بغداد اليوم - بغداد
القمة الطارئة التي انعقدت في الدوحة عقب القصف الإسرائيلي لم تكن مجرد حدث عابر، بل محطة كشفت حجم المخاطر الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة، وأعادت إلى الواجهة النقاش حول قدرة القمم العربية والإسلامية على صناعة قرارات مؤثرة. فبرغم الحضور الرفيع الذي جمع ملوكًا ورؤساء من مختلف العواصم، فإن البيان الختامي بدا محدودًا في مضمونه، ما دفع إلى وصفه من قبل لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية في العراق بأنه ضعيف ولا يرتقي إلى حجم التحديات.
وقال عضو اللجنة مختار الموسوي، لـ"بغداد اليوم"، إن "مخرجات قمة قطر الأخيرة جاءت ضعيفة ولا ترتقي إلى مستوى طموحات الشعوب العربية والإسلامية التي كانت تنتظر قرارات أكثر قوة وفاعلية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة". هذا التوصيف يعكس فجوة واضحة بين ما تنتظره الشعوب وبين ما تنتجه القمم من بيانات، وهي فجوة تكرّس ضعف قدرة المؤسسات الجماعية على تشكيل ردع حقيقي.
الموسوي أضاف أن "البيان الختامي لم يقدم ما يكفي من خطوات عملية لوقف العدوان الإسرائيلي المتصاعد ضد شعوب المنطقة ككل، ولا يتضمن آليات واضحة لحماية أي دولة عربية أو إسلامية قد تتعرض لاعتداءات مشابهة لما حصل لقطر وكذلك لبنان واليمن وفلسطين".
هذا الطرح يوضح أن الأزمة ليست في اللغة فحسب، بل في غياب الآليات الإلزامية التي تحول القرارات إلى أفعال، ما يترك الباب مفتوحًا أمام إسرائيل لمواصلة سياساتها العدوانية. وأكد الموسوي أن "الاكتفاء بالتنديد والشجب لا يشكل رادعًا لإسرائيل، التي اعتادت المضي في سياساتها دون اكتراث بالقرارات أو المخرجات التي تصدر عن القمم والمؤتمرات". وفق تقديرات سياسية، فإن هذا النهج التقليدي أفقد القمم الكثير من قدرتها على التأثير، لأن إسرائيل خبرت أن رد الفعل العربي والإسلامي غالبًا ما يبقى في حدود الخطاب.
بالتوازي مع ذلك، شكّل القصف الإسرائيلي للدوحة منعطفًا أمنيًا في الخليج وفتح الباب أمام طرح أفكار جديدة حول منظومة دفاع جماعي. برز مقترح مصر بتشكيل تحالف عربي–إسلامي كخطوة للرد على التصعيد، وهي فكرة وجدت تأييدًا من العراق لكنها لم تتحول إلى واقع بفعل تضارب الأولويات الإقليمية. تقارير دولية، منها ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، تحدثت عن اتصالات مكثفة بين العواصم الخليجية لمناقشة خيار "الناتو العربي"، لكنها لم تفض إلى صيغة واضحة.
وفي خضم هذه الترتيبات تلقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتصالًا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبحث مقاربة العمل العربي المشترك، وهو ما يعكس إدراك القاهرة أن بغداد تمثل عنصرًا لا يمكن تجاوزه في أي مشروع أمني، بحكم موقعها الجغرافي الرابط بين الخليج وبلاد الشام، وثقلها السياسي في التوازنات الإقليمية.
القراءة العراقية للأحداث جاءت حذرة ومتوازنة، حيث أوضح النائب ثائر الجبوري لـ"بغداد اليوم" أن "التصعيد الإعلامي وصل إلى ذروته، وسط صدور بيانات متضاربة من عدة أطراف، إلا أن قراءة متأنية للمواقف الدولية وخفايا ما يجري خلف الكواليس تشير بوضوح إلى أن الجميع لا يريد عودة الحرب إلى الشرق الأوسط".
