اقتصاد / ملفات خاصة اليوم, 16:00 | --

دورة تعافٍ طويلة


الاقتصاد الكردي في غرفة الإنعاش.. والأسواق تتنفس على أمل انتظام الرواتب

بغداد اليوم - أربيل

يعاني اقتصاد إقليم كردستان من جُرعة اقتصادية خانقة منذ أشهر، حيث باتت الرواتب محور خلاف بين الحكومة الاتحادية والإقليم، وتحوّل تأخيرها إلى أزمة تمتد آثارها إلى كل قطاع اقتصادي. في خضم هذا الخلاف، يعاني الإقليم من ركود اقتصادي حاد في حركة الأسواق، وتراجع في الإنفاق المحلي، وتجميد لأعمال القطاعات التي كانت تُشكّل الدعامة الاقتصادية للمجتمع. في مثل هذا الواقع، لا يكفي استرجاع صرف الرواتب فحسب، بل ينبغي استعادة الثقة الاقتصادية والقدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يجعل ما يقوله الخبراء الاقتصاديون اليوم ذا أهمية مضاعفة، وفق مقاربات سياسية حديثة.

الخبير في الشأن الاقتصادي عثمان كريم أشار في حديثه لـ"بغداد اليوم"، إلى أن "أسواق الإقليم ميتة سريريًا، وتحتاج إلى أكثر من 6 أشهر على الأقل لاستعادة عافيتها، وعودة جميع القطاعات للعمل، على ما كانت عليه قبل الأزمة". هذا التشخيص يعكس أن التأثير يمتد عميقًا، فالركود اليوم لا يقتصر على تراجع المبيعات بل يمتد إلى توقف جسور التمويل المحلي، بحسب قراءات قانونية.

ثم أضاف أن "هناك قطاعات تعرضت للشلل التام، مثل سوق العقارات، وسوق الذهب، وسوق السيارات، وسوق الأجهزة الكهربائية، وسوق الأغنام والمواشي، وسيارات المنزليات الكمالية، وهذه القطاعات تحتاج لصرف رواتب الموظفين بشكل منتظم لمدة 6 أشهر، حتى تستعيد عافيتها". هذا التعداد يوضح أن الضرر ليس في قطاعات محدودة بل في شبكة اقتصادية متداخلّة تعتمد على الطاقة الشرائية للمواطن، تُظهر التجارب المقارنة أن الاقتصادات الإقليمية التي شهدت تأخيرات مماثلة في الرواتب تدخل في دوامة ركود تستغرق ثلاثة إلى ستة أشهر للتعافي.

وكما قال كريم: "الخطوة الأولى للموظف في كردستان ستكون بسداد ديونه، ثم بعدها سد حاجته من الحاجات الأساسية، وبعد الاستقرار المالي، يمكن أن يتجه للحاجات الأخرى الكمالية". هذه العبارة تأتي كخريطة طريق اجتماعية لما يعيشه الموظف الآن: أن الأزمة لا تقتصر على نقص السيولة، بل على ترتيب أولويات الشرائح المتضررة، وهو ما يبرهن أن العواقب تتجاوز الجانب المالي إلى الجانب النفسي والاجتماعي، يفسّر خبراء في الشأن المؤسسي أن هذا النمط من التقشف القسري يعمّق الفوارق الاجتماعية ويهدد بضعف الطلب في الأسواق.

التأثير المادي يتجسّد في أن الرواتب العالقة تمنع المواطن من المساهمة في الدورة الاقتصادية، مما يؤدي إلى جفاف السيولة في القطاعين التجاري والخدمي. مستويات الإيجارات تنخفض بفعل ضعف الطلب، والطلب على السلع الكمالية يكاد يتلاشى. كما أنّ الشكوى من تأخر الديون المصرفية والاقتراض الشخصي تنتشر، ما يُقارب ظاهرة تكدس الالتزامات لدى الفئات المتوسطة. تقديرات بحثية مستقلة تشير إلى أن الاقتصاد المحلي يخسر نحو 1 إلى 2٪ من الناتج المحلي الإقليمي شهريًا بسبب هذه الشلل في الحركة المالية.

كما يُلاحظ أن تعطل هذه القطاعات أدى إلى تسريح مؤقت لبعض العمالة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يرفع من معدّلات البطالة المقنعة ويزيد الضغط على شبكة الضمان الاجتماعي والخدمات العامة.

لتجاوز هذا الجرح الاقتصادي العميق، يقترح كريم أن يكون صرف الرواتب منتظمًا ومدوَّرًا لستة أشهر على الأقل، كجزء من استراتيجية إنعاش مستدام. لكنه يؤكد أن صرف الرواتب وحده غير كافٍ؛ يجب أن تُكمَّل بخطة تحفيز تشجع إعادة التمويل (مثل قروض ميسّرة)، ودعم القطاع الخاص المحلي ليُشغّل جزءًا من العمالة العاطلة ويعيد الدورة التجارية إلى الحياة.

كما يرى أن إلزام الجهات التشريعية والحكومية بإعطاء أولوية لتمويل الإقليم وتحديد آليات واضحة لتسوية الإيرادات غير النفطية، ضروري لتجنب عودة الأزمة في دورات لاحقة، تشير المداولات الدستورية إلى أن الخلافات بين المركز والإقليم حول الإيرادات غالبًا ما تَفضي إلى تعطيل الصرف في أوقات الأزمات.

يتبين أن حلّ مشكلة الرواتب في كردستان ليس مجرد إجراء إداري يطوى بنقرة تحويل مصرفي، بل هو إعادة تشغيل لجهاز اقتصادي متوقف، وإطلاق لنبض الأسواق التي كادت أن تموت سريريًا. تصريحات عثمان كريم وضّحت أن القطاعات التي كانت تستند إلى السيولة اليومية، مثل العقارات والسيارات والذهب، لن تعود للنشاط بين ليلة وضحاها، بل ستحتاج إلى دورة زمنية لا تقل عن ستة أشهر لتعافيها. المستقبل أمام الإقليم يعتمد على التزام دائم في الصرف، ليس كحل مؤقت، بل كجزء من استراتيجية مالية واقتصادية متوازنة تُعيد للناس قدرتهم على الادخار والإنفاق وتعيد للدولة قدرتها على تمويل المشاريع. وأي تقاعس في هذا المسار سيؤدي إلى فقدان الثقة التي تُعدّ العمود الفقري لأي تعاف اقتصادي حقيقي.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

ديالى تبحث مع السليمانية تأمين مياه بحيرة حمرين لمواجهة الجفاف

بغداد اليوم - ديالى أكد رئيس مجلس محافظة ديالى عمر الكروي، اليوم الإثنين (29 أيلول 2025)، أن وفداً رسمياً من المحافظة زار السليمانية لعقد لقاءات مهمة مع الحكومة المحلية والسلطات المعنية بملف المياه والسدود والمناطق الزراعية، لمناقشة خمسة ملفات حيوية

اليوم, 17:28