سياسة / ملفات خاصة اليوم, 15:59 | --

قدسية على المحك


انتخبوا الفاسدين!! عندما تتحول المنابر الدينية إلى سلاح "حزبي وطائفي" بمعركة "جمع الأصوات"

بغداد اليوم - بغداد

تشكل المنابر الدينية في العراق ركناً أساسياً من البنية الاجتماعية والثقافية، إذ ينظر إليها المجتمع بوصفها فضاءً للوعظ والإرشاد وتعزيز القيم الروحية. غير أن التحولات السياسية التي شهدها العراق بعد 2003، وما رافقها من صعود الإسلام السياسي، أدّت إلى إعادة توظيف هذه المنابر ضمن الصراع الانتخابي. فقد باتت بعض المساجد والحسينيات تُستغل في الدعاية المباشرة للمرشحين والكتل، بل تحوّل بعضها إلى منصات تعبئة مذهبية وطائفية، وصلت إلى حد الدعوة لانتخاب شخصيات متهمة بالفساد لمجرد انتمائها إلى مذهب معيّن.

وفق دراسات بحثية مقارنة، فإن هذا الاستخدام السياسي للمنبر يمثل انحرافاً عن وظيفته الأصلية، ويعكس اختلالاً في التوازن بين الديني والسياسي، ويطرح إشكاليات عميقة حول دور المرجعيات، وحدود القانون، وأثر الإسلام السياسي في صياغة العملية الانتخابية.

أكد المراقب السياسي والانتخابي رياض الوحيلي في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن "نحن نراقب بقلق متزايد ظاهرة استغلال المنابر الدينية من قبل بعض المرشحين والكتل السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث يفترض أن تبقى هذه المنابر مخصصة للوعظ والإرشاد وتعزيز القيم الروحية والأخلاقية، لا أن تحوّل إلى أدوات دعائية انتخابية".

هذا القلق يوازيه إدراك متنامٍ في الأدبيات البحثية بأن المنبر حين يتحول إلى أداة انتخابية، يفقد حياده المعنوي ويُدخل المؤسسة الدينية في مسار تنافسي يهدد مكانتها الجامعة. وتشير تحليلات قانونية معمقة إلى أن غياب النصوص الملزمة التي تمنع هذا التسييس منح الأحزاب مساحة واسعة لاستخدام الرمزية الدينية كغطاء لحشد الأصوات.

في تفصيل أسباب الظاهرة، أوضح الوحيلي أن "سماح بعض رجال الدين بهذا الاستغلال يعود في الغالب إلى غياب الرقابة الكافية، أو إلى ضغوط سياسية تمارسها جهات نافذة، وأحياناً إلى اجتهادات شخصية غير منضبطة". وفق مقاربات فقهية–قانونية، فإن المنبر لا يمثل ملكية شخصية للخطيب بل هو أمانة عامة تجاه المجتمع، ما يجعل تحويله إلى أداة انتخابية انتهاكاً لمبدأ القدسية. وتؤكد الدراسات الميدانية أن الضغوط الحزبية، مع شبكة المصالح الاجتماعية، لعبت دوراً مركزياً في إدماج الخطباء في اللعبة السياسية، خصوصاً في البيئات التي يهيمن فيها الإسلام السياسي على المجال العام.

ترى دراسات بحثية أن استغلال المنابر مرتبط عضوياً بصعود الأحزاب الإسلامية بعد 2003. ففي الحالة الشيعية، جرى توظيف الحسينيات والخطاب الحسيني لإنتاج تعبئة انتخابية عاطفية، بينما في الحالة السنية، استُغلت خطب الجمعة لتوجيه الناخبين بشكل مباشر أو غير مباشر. ومع مرور الوقت، تجاوزت الظاهرة الدعاية العامة إلى دعاية مذهبية وطائفية صريحة، وصلت إلى حد تبرير انتخاب الفاسدين لمجرد أنهم من مذهب محدد. هذا الانزلاق، بحسب قراءات سياسية–اجتماعية، يعكس خطراً مزدوجاً: شرعنة الفساد تحت غطاء الانتماء الطائفي، وتقويض مكانة المنبر كفضاء جامع للمؤمنين. وتوضح التجارب المقارنة أن هذا الخلط بين المقدّس والسياسي يشبه ما شهدته دول أخرى عانت من تغوّل الإسلام السياسي على المجال الانتخابي.

أشار الوحيلي في جزء آخر من حديثه إلى أن "المرجعيات الدينية، سواء السنية أو الشيعية، أكدت في أكثر من مناسبة على ضرورة النأي بالمنبر عن التوظيف السياسي المباشر، وحذرت من خلط الدين بالانتخابات بما يسيء لقدسية الخطاب الديني ويضعف الثقة بالمؤسسة الدينية ذاتها". هذا الموقف يعبّر عن إدراك المرجعيات للمخاطر، لكنه يظل، وفق تقديرات مؤسساتية حديثة، أقرب إلى التحذير الأخلاقي منه إلى الموقف التنظيمي الملزم. المشكلة الجوهرية تكمن في غياب آليات رقابية فاعلة، تجعل هذه التوجيهات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. وهنا تتداخل مسؤولية المرجعيات مع مسؤولية مؤسسات الدولة الانتخابية والرقابية، التي تكتفي غالباً بالصمت أمام التسييس الممنهج للمنابر.

ختم الوحيلي تصريحه بالقول إن "المطلوب اليوم هو موقف أوضح وأكثر صرامة من المرجعيات تجاه هذه الممارسات، وتفعيل الرقابة الرسمية والشعبية لحماية المنبر الديني من التسييس". هذه الدعوة، وفق قراءات نقدية في الفقه الدستوري، تمثل إقراراً بأن الظاهرة تجاوزت حدود الاستثناء وأصبحت قاعدة شبه مؤسسية. من هنا، يرى خبراء في الشأن السياسي–القانوني أن المعالجة تتطلب مقاربة مزدوجة: أولاً عبر تشريعات انتخابية واضحة تمنع استغلال المنابر، وثانياً عبر دور أكثر صرامة من المرجعيات لمنع الخلط بين المقدّس والانتخابي.

تُظهر التجربة العراقية أن المنبر، الذي كان يُفترض أن يبقى مساحة روحية وأخلاقية، أصبح رهينة الإسلام السياسي والأحزاب الإسلامية السنية والشيعية، التي حولته إلى أداة انتخابية وطائفية. وبينما تستمر المرجعيات في إصدار بيانات تحذيرية، يبقى غياب التشريعات الواضحة والرقابة الفاعلة سبباً في تكرار الظاهرة. وإذا لم تُتخذ إجراءات جادة، فإن استغلال المنابر سيبقى جزءاً من معركة الأصوات، على حساب قدسية الدين وثقة الجمهور بالمؤسسة الدينية.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

وفاة نزيل أثناء نقله من سجن العمارة والأجهزة الأمنية تفتح تحقيقاً

بغداد اليوم -بغداد كشف مصدر مطلع ،اليوم الخميس (2 تشرين الأول 2025)، عن فتح تحقيق في وفاة نزيل أثناء نقله إلى المستشفى في محافظة جنوبية. وقال المصدر لـ "بغداد اليوم"، إن "الأجهزة الأمنية فتحت تحقيقاً حول وفاة النزيل أثناء عملية نقله من سجن

اليوم, 17:23