التحليل يعكس قناعة عراقية أن ما يجري هو أقرب إلى إدارة أزمة منه إلى اندلاع حرب شاملة، وأن الدعوات إلى تحالفات دفاعية تهدف إلى رفع سقف الردع دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة. ووفق تقديرات قانونية، فإن طبيعة الأحداث تثبت أن التباين بين الخطاب السياسي والواقع الميداني يعكس حسابات دقيقة لكل طرف، أكثر مما يعكس توجهًا نحو الحرب.
الموقف الأمريكي يشكّل بدوره عنصرًا حاسمًا في هذه المعادلة. وأكد الجبوري أن "الولايات المتحدة تدرك أن أي حرب قادمة لن تبقى محصورة جغرافيًا، بل ستكون ارتداداتها على عموم المنطقة، وربما على مصالحها نفسها". هنا تبدو واشنطن أمام معضلة مزدوجة: فهي من جهة متمسكة بتحالفها مع إسرائيل، ومن جهة أخرى تخشى أن يؤدي انفجار الأوضاع إلى تهديد مصالحها النفطية والأمنية في الخليج. القصف الإسرائيلي للدوحة فتح أمامها سيناريو غير متوقع، يتمثل في احتمال تبلور رد عربي جماعي قد يأخذ شكل تحالف دفاعي، وهو ما قد يقلص من حرية حركتها. كما أن أي توسع عسكري عربي – خاصة إذا شمل الجنوب السوري بتحالف مع تركيا – سيعني اقتراب قوات عربية من حدود إسرائيل بشكل مباشر، ما يضاعف من حساسية الموقف الأمريكي.
ورغم محدودية المخرجات، حاول العراق أن يطرح نفسه كلاعب مبادر، عبر اقتراح إنشاء تحالف عربي–إسلامي لمواجهة إسرائيل خلال قمة الدوحة. هذه الخطوة عكست سعي بغداد لاستثمار موقعها وثقلها في بلورة إطار جماعي جديد. وأوضح أستاذ العلوم السياسية علي الجبوري في حديثه لـ"بغداد اليوم" أن "هناك أهمية لتعزيز التنسيق بين العراق ومحيطه العربي والإسلامي لمواجهة التحديات المتسارعة، خاصة وأن العراق يمتلك موقعاً محورياً وثقلاً سياسياً وحضارياً يؤهله للعب دور رئيسي في صياغة المواقف المشتركة".
هنا ينعكس اتجاهًا عراقيًا نحو إعادة تعريف الدور الوطني كجسر للتواصل لا ساحة للصراع، بما يتناغم مع دعوات أكاديمية ترى أن أي مبادرة عربية–إسلامية قادرة على إعادة التوازن إذا تحولت إلى إطار مؤسسي حقيقي.
الخلاصة، أن ما تغيّر في المشهد هو انتقال العراق من موقع المتابع إلى صاحب المبادرة، بعدما أدرك أن الاعتماد على الحماية الخارجية لم يعد كافيًا وأن التحالفات الجماعية باتت ضرورية. وما لم يتغيّر هو صعوبة توحيد القرار العربي واستمرار غياب الآليات العملية. النتيجة أن بغداد أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة موقعها في التوازنات الإقليمية، شرط أن تحوّل مبادرتها إلى مشروع مؤسسي يعالج الانقسامات الداخلية ويواجه الضغوط الخارجية، لتصبح ركيزة من ركائز الأمن الجماعي العربي–الإسلامي بدل أن تبقى متأرجحة بين دور المتفرج وضغوط الأطراف الأخرى.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم – متابعة أكد محمد إسلامي، معاون رئيس الجمهورية ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن زيارته إلى فيينا للمشاركة في أعمال المؤتمر العام التاسع والستين للوكالة الدولية للطاقة الذرية حققت ما وصفه بـ"نتائج إيجابية" على المستويين الفني