بغداد اليوم – بغداد
تحولت العملية الانتخابية في العراق إلى ساحة مفتوحة للفوضى، حيث لم تعد محاولات شراء البطاقات تقف عند حدود المال السياسي فحسب، بل تجاوزتها إلى تقديم هدايا غير مألوفة، من بينها قطع سلاح لشيوخ عشائر وملابس نسائية للناخبات، في مشهد يكشف حجم الانحراف الذي أصاب آليات التنافس الانتخابي. هذه الظاهرة، التي أكدها نواب ومختصون في تصريحات سابقة لـ"بغداد اليوم"، تعكس واقعاً خطيراً يُهدد نزاهة الانتخابات المقبلة ويضع العملية الديمقراطية برمتها أمام اختبار وجودي.
النائب السابق فوزي أكرم ترزي تحدث لـ"بغداد اليوم" محذراً ممن "يسعى عمداً للإضرار بالعملية الديمقراطية في العراق، وأن عمليات شراء البطاقات لم تعد حالات فردية، بل أصبحت ظاهرة منتشرة، مع وجود معلومات تؤكد دفع مبالغ مالية ضخمة مقابل الحصول على بطاقات الناخبين حتى وصل سعر البطاقة وصل أحياناً إلى 100 دولار". وأضاف أن "هذا الأمر يستدعي تشكيل لجان تحقيق للكشف عن هوية السماسرة والجهات التي تدعمهم، ومحاسبتهم بشكل صارم، لأن أي إساءة للعملية الديمقراطية تضرب أساس بناء الدولة". وأشار ترزي إلى أهمية توعية المواطنين، مؤكداً أن "التعامل مع سماسر الانتخابات غير قانوني وله تبعات قانونية، لذا يجب نشر الوعي عبر ندوات تثقيفية وورش عمل، لشرح الحقائق أمام الرأي العام وكشف الشبكات السوداء التي تقف وراء هذه الممارسات".
هذا التصريح يعكس بوضوح أن عمليات شراء البطاقات لم تعد خروقات معزولة، بل ممارسة منظمة باتت تهدد نزاهة الانتخابات المقبلة، ما يفرض على السلطات الرقابية والقضائية التحرك العاجل لحماية العملية الديمقراطية وصون الثقة الشعبية. وفق تقديرات قانونية، فإن شراء البطاقات يدخل في إطار الجرائم الانتخابية التي يعاقب عليها القانون، ما يجعل تشكيل لجان تحقيق وملاحقة السماسرة ضرورة لحماية شرعية الانتخابات
وفي وقت سابق أيضاً، عبّر أمين تيار الحكمة في ديالى فرات التميمي عن قلق مماثل، مشيراً إلى أن "هناك معلومات متداولة حول قيام بعض الأطراف بشراء بطاقات الناخبين"، مؤكداً أن "هذه المعلومات ستُرفع إلى اللجان الرقابية المعنية، سواء هيئة النزاهة أو المفوضية، وصولاً إلى منظمات المجتمع المدني الحريصة على ضمان نزاهة المسيرة الانتخابية". وأوضح أن "خلق فرص متكافئة للمرشحين والقوى المشاركة في الانتخابات في ديالى وبقية المحافظات أمر مهم لضمان ثقة الناخبين، بحيث يكون الفيصل في يوم 11 تشرين الثاني لأصواتهم، وليس لبعض الألاعيب الملتوية التي يسعى لها المفلسون عبر شراء بطاقات الناخبين". هذا الطرح يعكس أن الخطر لا يتوقف عند حدود الأرقام، بل يضرب ثقة المواطن بالعملية الانتخابية ويهدد شرعية التمثيل السياسي.
وفي تصريحات سابقة، أوضح المختص في الشؤون الاستراتيجية مصطفى الطائي أن "المال السياسي بدأ يظهر بشكل كبير وخطير جداً وهذا المال أساسه السرقات والفساد، وهذا مؤشر خطير على عدم عدالة التنافس السياسي والانتخابي، وهذا المال سيكون عاملاً مؤثراً ومهماً في تغيير إرادة الناخبين"، مشيراً إلى أن "سعر بطاقة الناخب الواحدة وصل لأكثر من (500) ألف دينار، وهو الأعلى من باقي كل الانتخابات الماضية". هذا التصعيد في الأسعار يوضح أن السوق السوداء للأصوات لم تعد مجرد هامش انتخابي، بل أداة حاسمة في تحديد النتائج لصالح الأطراف الأكثر قدرة على الإنفاق.
