اقتصاد اليوم, 15:07 | --


البنك المركزي: ذهب يعزز الاستقرار وديون تقيد الموازنة

بغداد اليوم – بغداد
في بلدٍ تتناوب فيه الأزمات على أبواب السياسة والمال، يكشف هيكل موجودات البنك المركزي العراقي عن لوحة أعمق من مجرد نسب وأرقام. فالأصول التي تتبدل مواقعها بين الذهب والأوراق المالية والمستحقات الحكومية ليست مجرد حسابات مصرفية، بل انعكاس لمسار دولة تبحث عن استقرار وسط عواصف داخلية وخارجية، بحسب مختصين.

منار العبيدي، الخبير الاقتصادي، يوضح في منشور على صفحته بـ"فيسبوك"، تابعته "بغداد اليوم"، أن الأوراق المالية، رغم حفاظها على موقع الصدارة بنسبة 27% عام 2025، تراجعت عن حصتها السابقة البالغة 37% في 2022، وهو تراجع يقرأه محللون على أنه فقدان لأحد أدوات السيولة التي تمنح البنك مرونة فورية في مواجهة الضغوط. في المقابل، يقفز الذهب من 6% إلى 12.6%، ليمثل التحول نحو "الأمان الصلب"، خطوة يرى مراقبون أنها تعكس قلقاً عميقاً من هشاشة الأسواق، ورغبة في الاحتماء بالمعدن الذي لا يخون.

لكن الصورة لا تكتمل من دون الإشارة إلى ودائع البنوك الأخرى التي ارتفعت إلى 26%، لتمنح البنك المركزي قدرة أعلى على المناورة، في وقت ما زالت فيه المستحقات على وزارة المالية تقتطع ما يقارب ربع الموجودات. هذه المستحقات لم تتقلص فعلياً، بل بقيت ثابتة تقريباً، وهو ما يراه محللون استمراراً لتشابك السياسة النقدية بالمالية العامة، بما يحوّل البنك المركزي أحياناً إلى دائن أكبر للدولة نفسها.

الخلفية التاريخية تكشف أن هذا الارتباط ليس جديداً؛ فمنذ 2003 وجد البنك المركزي نفسه في قلب معادلة تمويل عجز الموازنات، عبر شراء حوالات الخزينة وإقراض المالية. قانون البنك المركزي الذي يمنحه استقلالية شكلية لم يمنع التداخل العملي، الأمر الذي يجعل من المستحقات الحكومية ثغرة هيكلية يصعب سدّها.

وليس بعيداً عن ذلك، ارتفعت قروض تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة من 5% إلى 7%، وهو ما يراه مختصون بصيص أمل في اتجاه تنموي يحتاج إلى متابعة وضمانات، خشية أن يتحول إلى عبء جديد على الموجودات إذا ما عجزت تلك المشاريع عن السداد. أما الاستثمارات الخارجية والودائع لدى البنوك الأجنبية، فقد تراجعت من 62% إلى 53%، لتكشف عن إعادة توزيع نحو الداخل عبر الذهب والسيولة، لكنها خسارة لجزء من العوائد المنتظمة التي كانت تمنحها الأسواق الخارجية.

القراءة المتدرجة لهذه الأرقام تقول إن البنك المركزي يحاول الموازنة بين الأمان المالي والاستثمار، لكنه يصطدم بعائق جوهري: أكثر من ثلث موجوداته عبارة عن قروض ومطالبات، وهو ما يجعل استدامة هيكله النقدي رهن التزامات أطراف أخرى، في مقدمتها وزارة المالية.

وفي الخاتمة، يتضح أن هيكل البنك المركزي ما زال أسير ثقل الديون الحكومية رغم محاولات التنويع، فيما يمنحه الذهب والسيولة هامش أمان إضافياً، لكنه غير كافٍ ما لم تترافق هذه التحولات مع استراتيجية واضحة تفك الارتباط البنيوي بين السياسة النقدية والمالية وتعيد الاعتبار لمرونة المؤسسة النقدية كحارس للاستقرار.
المصدر: صفحة الخبير الاقتصادي منار العبيدي بـ"فيسبوك"+ بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

بغداد اليوم تنشر مدونة "الأحوال الشخصية الجعفرية"

بغداد اليوم - بغداد اليوم تنشر مدونة "الأحوال الشخصية الجعفرية"

اليوم, 17:15