بغداد اليوم – بغداد
مع اشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العراق، تتسع ظاهرة هجرة الشباب نحو الخارج عبر طرق محفوفة بالموت والاعتقال والاستغلال. النائبة السابقة منار عبد المطلب حذّرت في حديثها لـ"بغداد اليوم" من "الشبكات السوداء التي تستغل الشباب العراقي وتدفعهم نحو المجهول"، مشيرةً إلى أن "عدداً غير قليل من الشباب باتوا يغريهم حلم الهجرة إلى الخارج، خصوصاً إلى الدول الغربية، في محاولة للهروب من الواقع المؤلم والبطالة". هذا الواقع يضع العراق أمام معادلة خطيرة: شباب يفتقدون الأمل في الداخل، ويقعون فرائس سهلة لشبكات تهريب عابرة للحدود، بحسب مختصين.
عبد المطلب أوضحت أن "أغلبهم يقعون فريسة لشبكات الهجرة غير الشرعية التي تستنزف أموالهم وتتركهم في الصحارى والبوادي، حيث يلقى بعضهم حتفه، فيما يُزج بآخرين في السجون باعتبارهم مخالفين للقوانين والأنظمة". هذه العبارة تحيل مباشرة إلى المآسي التي تكشّفت في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، حيث أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في مارس 2024 العثور على 65 جثة لمهاجرين في مقبرة جماعية بالصحراء الليبية، كثير منهم قضوا عطشاً وجوعاً. وفي يوليو 2025، احتجزت السلطات الليبية ستة شباب أكراد من إقليم كردستان أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، فيما أكدت السفارة العراقية في أغسطس 2025 أنها أعادت 25 شاباً كردياً كانوا عالقين في مراكز احتجاز ليبية، في مشهد يعكس أن "المجهول" الذي أشارت إليه عبد المطلب قد يتحول إلى موت محقق أو سجن طويل.
لكن ليبيا ليست المسار الوحيد، إذ تكشف مسارات الهجرة أن تركيا تمثل البوابة الأخطر والأكثر استخداماً للعراقيين. فالشباب يدخلون عبر تأشيرات سياحية أو طرق التهريب، ثم ينتقلون إلى مدن مثل إزمير وبودروم، ومنها يحاولون العبور بقوارب مطاطية نحو جزر يونانية مثل ليسبوس وساموس. مئات العراقيين غرقوا في بحر إيجه منذ عام 2015، بينهم عائلة عراقية كاملة فقدت حياتها أثناء محاولتها الوصول إلى اليونان عام 2021، ما جعل الحادثة رمزاً لمآسي الهجرة عبر تركيا. عبد المطلب أشارت إلى أن "هذه الشبكات السوداء كانت وراء الكثير من الأحداث المأساوية التي طالت شباباً تقطعت بهم السبل"، وهو توصيف ينسجم مع شهادات منظمات دولية وثّقت كيف تحوّل بحر إيجه إلى "مقبرة جماعية" للمهاجرين.
دعوة عبد المطلب إلى "إطلاق حملات واسعة لتوعية الشباب بخطورة الوقوع في فخ تلك الشبكات، والعمل على إعادة جميع العراقيين المحتجزين في دول عدة بسبب تورطهم في الهجرة غير المشروعة" تفتح نقاشاً أبعد: لماذا يصرّ الشباب على طرق الموت هذه؟ محللون يربطون ذلك بارتفاع معدلات البطالة، غياب العدالة الاجتماعية، وفساد المنظومة الاقتصادية، وهو ما يجعل الهجرة تبدو خياراً وحيداً حتى وإن كان محفوفاً بالمخاطر. كما أن تساؤلها عن "وجود أدوات داخلية تسهم في دفع هؤلاء الشباب نحو المجهول" يسلط الضوء على شبهة تورط جهات محلية – سواء شبكات وساطة أو حتى أطراف متنفذة – في تسهيل هذا المسار، ما يعقد المعالجة ويجعلها أبعد من مجرد مواجهة أمنية مع المهربين.
من خلال تتبع ما طرحته منار عبد المطلب، وما تكشفه الوقائع الميدانية في ليبيا وتركيا، يتضح أن ملف الهجرة غير الشرعية للعراقيين لم يعد مجرد "حلم غربي" لشباب يهربون من البطالة، بل أصبح معضلة بنيوية تتغذى على انسداد الأفق الداخلي وتستثمر فيها شبكات تهريب منظمة. في ليبيا، الموت ينتظرهم في الصحراء أو الاعتقال في مراكز احتجاز سرية، وفي تركيا يتحول بحر إيجه إلى فخ قاتل يبتلع العوائل، واستنزاف الشباب العراقي مادياً ونفسياً.
والأخطر أن هذه الهجرة غير الشرعية، حتى وإن انتهت بالنجاة والوصول، تقوم على أساس مأساوي، حيث يضطر الشاب لبيع كل ما يملك مقابل مقعد في قارب مطاطي أو رحلة عبر الصحراء، في مسار محفوف بالخسارة والخذلان. وهكذا، يتحول ملف الهجرة إلى مرآة لأزمة أعمق تعصف بالبنية الداخلية للعراق، أزمة تتجاوز حدود الأفراد إلى صورة جيل كامل يُدفع قسراً إلى خيارات يائسة، فيما تستمر الشبكات السوداء في حصد الأرباح على حساب أرواحهم.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - بغداد نفت قيادة شرطة الكرخ، اليوم الأربعاء (10 أيلول 2025)، حدوث انفجار أو استهداف لمنزل أحد الضباط ضمن منطقة السيدية بالعاصمة بغداد. يتبع..