كما حذر النائب المستقل أحمد الشرماني، في وقت سابق، من أن "هناك خشية كبيرة من تأثير المال السياسي على إرادة الناخبين في انتخابات مجلس النواب المقبلة، خاصة وأن هذا المال جُمع خلال السنوات الماضية عبر صفقات فساد وغيرها من أجل هذا اليوم، فبعض الأطراف والشخصيات السياسية تعتمد على هذا المال في كل عملية انتخابية من أجل استمرار نفوذها في العملية السياسية". وشدد على أن "الجهات الرقابية في المفوضية، وكذلك هيئة النزاهة، يجب أن تتابع صرفيات الأحزاب والشخصيات السياسية خلال الفترة الانتخابية لمعرفة مصدر هذه الأموال التي بدأت تُصرف بشكل غير معقول من أجل كسب الناخبين". هذه القراءة تعزز فكرة أن المال السياسي لا يهدد فقط نزاهة المنافسة، بل يشرعن الفساد كأداة لإدامة النفوذ السياسي.
وفي سياق متصل، دعا عضو مجلس النواب علي البديري، في تصريح سابق، القوات الأمنية وجهاز الأمن الوطني إلى التدخل المباشر، مؤكداً أن "ظاهرة بيع البطاقات الانتخابية أصبحت منتشرة في محافظات الوسط والجنوب وتمارس علناً، وتقوم بها جهات وشخصيات متنفذة تقوم بشراء بطاقات الناخبين مقابل مبالغ مالية أو هدايا". وأضاف أن "الطريقة التي يعتمدها هؤلاء المرشحين بعد شراء البطاقات الانتخابية وأخذها من أصحابها، ثم إعادتها إليهم في يوم الانتخابات لغرض التصويت للمرشح"، كاشفاً أن عمليات شراء الأصوات شملت "تقديم هدايا عبارة عن قطع سلاح لبعض شيوخ العشائر، أو ملابس نسائية في بعض الحالات". هذا البعد الأمني والاجتماعي يكشف أن الظاهرة لم تعد محصورة بالمال، بل اتخذت أشكالاً معقدة تستغل البنى التقليدية والعلاقات الاجتماعية لتحقيق مكاسب انتخابية.
من جهتها، فقد أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية مؤخراً تفاصيل عملية أطاحت بأحد المرشحين وأربعة من مساعديه بتهمة شراء بطاقات الناخبين مقابل وعود بالتعيين وتخصيص رواتب رعاية اجتماعية. البيان الذي تلقته "بغداد اليوم" أوضح أن فريقاً مشتركاً من الهيئة وجهاز الأمن الوطني ضبط في مكتب المرشح مصورات لبطاقات انتخابية، وسجلات بأسماء وأرقام ناخبين، وأجهزة هاتف وحاسوب مرتبطة بهذه العمليات، ما دفع القضاء إلى إصدار مذكرات قبض وتوقيف بحق المرشح وعدد من المتورطين. واعتبرت الهيئة أن دور المواطنين في الإبلاغ كان حاسماً في نجاح العملية، مؤكدة أنها خصصت خطاً مجانياً لاستقبال الشكاوى، وأصدرت لائحة سلوك انتخابي لعام 2025 لضمان عدم استغلال موارد الدولة في الدعاية.
وفي بيان لاحق، شددت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على أن "عملية بيع أو شراء بطاقات الناخبين البايومترية أو الشروع بهذا الفعل، واستغلال موارد الدولة لأغراض انتخابية، هي من الجرائم الانتخابية التي يعاقب عليها القانون"، مؤكدة أن "العقوبات قد تصل إلى استبعاد المرشحين المخالفين وإلغاء المصادقة عن التحالفات والأحزاب السياسية المتورطة". هذه الإجراءات تعكس محاولة مؤسسية لإضفاء صرامة على الرقابة الانتخابية، وإن كانت التجارب السابقة تُظهر أن التحدي يكمن في التنفيذ الفعلي لا في النصوص القانونية وحدها.
الخلاصة أن ما تغيّر في موسم 2025 هو أن ملف شراء بطاقات الناخبين خرج من نطاق الشبهات إلى واقع موثق بالأدلة والتحقيقات القضائية، وما لم يتغيّر هو استمرار تدفق المال السياسي بوصفه أداة لحسم النتائج على حساب نزاهة التنافس. الأثر المتوقع أن الثقة بالعملية الانتخابية ستكون على المحك، مع تصاعد احتمالات العزوف الشعبي إذا لم تنجح السلطات في فرض رقابة حقيقية وعقوبات رادعة. وبهذا، فإن إنقاذ الانتخابات لم يعد مجرد شعار، بل تحدياً وجودياً يتطلب تنسيقاً كاملاً بين الأجهزة الأمنية والقضائية والمفوضية والمجتمع المدني، لحماية جوهر الديمقراطية ومنع تحويل الصوت الانتخابي إلى سلعة في سوق السياسة.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بعملية نوعية وبجهد استخباري مميز ، ها هم صقور الجو يصبون جام غضبهم من جديد على الإرهاب ويسلطون نيران اسلحتهم على احد الأهداف المهمة ويحيلونه الى رماد، وتأتي هذه الضربة بواسطة طائرات F_16 وفقا لمعلومات استخبارية دقيقة من مديرية الاستخبارات العسكرية