بغداد اليوم – بغداد
يتجه العراق نحو مرحلة مائية غير مسبوقة، بعدما هبطت مستويات الخزين الاستراتيجي في السدود إلى حدود مقلقة لم تُسجّل منذ عقود، ما يعكس أزمة مركبة تتداخل فيها عوامل التغير المناخي مع ضغوط دول المنبع وضعف الإدارة الداخلية. وفي هذا السياق، تتقاطع البيانات الرسمية والتقديرات البحثية على صورة حرجة: فبينما لا يتجاوز المخزون الحالي 5 مليارات متر مكعب وفقاً لتصريحات نيابية، تُظهر السعات التصميمية لعدد من السدود الكبرى—مثل الموصل (11.11 مليار م³) وحديثة (8.3 مليارات م³) ودوكان (6.97 مليارات م³) ودربندخان (3 مليارات م³)—أن الطاقة النظرية المتاحة تفوق 29 مليار م³ لهذه الأربعة وحدها، وهو تباين يوضح عمق الاختلال بين الإمكان النظري وما هو متحقق فعلياً، كما يلاحظ مختصون.
ويشير عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية، ثائر الجبوري، خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، إلى أن "من المهم كشف الحقائق أمام الرأي العام بشأن ملف المياه كونه يمثل أولوية وطنية"، مؤكداً أن ما يجري "يعكس أزمة حقيقية" تستنزف الخزين بسبب الاستخدام الواسع لتأمين مياه الشرب وتشغيل محطات الإسالة وسقي البساتين. هذا التشخيص يجد ما يسنده في الدراسات التي بيّنت أن بحيرة حمرين فقدت قرابة 99% من قدرتها التخزينية بين عامي 2021–2022، نتيجة الترسيب وشح الإيرادات، وهو ما يفسر هشاشة المنظومة المائية في لحظة التراجع الحالي.
ويضيف الجبوري أن "إجمالي الكمية الواردة من تركيا لا يتجاوز 150 متراً مكعباً في الثانية، في حين أن حاجة العراق الحقيقية تتراوح بين 750 – 800 متراً مكعباً في الثانية"، في إشارة إلى فجوة هائلة تجعل البلاد مضطرة للسحب من احتياطها. هذه الأرقام تعكس ما كشفته تقارير صيف 2025 عن تناقض التدفقات: ففي حين أعلنت أنقرة أنها ضخت 400 م³/ث في تموز وآب، أكد الجانب العراقي أن ما وصل فعلياً لم يتجاوز 120 م³/ث، وهو فرق يُترجم مباشرة إلى نزيف مستمر في الخزين الاستراتيجي، كما يلاحظ محللون.
وعلى صعيد متصل، تُظهر بيانات ربيعية في إقليم كردستان أن مجموع خزين السدود هناك بلغ 3.6 مليارات م³، مع نسب امتلاء متفاوتة (دربندخان ~62% من العام السابق، دوكان ~50%، دهوك ~80%)، ما يوضح التباين الجغرافي بين الموارد والطلب، ويضيف طبقة جديدة من التعقيد في إدارة الملف، كما يشير مراقبون.
وعن التلويح بورقة الضغط الاقتصادي قال الجبوري، إن "تركيا لم تلتزم بوعودها تجاه بغداد، الأمر الذي دفعنا أكثر من مرة للمطالبة بإيقاف عمل أكثر من 600 شركة تركية في العراق لخلق توازن في المصالح ودفع أنقرة إلى زيادة الإطلاقات المائية باتجاه العراق". هذا الخطاب يعكس تحوّل ملف المياه إلى ورقة تفاوضية تتجاوز حدود السياسة المائية، ليتحول إلى عنصر في معادلة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول الجوار.
إن أزمة المياه الراهنة لا تختزل في رقم الخزين البالغ 5 مليارات م³، بل في البنية المعقدة التي أنتجته: إمدادات خارجية متدنية وخاضعة لمزاج دول المنبع، قدرات تخزينية متآكلة بفعل الجفاف والترسيب، وإدارة تشغيلية مضطرة للسحب من الاحتياطي لتأمين المتطلبات الأساسية. ومع هذا الواقع، لم يعد الملف المائي قضية مؤجلة، بل تحدياً استراتيجياً يتصل بالأمن الغذائي والصحي والاقتصادي. وبحسب مختصين، فإن مستقبل العراق المائي مرهون بمسارين متوازيين: دبلوماسية صارمة تضمن الالتزامات الدولية، وبرامج داخلية عاجلة لرفع كفاءة إدارة الموارد وتقليل الفاقد. هنا، يغدو الماء ليس مجرد مورد، بل معياراً لمدى قدرة الدولة على حماية حاضرها وضمان بقاء أجيالها المقبلة.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - بغداد أصدرت قيادة عمليات بغداد، اليوم الخميس (11 أيلول 2025)، توضيحًا بشأن سبب الإجراءات الأمنية في العاصمة بغداد. يتبع..