سياسة / أمن / ملفات خاصة اليوم, 12:27 | --

معادلة الانقسام والتهديد


اختاروا أيها العراقيون.. حاكمية شيعية أو إعلان الجمهورية "العراقية الإيرانية" الإسلامية!

بغداد اليوم - بغداد

لم يكن العراق ينقصه أزمات جديدة، لكن الخطاب الذي عاد إلى الواجهة مؤخراً حول إمكانية تأسيس "جمهورية مع إيران" تضم 11 محافظة عراقية في حال تعرض ما يُعرف بـ"الحاكمية الشيعية" لتهديد، جاء ليزيد المشهد السياسي تعقيداً. هذا الطرح لم يأتِ بمعزل عن مواقف سابقة؛ فقبل فترة كان الخطاب السائد بين بعض الأوساط المقرّبة من الفصائل يدعو صراحةً إلى الانفصال وتأسيس "جمهورية شيعية" في الجنوب أو إقليم مستقل يطيح بالشراكة الوطنية. واليوم، وبعد تبدّل المعادلات، يجري الحديث عن القبول بهذه الشراكة لكن على مضض، وكأنها مجرّد صيغة اضطرارية لا خياراً طبيعياً في إدارة الدولة.

إن استدعاء "الحاكمية الشيعية" كذريعة لطرح كيانات بديلة أو خيارات انفصالية، سواء تحت مسمى الإقليم أو الجمهورية، يعكس نمطاً متكرراً من استخدام لغة التهديد لإعادة ضبط موازين القوى. ويشير مراقبون إلى أن هذا التدرج من الدعوة للانفصال، إلى الشراكة المشروطة، وصولاً إلى الحديث عن "جمهورية مع إيران"، لا يمثل برنامجاً سياسياً بقدر ما يعكس مأزقاً في إدارة العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين الداخل والإقليم. ووفق مقاربات سياسية حديثة، فإن هذه الطروحات ليست سوى أوراق ضغط آنية، تستهدف ابتزاز الخصوم داخلياً ورفع كلفة المواجهة خارجياً.

وفي هذا السياق، أوضح أستاذ العلوم السياسية خليفة التميمي في حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "الأيام الماضية شهدت تداول تصريحات لبعض المحللين المقربين من فصائل عراقية، تحدثوا فيها عن احتمال تأسيس جمهورية مرتبطة بإيران تسيطر على 11 محافظة عراقية إذا ما تم تهديد الحاكمية الشيعية". وأضاف أن "مثل هذه التصريحات لا تعدو كونها ردة فعل على الضخ الإعلامي الذي برز مؤخراً من بعض الشخصيات العراقية المقيمة في الخارج والتي تصف نفسها بالمعارضة، وتتحدث عن إمكانية إسقاط النظام بدعم من دول غربية ومنها الولايات المتحدة". وفق تقديرات بحثية مستقلة، فإن هذا التحليل يبيّن أن الانتقال من خطاب الانفصال إلى خطاب "الجمهورية مع إيران" ليس سوى انعكاس لحالة دفاعية مرتبكة أمام تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية.

كما أكد التميمي أن "هذا الضخ الإعلامي يمثل رسالة ابتزاز تقف وراءها أجندة غربية بشكل مباشر لتحقيق أهداف محددة في المشهد العراقي". وتشير المداولات الدستورية إلى أن أي طرح من هذا النوع يصطدم مباشرة بمبدأ وحدة العراق المنصوص عليه دستورياً، فضلاً عن رفض إقليمي ودولي لمشاريع التقسيم. وفي الوقت نفسه، تُظهر التجارب المقارنة أن الأنظمة التي تستدعي ورقة الانفصال أو الارتباط الخارجي عند الأزمات غالباً ما تستخدمها تكتيكاً تفاوضياً، سرعان ما يتراجع أمام ثقل التوازنات الدولية.

أما ما يتعلق بواقعية هذا الطرح، فيوضح التميمي أن "الحديث عن تأسيس جمهورية أو سيطرة على 11 محافظة أمر غير واقعي، لأسباب داخلية وأخرى مرتبطة بالتوازنات الخارجية والإقليمية". وبحسب قراءات قانونية، فإن هذه المواقف تتجاوز طاقة القوى المحلية، لأنها ببساطة تتجاهل أن النظام الدولي يضع استقرار الشرق الأوسط في مقدمة أولوياته، نظراً لارتباطه المباشر بديمومة مصادر الطاقة.

ويضيف التميمي أن "في حال اندلاع حرب إقليمية شاملة ستكون الصورة مختلفة تماماً، ولن تقتصر ارتداداتها على جغرافيا العراق فقط بل ستمتد إلى دول عديدة في المنطقة، خصوصاً أن الغرب يعوّل على إذكاء الفتن الطائفية والمذهبية لتحقيق أجنداته". ويفسّر خبراء في الشأن السياسي ذلك بأن التلويح بخيارات قصوى، مثل الانفصال أو الارتباط بإيران، يهدف إلى خلق صورة ردعية أمام أي محاولة لتغيير ميزان السلطة في الداخل، دون أن يحمل في الواقع إمكانية التنفيذ.

وفي المحصلة، يتضح أن الخطاب الحالي امتداد لسلسلة طويلة من المواقف المتناقضة؛ بدأ بالدعوة الصريحة إلى الانفصال في الجنوب وتأسيس جمهورية شيعية مستقلة، ثم انتقل إلى صيغة قبول الشراكة على مضض، ليصل في صورته الأحدث إلى التلويح بجمهورية مع إيران تضم 11 محافظة عراقية تحت ذريعة حماية الحاكمية الشيعية. هذه الانتقالات المتكررة لا تعكس رؤية استراتيجية متماسكة بقدر ما تكشف عن حالة ارتباك سياسي يتبدل خطابها بتبدل الظروف الداخلية والإقليمية. وفي ظل القيود الدستورية الصارمة التي تؤكد على وحدة العراق، والرفض الدولي الواضح لأي مشروع تقسيمي، تبقى إمكانية ترجمة هذه الطروحات إلى واقع معدومة تماماً. الأثر المباشر لمثل هذا الخطاب يتمثل في زيادة التوتر السياسي داخل البلاد وإرباك الداخل بجرعات إضافية من القلق، بينما تبقى وحدة العراق، رغم كل الضغوط، حقيقة مفروضة بحكم المؤسسات والوقائع ومصالح القوى الإقليمية والدولية التي ترى في استقرار العراق ضمانة حيوية لأمن المنطقة وتوازناتها.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

مع أزمات البطالة والفقر والسكن .. ماذا يتوجب فعله لمواجهة النمو السكاني؟

بغداد اليوم - متابعة قبل نزوحه سنة 2006 مع أفراد عائلته الكبيرة من قريتهم الواقعة في أطراف ناحية التل جنوب غربي نينوى، واستقرارهم في منطقة العبور غربي الموصل (405كم شمال بغداد) كان يوسف عايد (57 سنة) مزارعاً ومربي ماشية كما كان والده وجده. يضرب يديه

اليوم, 13:42