بغداد اليوم - السليمانية
لم تعد السياسة في إقليم كردستان محكومة بجدل البرامج والوعود الانتخابية وحدها، بل صارت ترتبط أيضًا بالمحاكم والأحكام القضائية التي تطال قادة أحزاب المعارضة، لتتحول ساحات المحاكم إلى امتداد لصناديق الاقتراع. هذه الديناميكية الجديدة تكشف أن الانتخابات المقبلة لن تُقاس فقط بمستوى التنافس بين الأحزاب التقليدية والحديثة، بل أيضًا بمدى تأثير الأحكام القضائية على توزيع الأصوات وإعادة تشكيل الخريطة السياسية.
الباحث في الشأن السياسي لقمان حسين يضع هذه المعضلة في إطارها خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، ويقول إن "هناك جهات ستتأثر بالحكم على قادة أحزاب المعارضة في الإقليم وهناك حركات أخرى مستفيدة". هذا التوصيف يعكس، وفق محللين، أن الأثر السياسي للحكم لن يكون أحادي الاتجاه، بل متعدد الانعكاسات.
فبينما يذهب بعض المراقبين إلى أن المعارضة ستُضعف بفعل هذه الضربات، يصر حسين على أن "أصوات المعارضة بشكل عام لن تتراجع، لكنها ستنقسم وتتوزع على عدد أكبر من الأحزاب والحركات، ولن تكون حصراً بجهة واحدة".
هذا التفصيل يشير إلى ظاهرة معروفة في علم السياسة: تفتيت الصوت الاحتجاجي. فبدل أن يتجمع في كتلة صلبة قادرة على المنافسة، يتوزع بين تشكيلات جديدة وكيانات ناشئة، ما يعيد تشكيل التوازنات الداخلية. مختصون يرون أن هذه الظاهرة قد تُعزز التعددية من جهة، لكنها في المقابل تضعف القدرة على فرض بديل سياسي متماسك.
ولعل المثال الأوضح على ذلك هو ما يخص حراك الجيل الجديد، الذي يرى حسين أنه "سيكون من أبرز المتأثرين بعد الحكم على رئيسه شاسوار عبد الواحد". هذا القول يُبرز خصوصية الحالة؛ فالحكم بخمسة أشهر حبس على شخصية مثيرة للجدل مثل عبد الواحد لا يقتصر أثره على الحزب الذي يقوده، بل يمتد إلى المزاج العام لناخبيه. خلفيات القضية تعود إلى اتهامات بالاستيلاء على أموال المساهمين في مشروع "جافي لاند" وتهم باختلاس 70 مليار دينار، بحسب ما أعلنته حكومة الإقليم. هذه الملفات القضائية، حتى لو اتُخذت بجدية أو وُصفت بأنها ذات دوافع سياسية، فإنها تترك أثرًا عميقًا في الشارع، وهو ما ينعكس مباشرة على الخريطة الانتخابية.
وفي جانب آخر من المشهد، برز اعتقال شخصيات معارضة أخرى مثل لاهور جنكي، الرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني، في سياق صراعات حزبية داخلية وتحقيقات قضائية. هذه الاعتقالات، وإن اختلفت خلفياتها عن حالة شاسوار عبد الواحد، فإنها تسهم في تعقيد صورة المعارضة الكردستانية، إذ لا يقتصر الضغط على الحركات الناشئة، بل يمتد إلى شخصيات بارزة داخل الأحزاب التقليدية نفسها.
مراقبون يرون أن هذه الوقائع تكشف أن أدوات الصراع في الإقليم لم تعد تقتصر على التنافس السياسي، بل باتت تشمل أدوات قضائية وأمنية، تُستخدم في لحظات حساسة لإعادة رسم موازين القوى.
ومع ذلك، يشير حسين إلى زاوية أخرى حين يقول إن "بشكل عام هناك صوت ناقم داخل الإقليم، وهذا الصوت سيذهب باتجاه أحزاب المعارضة، ولكن هذه المرة ستزيد أصوات الحركات الجديدة الناشئة المعارضة في الإقليم، وتتأثر الأحزاب التي تم اعتقال قادتها".
هذه القراءة تُظهر أن المزاج الشعبي الناقم لم يتبدد، بل يعيد التموضع، ويتجه إلى كيانات جديدة تحاول ملء الفراغ. محللون يعتبرون أن هذه الديناميكية تذكّر بتجارب انتقال الصوت الاحتجاجي من أحزاب إلى أخرى في لحظات الأزمات، حيث يصبح الشارع لاعبًا مستقلًا لا يلتزم بالولاءات التقليدية.
وفي السياق نفسه، لا يمكن عزل هذه التطورات عن توقيت الأحداث؛ فاعتقال عبد الواحد في 12 آب الماضي، ثم صدور الحكم ضده، جاءا في مرحلة حساسة تسبق الانتخابات، ما يفتح باب التساؤل حول البُعد السياسي للأحكام القضائية. مراقبون يرون أن هذا التوقيت يزيد من احتمالات قراءة الأحكام كأداة سياسية بقدر ما هي قانونية، خصوصًا مع تاريخ طويل من التوتر بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة في كردستان.
والآن، المعارضة الكردستانية، رغم الضربات التي تلقتها، ما زالت تستند إلى قاعدة اجتماعية ناقمة يمكن أن تتوسع عبر الحركات الناشئة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه، كما يراه محللون، هو: هل ستتحول هذه الانقسامات إلى مصدر قوة تنوّع يثري المشهد، أم أنها ستُضعف جبهة المعارضة وتمنح الأحزاب التقليدية فرصة جديدة لتكريس نفوذها في انتخابات الإقليم المقبلة؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - واسط افاد مصدر أمني، اليوم الأربعاء (3 أيلول 2025)، باعتقال أستاذ جامعي في واسط بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم من قبل جهاز الأمن الوطني. وقال المصدر لـ"بغداد اليوم"، إن "جهاز الأمن الوطني في واسط يعتقل أستاذًا جامعيًا خلال