أمن / ملفات خاصة اليوم, 20:00 | --

السقوط في الفخ


"يتعدى علينا جنسياً بسبب الكريستال".. متعاطٍ يروي لـ"بغداد اليوم" انهياره ومأساة أسرة نجفية

بغداد اليوم – بغداد

"كنت أبحث عن شعور يغطّي وحدتي وضعفي، فوجدت نفسي أمام الكريستال، يمنحني طاقة لا تنطفئ وجرأة لا أعرفها، يجعلك لا تنام، ولا تبالي، ولا ترى أحدًا". بهذه الكلمات، يفتتح أحد المتعاطين السابقين شهادته لـ"بغداد اليوم"، رافضًا الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية.

شهادة صادمة في ظاهرها، لكنها في حقيقتها تكثيف لمعاناة جيل يواجه واقعًا من الفقر والبطالة والعزلة الاجتماعية، إلى جانب انهيار الثقة بالمؤسسات الرسمية. هذا الواقع المعقد جعل المخدرات تتجاوز كونها انحرافًا فرديًا لتتحول إلى ظاهرة عامة تتغذى على الاضطراب البنيوي في المجتمع. وتشير بيانات رقابية إلى أن الإجراءات العقابية القائمة لم تنجح في الحد من انتشارها، نتيجة فجوة التنفيذ وضعف الاستراتيجيات الوقائية وغياب برامج الدعم النفسي والاجتماعي الموجهة للشباب.

في واقعة أخرى، يصف الشاب علاقة جمعته بفتاة من محافظة النجف كانت تسعى للهروب من منزلها بعد أن تحوّل شقيقها المدمن إلى مصدر تهديد دائم. ويقول: "كان يضربها ووالدتها يوميًا، يطلب النقود بالقوة، وإذا لم يحصل عليها يتجاوز بالضرب والتعديات الجنسية بسبب كارثة الكريستال". هذا الاعتراف لا يقتصر على حالة فردية، بل يمثل نموذجًا لكيفية تحوّل المخدرات إلى عامل هدم للأسرة، وهو ما يفسّره خبراء باعتباره دليلاً على تراجع منظومة الحماية الاجتماعية. وبحسب قراءات قانونية، فإن النصوص الدستورية التي تحمي الأسرة تبقى بلا أثر ما لم تُرفد بآليات تدخل مبكر ورقابة ميدانية.

ويكشف المتعاطي عن جانب أكثر خطورة حين يشرح كيفية حصوله على المواد المخدرة: "السمسار الذي جلب لي المخدرات كان صديقه وهو منتسب أمني، ومرة أخرى تعاملت مع أحد أفراد عصابة متنفذة في الدولة". هذه الشهادة تضرب في عمق الثقة بالمؤسسات، حيث يظهر أن شبكات التوزيع لم تعد حكرًا على جماعات خارجة عن القانون، بل تتقاطع أحيانًا مع جهات يُفترض أنها مسؤولة عن مكافحتها. وفق تقديرات بحثية مستقلة، فإن هذا التداخل يضاعف الأزمة ويحوّلها من مشكلة اجتماعية إلى تحدٍ مؤسسي يستلزم إصلاحات بنيوية في الأجهزة الأمنية والرقابية.

ويضيف: "طريقة عملهم تبدأ بإغراء الشباب المراهقين بالكحول والنساء في المزارع، ثم يُعرض عليهم التعاطي تدريجيًا حتى يصلوا إلى الإدمان". هذا الأسلوب يكشف عن منهجية متعمدة لاستقطاب الفئات الأكثر هشاشة، خصوصًا بين المرفهين الباحثين عن تجربة مختلفة واليائسين الغارقين في الإحباط. تُظهر التجارب المقارنة أن غياب البرامج الشبابية والأنشطة البديلة يترك فراغًا تستثمره العصابات المنظمة. وتشير المداولات السياسية إلى أن العراق، رغم امتلاكه واحدة من أعلى نسب الشباب عالميًا، لم يستطع تحويل هذه الميزة إلى سياسات وقائية فعالة.

على صعيد موازٍ، يوضح مدير مركز العراق لحقوق الإنسان، علي العبادي، أن "المشهد الأمني في العراق يسجل بين فترة وأخرى حالات قتل يقوم بها شباب لأشخاص داخل عوائلهم، سواء الأب أو الأخ أو بقية أفراد العائلة، وهو ما يثير الرأي العام بين فترة وأخرى، وكان آخرها ما حدث في إحدى المناطق الزراعية في بابل بعد ظهر اليوم، حيث قام أحد الشباب بقتل أبيه وعمه بسلاح ناري قبل أن يسلم نفسه". ويضيف أن "وفق قراءاتنا لحالات القتل السوداء من هذا النوع، فإن 30% من هذه الحالات تتم بسبب المخدرات، إضافة إلى الضغوط القاسية على الشباب نتيجة الفقر والبطالة وعدم التفاعل مع احتياجاتهم النفسية، والقيود التي تفرضها بعض القوى الدينية المتشددة". هذا التقدير يؤكد أن المسألة لم تعد متعلقة بسلوك فردي بل بظاهرة ذات انعكاسات مباشرة على الأمن العائلي والاجتماعي.

