بغداد اليوم - بغداد
ينص الدستور العراقي على أن البرلمان يمثل السلطة التشريعية العليا، المكلّفة بسن القوانين وممارسة الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، وهو ما يضع النواب في موقع مسؤولية مباشرة أمام الناخبين. غير أن الواقع الميداني يكشف عن تحديات جدية تهدد مصداقية المؤسسة التشريعية، أبرزها ظاهرة غياب النواب عن الجلسات، خصوصاً في المراحل التي تسبق الانتخابات، حيث تتحول الأولويات من العمل النيابي إلى الحملات الانتخابية المبكرة. هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك فردي، بل انعكاس لمعضلة أعمق ترتبط بضعف الانضباط المؤسسي، وتراجع ثقة الشارع بالعملية السياسية.
الباحث في الشأن السياسي حسين الأسعد أوضح لـ"بغداد اليوم"، أن "ظاهرة غياب النواب عن جلسات البرلمان وانشغالهم بحملاتهم الانتخابية تثير قلقاً مشروعاً لدى الشارع العراقي، إذ تعكس تراجعاً في مستوى الالتزام بالمسؤولية الدستورية والواجب الوطني، فالمواطن الذي منح ثقته وصوته يتوقع من ممثليه حضور الجلسات والمشاركة الفاعلة في مناقشة القوانين والرقابة على الأداء الحكومي، لا أن يتم إهمال هذه المهام لصالح المصالح الانتخابية الضيقة". هذا التحليل يعكس بعداً دستورياً جوهرياً، حيث أن الغياب غير المبرر لا يُعد فقط إخلالاً بواجب وظيفي، بل خرقاً لعقد الثقة بين النائب والناخب. وفق تقديرات قانونية، يمكن لمثل هذه الممارسات أن تبرر تشريعات مستقبلية أكثر صرامة لمحاسبة النواب المتغيبين.
وفي سياق متصل، بيّن الأسعد أن "استمرار هذا السلوك يضعف ثقة المواطنين بالمؤسسة التشريعية، ويعطي انطباعاً سلبياً عن جدية ممثلي الشعب في خدمة المصلحة العامة، ومن الضروري أن تكون هناك آليات صارمة لمحاسبة النواب المتغيبين بلا عذر، لضمان أن تكون الأولوية دائماً للعمل النيابي وليس للحسابات الانتخابية". هذه الملاحظة تسلط الضوء على البعد المؤسسي للغياب، إذ أن البرلمان كجهاز رقابي وتشريعي يفقد جزءاً من شرعيته عندما يعجز عن ضمان التزام أعضائه. تشير المداولات السياسية إلى أن ضعف الانضباط البرلماني كان من أبرز أسباب تراكم الأزمات التشريعية في العراق بعد 2003، وهو ما يجعل الحاجة إلى إصلاحات تنظيمية أكثر إلحاحاً.
وفي إطار ربط المسؤولية بالقدوة، أكد الأسعد أن "المرحلة الحالية تتطلب من النواب أن يكونوا قدوة في الانضباط والالتزام، لا أن يرسخوا صورة سلبية تعمّق الفجوة بينهم وبين الناخبين". هذه الإشارة تعكس إدراكاً عميقاً للبعد الاجتماعي والسياسي لغياب النواب، حيث أن انشغالهم بالحملات الانتخابية المبكرة لا يضعف المؤسسة التشريعية فقط، بل يعزز انطباعاً متجذراً لدى المواطنين بأن السياسيين يقدمون مصالحهم الخاصة على حساب الصالح العام. ترى دراسات بحثية أن مثل هذه الانطباعات السلبية تُعمّق من أزمة الثقة بين المواطن والدولة، وتنعكس مباشرة على نسب المشاركة في الانتخابات المقبلة.
تفتح هذه الظاهرة الباب أمام نقاش جدي حول الحاجة إلى إصلاحات داخلية في البرلمان. فالنظام الداخلي الحالي يفتقر إلى آليات عقابية فعالة بحق النواب المتغيبين. يمكن لتشريعات جديدة أن تُلزم بإسقاط عضوية النائب عند تجاوز نسبة محددة من الغيابات غير المبررة، أو اقتطاع جزء من مخصصاته المالية. كما يمكن تفعيل الشفافية عبر نشر سجلات الحضور أمام الرأي العام، لتشكيل ضغط اجتماعي وسياسي إضافي. وفق تقديرات مختصين، فإن إصلاح هذه الثغرة يمثل مدخلاً أساسياً لإعادة الاعتبار للمؤسسة التشريعية.
ما تغيّر هو ارتفاع حدة الغياب البرلماني مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، في وقت كان يتطلب فيه الظرف السياسي تعزيز الرقابة والتشريع. وما لم يتغيّر هو استمرار غياب آليات حازمة لمحاسبة النواب المتخلفين عن أداء واجباتهم. أما الأثر المتوقع، فهو تراجع إضافي في ثقة الشارع بالمؤسسة التشريعية، ما يُفاقم أزمة الشرعية السياسية التي يعانيها النظام العراقي منذ سنوات.
إن تصريحات الأسعد تضع يداً على جوهر الأزمة، فغياب النواب ليس مجرد إشكالية إجرائية، بل مؤشر على تراجع الالتزام بالعقد الدستوري بين النائب والناخب. ولعل المرحلة المقبلة ستفرض على البرلمان إما اتخاذ خطوات عملية لضبط الانضباط النيابي، أو مواجهة أزمة أعمق في ثقة المواطنين بجدوى العملية السياسية برمتها.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - بغداد تنشر وكالة "بغداد اليوم" أسعار الذهب في الأسواق المحلية في العراق، اليوم الخميس (9 تشرين الأول 2025)، حيث شهدت الأسعار ارتفاعا مستمرا بالتزامن مع تسجيل أونصة الذهب عالميا 4038 دولارا. وفيما يلي أسعار بيع المثاقيل في السوق