أمن / ملفات خاصة اليوم, 14:05 | --

اختبار الجريمة والمخدرات


التحول الصعب في بغداد.. من "ثكنة عسكرية" إلى "عاصمة مدنية" تبحث عن أمن بلا "عسكرة"

بغداد اليوم – بغداد

منذ عام 2003، تحولت بغداد والمدن العراقية الكبرى إلى فضاءات محكومة بالانتشار العسكري الكثيف، حيث فرضت ظروف الإرهاب وصعود تنظيم القاعدة ومن بعده "داعش" عسكرة كاملة للشوارع عبر السيطرات ونقاط التفتيش والحواجز. ومع إعلان النصر على التنظيم في 2017، بقي المشهد الأمني أسير هذه البنية، حتى باتت "عسكرة المدن" جزءاً من الحياة اليومية. اليوم، وفي ظل استقرار نسبي، تؤكد لجنة الأمن والدفاع النيابية أن هذه المرحلة أصبحت من الماضي. ووفق قراءات سياسية وأمنية، فإن إعلان الخروج من العسكرة يعكس تحوّلاً في التفكير الرسمي، لكنه يصطدم بواقع يومي ما يزال يشي بأن بغداد أقرب إلى "ثكنة مفتوحة" منها إلى عاصمة مدنية.

عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر اسكندر، أوضح في حديث لـ"بغداد اليوم" أن "الظروف الأمنية المعقدة والصعبة التي مر بها العراق خلال السنوات الماضية فرضت استخدام مبدأ عسكرة المدن، في محاولة لتعزيز الأمن وتوفير الطمأنينة من خلال الانتشار الكثيف لمختلف الأجهزة الأمنية، لاسيما الجيش، داخل المدن ومحيطها لمواجهة العصابات الإرهابية بشكل مباشر". وأضاف أن "القراءات الأمنية خلال الأشهر الـ18 الماضية تؤكد أن العراق دخل مرحلة جديدة من الأمن والطمأنينة، مع انخفاض معدلات الإرهاب بنسبة هي الأعلى منذ 2003، إلى جانب تحقيق وزارة الداخلية والتشكيلات الساندة لها إنجازات مهمة في مكافحة الجريمة المنظمة". هذا الطرح، وبحسب متخصصين في شؤون الأمن الداخلي، يعكس محاولة رسم صورة استقرار، لكن المؤشرات الميدانية تُظهر أن مظاهر العسكرة لم تغب فعلياً بعد.

تاريخياً، اعتمدت الحكومات العراقية عسكرة المدن كخيار وحيد لمواجهة التهديدات. ففي مرحلة العنف الطائفي وصعود القاعدة، كان الانتشار العسكري ضرورياً لبسط السيطرة، ومع ظهور داعش تضاعفت هذه المظاهر حتى تحولت بغداد إلى مدينة محاطة بالحواجز. ورغم انتهاء التهديد الوجودي للتنظيم، لم يجرِ الانتقال إلى بدائل مدنية. وتشير دراسات مقارنة في الأمن الحضري إلى أن استمرار عسكرة المدن بعد انحسار الخطر يخلق فجوة بين المواطن والدولة، ويضعف الثقة بالأجهزة الأمنية، وهو ما انعكس في شكاوى متكررة من سكان العاصمة.

لكن التحديات الأمنية اليوم لم تعد مرتبطة بتنظيمات إرهابية كما في الماضي. وفق تقديرات خبراء في شؤون الجريمة المنظمة، فإن العراق يواجه حالياً تهديدات تتعلق بالمخدرات والسلاح المنفلت وشبكات الجريمة الاقتصادية. هذه الملفات لا تُعالج بالانتشار العسكري أو السيطرات الثابتة، بل عبر أجهزة استخباراتية رشيقة وقادرة على الرصد والتحليل. ويشير مختصون إلى أن فتح شوارع العاصمة مؤخراً كشف محدودية جدوى السيطرات، إذ إن المجرم أو تاجر المخدرات لم يعد يواجه الحواجز التقليدية، بل يستطيع تغيير مساره بسهولة، ما يجعل الاعتماد على العسكرة أمراً غير فعّال.

التجارب الإقليمية تقدم نماذج بديلة. ففي الأردن، اعتمدت السلطات على المخابرات والأمن الوقائي لملاحقة شبكات التهريب عبر الحدود، مع تقليل المظاهر العسكرية في عمان والمدن الكبرى. وفي تركيا، ورغم تحديات الأمن القومي، تتم إدارة المدن الكبرى عبر الشرطة والاستخبارات المحلية أكثر من عسكرة الشوارع. أما في إيران، فقد جرى توجيه وحدات متخصصة لمكافحة المخدرات نحو الحدود، فيما أُبقيت المدن تحت إدارة الأجهزة المدنية. ووفق دراسات بحثية في الأمن المقارن، فإن هذه النماذج تبيّن أن مواجهة التهديدات الجديدة لا تتطلب عسكرة المدن، بل تعزيز أجهزة الدولة القادرة على العمل الاستخباري.

أما عالمياً، فتظهر دراسة تجارب أمريكا اللاتينية أن الاعتماد على الجيش في المدن لم يؤدِّ إلى نتائج حاسمة ضد عصابات المخدرات، بل زاد من التوتر بين الأجهزة الأمنية والسكان. في المقابل، ركزت الدول الأوروبية منذ التسعينات على تطوير الشرطة المدنية والقدرات التقنية، مثل كاميرات المراقبة والتحليل الجنائي الرقمي وقواعد البيانات المشتركة. ويرى خبراء في الأمن المؤسسي أن هذا النهج هو الأقدر على خلق بيئة مدنية آمنة من دون التضحية بالحرية العامة.

بحسب مراقبين مستقلين، العراق يقف أمام مفترق طرق: فبين خطاب رسمي يبشر بطي صفحة عسكرة المدن، وواقع ميداني ما زال يعكس حضوراً عسكرياً كثيفاً، يبقى التحدي هو بناء نموذج أمني جديد. هذا النموذج يجب أن يستفيد من تجارب الجوار والعالم، بالتركيز على الاستخبارات ومكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات، لا على إبقاء بغداد تحت ثقل السيطرات. المستقبل لن يُحسم عبر عسكرة الشوارع، بل عبر تطوير أدوات استخبارية قادرة على حماية العاصمة من دون خنقها.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

الحكيم يدعو إلى انتخاب "الصالح في القائمة الصالحة" وتمكين الأكفأ

بغداد اليوم - بغداد دعا رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، عمار الحكيم، اليوم الأربعاء (24 أيلول 2024)، إلى تمكين الأكفأ انتخابياً وشدد على تعزيز اللحمة المجتمعية بين العشائر. جاء ذلك خلال لقائه بالشيخ عبد الله الحميدي الجربا. وأكد الحكيم، بحسب بيان صادر عن

اليوم, 15:30