بغداد اليوم - بغداد
يشكّل ملف المخدرات في العراق تحديًا أمنيًا واجتماعيًا متصاعدًا، إذ تحوّلت البلاد من مجرد ممرّ للتهريب بعد 2003 إلى ساحة استهلاك وتوزيع ترتبط بشبكات عابرة للحدود. تقارير وزارة الداخلية تؤكد أن حجم المضبوطات ارتفع بمعدلات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، حيث نُفّذت ضربات موجعة استهدفت تجارًا وشبكات محلية ودولية بالتعاون مع أجهزة الأمن في السعودية ولبنان وسوريا وإيران، ما عكس أن المواجهة لم تعد محلية فحسب بل إقليمية الطابع. وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات أممية أن العراق بات من المسارات النشطة لتهريب الكبتاغون والميثامفيتامين في المنطقة، الأمر الذي يفرض على الدولة الجمع بين البعد الأمني، والغطاء القضائي، والتنسيق الدولي، وفق مقاربات سياسية حديثة.
قدّم اللواء المتقاعد جواد الدهلكي شهادته بأن الساحة الأمنية تشهد “إنجازات نوعية وملموسة في مجال مكافحة المخدرات، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية المختصة من تنفيذ عمليات دقيقة أسفرت عن ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة، إضافة إلى اعتقال عدد من كبار التجار المحليين والدوليين الذين يعدون من أخطر الشبكات الإجرامية.” هذا التصريح يتوافق مع البيانات الرسمية؛ فقد أعلنت وزارة الداخلية في بيانها الصادر أمس أن مديرية شؤون المخدرات نفذت عملية نوعية أسفرت عن ضبط 50 كغم من المواد المخدرة وإلقاء القبض على 21 تاجرًا ومروّجًا بينهم عناصر مرتبطة بشبكات دولية، مؤكدة أن المضبوطات أُحيلت إلى القضاء وفق الأصول. هذه الأرقام تمنح مصداقية للطرح بأن الضربات الأخيرة ليست ظرفية بل جزء من خطة متصاعدة، بحسب قراءات قانونية.
يشير الدهلكي إلى أن النجاحات “لم تأت بمحض الصدفة، وإنما نتيجة لتكثيف الجهود الاستخبارية والتنسيق العالي بين الأجهزة الأمنية والقضائية، فضلاً عن التعاون الإقليمي والدولي في تبادل المعلومات وملاحقة المطلوبين.” هذا الربط مهم، إذ بات تعاون العراق مع دول الجوار محوريًا في الحرب على المخدرات؛ ففي أيلول 2025 وقّعت العراق وإيران مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مكافحة المخدرات، تشمل تبادل المعلومات وتعزيز القدرات التقنية المشتركة. كما أن التنسيق مع لبنان أدى إلى تدمير مصنع كبتاغون، وهو ما يثبت أن المكافحة العابرة للحدود لا تنجح دون تبادل استخباري مباشر، تُظهر التجارب المقارنة أن الدول التي تستند إلى تعاون إقليمي أوسع تحقق نتائج أكبر في تفكيك الشبكات.
يرى الدهلكي أن الضربات النوعية “تمثل خطوة كبيرة في تعزيز الأمن المجتمعي، وحماية الشباب من أخطر الآفات التي تهدد مستقبلهم، كما أنها تعكس الجدية والإرادة الحقيقية للدولة في مواجهة هذه الظاهرة العابرة للحدود، وتجفيف منابع تمويل الجريمة المنظمة والإرهاب.” هذا التحليل ينسجم مع بيان الداخلية الذي شدّد على أن الحملات لن تتوقف، وأنها تمثل رسالة واضحة لحماية المجتمع من أخطر التحديات الأمنية والاجتماعية. غير أن مواجهة هذه الظاهرة لا تكتمل من دون سياسات موازية للتوعية وبرامج إعادة التأهيل، وهو ما تشير إليه خبرات دولية اعتبرت أن الإجراءات الأمنية وحدها لا تعالج حجم التحدي.
