اقتصاد / ملفات خاصة اليوم, 21:35 | --

من سينقذنا؟


اتهامات دولية خطيرة تلاحق عصب الاقتصاد العراقي: خط عُمان بوابة لتهريب نفط إيران!

بغداد اليوم – بغداد

يقف العراق اليوم أمام واحدة من أعقد اللحظات في تاريخه النفطي الحديث، حيث تتشابك الاعتبارات الاقتصادية مع الضغوط السياسية والأمنية، وتتداخل الحسابات الدولية مع الملفات الداخلية الثقيلة. فمنذ عقود ظل العراق يعتمد بشكل شبه كامل على موانئ البصرة ومضيق هرمز لتصدير نفطه الخام، وهو ما جعله عرضة للتقلبات الجيوسياسية والتوترات الأمنية في الخليج. ومع تزايد الحديث عن ضرورة تنويع المنافذ والبحث عن بدائل استراتيجية، برز مشروع مد خط أنابيب نفطي إلى سلطنة عمان كخيار يعِد بغداد بموقع جديد في خارطة تجارة الطاقة العالمية، وبمنفذ مباشر على المحيط الهندي بعيداً عن عنق الزجاجة في الخليج العربي.

لكن هذا المشروع الذي يبدو اقتصادياً وتنموياً في ظاهره، لم يلبث أن تحوّل إلى ساحة جدل إقليمي ودولي بعد تقارير حذّرت من أنه قد يشكّل منفذاً جديداً لتهريب النفط الإيراني. الكاتب البريطاني سيمون واكنز نشر على موقع أويل برايس مقالاً مطوّلاً، ترجمته "بغداد اليوم"، اعتبر فيه أن الأنبوب العراقي – العُماني قد يتيح لإيران "إخفاء النفط الخام الخاضع للعقوبات على أنه نفط عراقي وشحنه بحرية، وخاصة إلى الصين"، مشيراً إلى أن الحقول المشتركة بين البلدين لطالما كانت أداة لإعادة توصيف النفط وخلط المنشأ، وأن عمليات التزوير والنقل البحري بين السفن (Ship-to-Ship Transfers) أتاحت لطهران مرونة كبيرة في تجاوز الرقابة الغربية. الأخطر في تقرير واكنز أن اختيار عمان لم يكن قراراً فنياً فحسب، بل "جاء بالتشاور، بلا شك، مع إيران وربما الصين"، في إشارة إلى أن المشروع قد يتحوّل إلى مركز تشغيل رئيسي لإيران في مواجهة العقوبات.

هذه التحذيرات وجدت صدى في الداخل العراقي، حيث علّق الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي بصفحته على "فيسبوك"، تابعتها "بغداد اليوم"، مؤكداً أن المخاوف الأميركية "حاضرة بقوة"، وأن أي استغلال للمشروع سيجعل العراق في قلب العقوبات الغربية. المرسومي أشار نصاً إلى أن خطة العراق مع عمان "قد تفتح إمكانية أخرى قيمة للغاية يمكن من خلالها لإيران التهرب من العقوبات، مما يعطي مساراً جديداً لتصدير النفط الإيراني على أنه نفط عراقي غير معاقب"، في إشارة واضحة إلى خطورة الخلط في الحقول المشتركة وشحنه بحراً إلى الصين.

ومع تصاعد هذه المخاوف، تزامنت التطورات مع أحداث داخلية تعكس حجم التعقيد. فقد وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني (6 أيلول 2025) بتشكيل لجنة تحقيقية عليا للنظر في شبهات خلط وتهريب النفط الخام والمنتجات النفطية سواء في الموانئ أو داخل المياه الإقليمية. هذا التوجيه جاء بعد أيام من إعلان وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على شبكة يقودها رجل الأعمال العراقي وليد السامرائي، متهمة إياه بتهريب النفط الإيراني "من خلال التزييف على أنه نفط عراقي". ورغم أن شركة تسويق النفط الوطنية (سومو) سارعت إلى نفي أي عمليات تهريب أو خلط، مؤكدة اعتمادها على برامج تتبع متقدمة مثل "كبلر"، إلا أن الوثائق الرسمية والوقائع الميدانية كشفت عن ثغرات مقلقة.

ففي تموز الماضي، أظهرت وثيقة صادرة عن سومو رصد ناقلات عراقية قامت بإيقاف أنظمة التتبع (AIS Spoofing) وأجرت عمليات شحن بين السفن في مناطق مصنفة "عالية الخطورة" في بحر العرب ومضيق باب المندب، دون علم الشركة. كما احتجزت البحرية العراقية ناقلة ترفع العلم الليبيري محمّلة بـ250 ألف طن من النفط الأسود قرب منصة التحميل في ميناء البصرة، بتهمة التهريب. هذه الوقائع وضعت سومو في موقف دفاعي، إذ أكّد مديرها العام علي نزار فائق أن "الموانئ العراقية رصينة وتدار بآليات متطورة وحديثة"، لكنه في الوقت نفسه أقرّ بأن بعض الوثائق المسرّبة بشأن الناقلات "حقيقية وتندرج ضمن الإجراءات الروتينية للرقابة".

إلى جانب ذلك، كشف الخبير نبيل المرسومي في وقت سابق، عن خط تهريب منظّم للنفط الأسود من العراق إلى الإمارات عبر مينائي أم قصر وخور الزبير، يستند إلى شبكات تستغل الحصص المدعومة للمصانع الإنشائية والطابوق والإسمنت. هذه الشبكات، بحسب المرسومي، تبيع النفط الأسود بأسعار مضاعفة لشركات ثانوية، ثم يُهرَّب إلى ميناء جبل علي وصولاً إلى مصفى الرويس الإماراتي، محققاً أرباحاً بمليارات الدولارات. الفارق السعري الكبير – حيث تباع الطن محلياً بنحو 100 ألف دينار بينما يبلغ سعره العالمي خمسة أضعاف – شكّل الحافز الأبرز لهذه الشبكات، التي تعمل تحت غطاء قانوني ظاهري لكنه يُستخدم في النهاية لعمليات تهريب واسعة النطاق.

كل هذه المعطيات تجعل من مشروع الأنبوب العراقي – العُماني اختباراً مركّباً يتجاوز مجرد البحث عن منفذ بديل. فهو يرتبط مباشرة بمخاطر العقوبات الأميركية المتصاعدة، بقدرة بغداد على ضبط منافذها البحرية، وبمدى استعدادها لمواجهة شبكات التهريب الداخلية. وفي حال فشلت الدولة في التفريق بين مصالحها الوطنية وبين الضغوط الإيرانية والإغراءات الاقتصادية، فإن العراق قد يجد نفسه في قلب أزمة دولية جديدة، حيث تتحول الممرات النفطية من أداة للتنمية إلى وسيلة للعقوبات والابتزاز.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

المنافذ الجديدة مع السعودية.. العراق يعزز حضوره كمحور تجاري إقليمي - عاجل

بغداد اليوم – بغداد أكد المختص في الشؤون الاقتصادية، رشيد السعدي، اليوم الأربعاء (24 أيلول 2025)، أن افتتاح العراق منفذين جديدين مع المملكة العربية السعودية يمثل خطوة استراتيجية ستنعكس بشكل مباشر على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وقال

اليوم, 22:45