريو سيؤثر بشكل مباشر على قدرة بغداد في إدارة استقرارها الاقتصادي والمالي، خصوصاً في ظل الحاجة الماسة إلى تمويل الموازنة وتغطية نفقات الطاقة.

ما بين ضغوط النظام الدولي ومتطلبات الداخل، يجد العراق نفسه أمام اختبار لم يعد يحتمل التأجيل. فإما أن يعلن خطة واضحة تضمن التزامه بالمقررات الأممية مع البحث عن بدائل استراتيجية للطاقة والتجارة، أو أن يواجه خطر التصنيف كدولة غير ملتزمة، بما يحمله ذلك من احتمالات فرض عقوبات أو ضغوط إضافية. المؤكد أن لحظة "آلية الزناد" لم تعد شأناً إيرانياً بحتاً، بل باتت معضلة عراقية بامتياز، ستحدد مسار بغداد في المرحلة المقبلة ومقدار قدرتها على المناورة بين الضغوط المتعارضة.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

من كردستان إلى قطر.. واشنطن تعيد تموضع قواتها وتحصّن قاعدة العديد لردع طهران- عاجل

بغداد اليوم – بغداد مع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، دخلت منطقة الخليج طوراً جديداً من معادلات الردع والتهديد، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أي هجوم يستهدف قطر سيُعتبر تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي. هذا الإعلان لا يقتصر على كونه

اليوم, 21:30