ويتابع العبادي أن "الدولة لديها مجالس للتعامل مع ملف الشباب، لكنها تعتمد أنشطة فضفاضة بعيدة عن الواقع الميداني، ما يجعل الرؤية والمعالجات شبه غائبة". هذا التوصيف ينسجم مع تقديرات مؤسسية ترى أن غياب التخطيط الميداني والوقاية العملية جعل من العراق بيئة مكشوفة أمام تنامي الظاهرة.

ورغم تنامي التحذيرات، ما زالت المقاربة الرسمية للمخدرات تتركز على الجانب الأمني، عبر الحملات الميدانية والاعتقالات وتغليظ العقوبات. هذه الإجراءات، وإن كانت ضرورية لضبط السوق غير المشروع، إلا أنها تبقى محدودة الأثر لأنها تهمل العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تولّد الحاجة للتعاطي. ويفسّر خبراء أن الاقتصار على الحلول الأمنية يحوّل المتعاطين إلى أرقام في السجون دون معالجة دوافعهم الأصلية، ما يؤدي إلى إعادة إنتاج الظاهرة.

تشير بيانات رقابية إلى أن العراق يفتقر إلى برامج وقائية موجهة للشباب، سواء عبر المدارس أو الجامعات أو مراكز التأهيل، وهو ما يجعل الجهود الأمنية أقرب إلى معالجات موضعية لا توقف تمدد الظاهرة. وتُظهر المقاربات الحديثة أن الحلول الناجعة تتطلب دمج البعد الأمني مع إصلاحات اجتماعية واقتصادية ونفسية تعالج الفقر والبطالة والعزلة، وهي الأسباب المباشرة التي تدفع الشباب إلى التعاطي.

الخلاصة أن ما تغيّر جوهريًا هو موقع المخدرات داخل البنية المجتمعية؛ فبعد أن كانت محصورة في هوامش ضيقة وتُعامل كظاهرة محدودة، انتقلت إلى قلب المجتمع حتى أصبحت جزءًا من الحياة اليومية في بعض البيوت والأحياء. هذا التحول جعلها لا تهدد الأفراد وحدهم، بل تضرب ركائز العائلة وتضعف قدرة المؤسسات على الاستجابة. وما لم يتغيّر جوهريًا هو الفجوة العميقة بين النصوص القانونية والسياسات الحكومية من جهة، وبين واقع التنفيذ الميداني من جهة أخرى.

الأثر المتوقع في حال استمرار هذا المسار يتجاوز حدود التعاطي الفردي إلى انعكاسات مباشرة على الأمن المجتمعي. فتصاعد الجرائم الأسرية المرتبطة بالمخدرات سيقود إلى اهتزاز ثقة المواطنين بالمنظومة القضائية والأمنية، كما سيزيد من مستويات العنف داخل البيوت والمدارس والشوارع. وفق تقديرات بحثية مستقلة، فإن هذه التداعيات ستنعكس على الاقتصاد من خلال ارتفاع كلفة الجريمة والرعاية الصحية، وعلى السياسة عبر تآكل الشرعية المؤسسية وضعف ثقة الناخبين بالدولة.

من هنا، يصبح التعامل مع ملف المخدرات ضرورة وطنية شاملة تتجاوز البعد الأمني التقليدي. فالمواجهة لا تقتصر على ملاحقة المروجين أو تغليظ العقوبات، بل تستلزم إصلاحات متكاملة تشمل البنى الاجتماعية والقانونية والمؤسسية. وتشير المداولات الدولية إلى أن السياسات الناجحة في هذا المجال اعتمدت على الدمج بين الردع القانوني والوقاية المبكرة وإعادة التأهيل، وهو ما يحتاجه العراق اليوم بشكل عاجل. إن ترك الظاهرة تتسع دون تدخل جاد يعني ترسيخ أزمة ممتدة لعقود، فيما يمكن تحويلها إلى فرصة لإعادة بناء الثقة بالمؤسسات إذا ما وُضعت المعالجات على أسس علمية وميدانية واضحة، وبما ينسجم مع التزامات الدولة الدستورية بحماية المجتمع.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

توجيه من السوداني بشأن سائقي الشاحنات

بغداد اليوم - رئيس مجلس الوزراء يستقبل رئيس وأعضاء نقابة سائقي الشاحنات ويوجه بمعالجة المشاكل التي تواجه عملهم •••••••••• استقبل رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، اليوم الأربعاء، رئيس نقابة سائقي الشاحنات في العراق، وعدداً من أعضاء النقابة، من

اليوم, 21:52