تزايد حضور المخدرات في السوق المحلي لم يعد قضية جنائية فحسب، بل أصبح تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي العراقي. فالمؤشرات الرسمية تشير إلى أن غالبية المتورطين في قضايا التعاطي والترويج من فئة الشباب بين 18 و30 عامًا، أي الشريحة الأوسع التي تمثل قوة العمل والمورد البشري للدولة. هذه الظاهرة أدت إلى ارتفاع معدلات التفكك الأسري، وزيادة نسب الجريمة المرتبطة بالسرقة والابتزاز لتوفير ثمن المواد المخدرة، فضلًا عن الضغط الكبير على المؤسسات الصحية والسجون.
تقارير وزارة الصحة أوضحت أن مراكز العلاج من الإدمان في بغداد والمحافظات تستقبل مئات الحالات شهريًا، وهو رقم يفوق الطاقة الاستيعابية، فيما تؤكد بيانات وزارة العدل أن نسبة كبيرة من النزلاء الجدد متورطون في قضايا مرتبطة بالمخدرات. وبحسب تقديرات بحثية مستقلة، فإن استمرار هذا المسار يهدد رأس المال البشري للدولة، ويحوّل المخدرات إلى أداة إضعاف طويلة الأمد لمجتمع يعاني أصلًا من أزمات اقتصادية وأمنية. ولهذا، فإن مواجهة الظاهرة لا تُختزل بالضربات الأمنية فقط، بل تتطلب برامج توعية، دعم نفسي، وآليات إعادة دمج اجتماعي، حتى لا يتحول الخطر من تهديد أمني إلى أزمة بنيوية تمس استقرار الدولة ومقدراتها المستقبلية، ترى دراسات بحثية أن العراق بحاجة عاجلة لاستراتيجية وطنية تربط بين الأمن والسياسة الاجتماعية في ملف المخدرات.
يشدد الدهلكي على أن “هناك ضرورة باستمرار هذه الحملات بوتيرة متصاعدة، بالتوازي مع برامج التوعية المجتمعية، وفرض رقابة صارمة على المنافذ الحدودية، لضمان قطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة نشاط هذه الشبكات.” هذه الدعوة باتت أكثر إلحاحًا مع بيانات وزارة الداخلية التي أكدت أن كل المضبوطات أُحيلت إلى القضاء، في إشارة إلى الربط بين الأداء الأمني والمتابعة القضائية. الإحصائيات الأخيرة من وزارة الداخلية بيّنت أيضًا أن المضبوطات خلال 2024 و2025 تجاوزت 6,600 كغم، وهو ما يمثل ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالأعوام السابقة، تشير بيانات رقابية إلى أن هذا التطور يعكس تصاعدًا في حجم التحدي لا انخفاضه.
العراق دخل مرحلة مواجهة مفتوحة مع شبكات المخدرات، حيث تتقاطع جهود أمنية محلية مع تعاون إقليمي ودولي، ويُعزَّز ذلك بدعم قضائي. تصريحات الدهلكي عكست الحاجة إلى الاستمرار والتصعيد، فيما أضاف بيان وزارة الداخلية بُعدًا رسميًا بالأرقام والنتائج المباشرة. غير أن هذه النجاحات، مهما بدت لافتة، لن تكتمل من دون تحويلها إلى سياسة مستدامة تدمج بين الأمن والقانون والتوعية. بذلك وحده يمكن للعراق أن ينتقل من مرحلة الضربات النوعية إلى مرحلة التحصين المجتمعي والمؤسسي ضد المخدرات، وهو ما تراه تقديرات بحثية مستقلة شرطًا أساسيًا لمستقبل آمن ومستقر.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم- متابعة نجت امرأة صينية بأعجوبة بعد سقوطها في بئر مهجور، حيث ظلت متشبثة بجدار البئر طوال 54 ساعة، تكافح الإرهاق ولسعات البعوض وحتى لدغة من أفعى مائية. الحادثة وقعت قبل أيام، حين كانت المرأة البالغة من العمر 48 عاما وتدعى "تشين"