اقتصاد / ملفات خاصة 21-08-2025, 13:08 | --

ظلال العقوبات المحتملة


أسعار النفط والسلام المرتقب بين روسيا وأوكرانيا.. تهديد جديد يواجه اقتصاد العراق

بغداد اليوم – بغداد
نقاشات جديدة طرأت على الساحة الاقتصادية العراقية، حول مستقبل أسعار النفط عقب اقتراب نهاية الحرب الروسية – الأوكرانية، ويثار تساؤل جوهري: هل سيقود السلام المرتقب إلى انهيار إيرادات الدولة الريعية؟ وبينما يذهب البعض إلى التحذير من "كارثة اقتصادية"، يرى مختصون أن المسألة أعقد من مجرد ارتباط الأسعار بمصير الحرب، وأن عوامل العرض والطلب وإدارة "أوبك+" باتت هي الحاكمة للسوق النفطية، مما يجعل قراءة المشهد أكثر تركيباً من التوصيفات المتشائمة.

المختص في الشأن الاقتصادي أحمد عبد ربه أوضح في حديثه لـ"بغداد اليوم" أن ربط أسعار الخام بالحرب وحدها تبسيط مخل، فالسوق لم تعد تُدار فقط من خلال تداعيات الجغرافيا السياسية، بل أيضاً بعوامل العرض والطلب العالمية، والإنتاج من خارج "أوبك+"، ولاسيما الولايات المتحدة وكندا والبرازيل. هذا الرأي ينسجم مع تقييمات مؤسسات الطاقة الدولية التي تشير إلى أن السوق استوعبت بالفعل صدمة الحرب عبر إعادة توجيه النفط الروسي نحو آسيا.

غير أن عبد ربه يحذر من أن أي سلام شامل قد يتبعه تخفيف واسع للعقوبات على روسيا، وهو ما يعني عودة ملايين البراميل إلى السوق العالمية، بما يشكل ضغطاً نزولياً على الأسعار. لكن في المقابل، يظل تحالف "أوبك+" قادراً على امتصاص هذه الزيادة عبر سياسة خفض الإنتاج أو التعديلات التدريجية، وهو ما يجعل "الخطر" نسبيّاً وقابلاً للإدارة.

وتشير بيانات وزارة المالية العراقية إلى أن أكثر من 90% من إيرادات الموازنة تأتي من صادرات النفط الخام، في حين لا تتجاوز الإيرادات غير النفطية نسبة 7–8% فقط من إجمالي الواردات السنوية. ووفق أرقام شركة تسويق النفط (سومو)، يبلغ متوسط الصادرات العراقية نحو 3.3 – 3.4 مليون برميل يومياً، وبسعر برنت الحالي (بين 80 و85 دولاراً للبرميل) تحقق بغداد عوائد شهرية تقارب 8 إلى 9 مليارات دولار.

لكن هذه الأرقام تبقى رهينة لتقلبات السوق. فإذا انخفض السعر إلى 70 دولاراً مثلاً، فإن الخزينة ستفقد ما لا يقل عن ملياري دولار شهرياً، وهو ما يعادل عجزاً مباشراً عن تغطية الرواتب والنفقات التشغيلية. أما في حال تراجعت الأسعار إلى ما دون 60 دولاراً كما يتوقع بعض الخبراء عند تخفيف العقوبات على روسيا، فإن العراق قد يواجه فجوة مالية خطيرة تصل إلى 25 – 30% من إجمالي الموازنة، ما يفرض إجراءات تقشفية أو الاقتراض مجدداً لسد العجز.

بحسب تقديرات عبد ربه، فإن أسعار برنت في حال الوصول إلى تسوية سياسية قد تستقر بين 60 و75 دولاراً للبرميل. هذه المستويات أدنى بكثير من متوسط الأسعار الحالية، ما يعني ضغوطاً جدية على المالية العامة العراقية، خصوصاً مع اعتماد الموازنة على النفط بشكل شبه كامل. هنا تكمن الإشكالية البنيوية: فالعراق ما يزال أسير سياسة ريعية تجعله رهينة تقلبات السوق العالمية.

التحليل يكشف أن أي تراجع في الأسعار ينعكس فوراً على قدرة الدولة في تمويل التزاماتها، وعلى رأسها الرواتب والتحويلات الاجتماعية. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن "الهشاشة" تكمن في تضخم النفقات الجارية مقابل ضعف الإيرادات غير النفطية، ما يجعل أي صدمة خارجية ذات أثر مضاعف على الداخل العراقي.

عبد ربه شدد على أن التحدي الأكبر أمام المالية العراقية هو ضبط النفقات وتعزيز تحصيل الموارد غير النفطية، داعياً الحكومة إلى بناء الموازنة على أساس سعر نفط متحفظ بدلاً من الرهان على ارتفاعات ظرفية. ويضيف أن استثمار الغاز المصاحب بشكل عاجل يمثل فرصة استراتيجية لتقليل فاتورة الاستيراد وزيادة صافي العوائد، فضلاً عن الالتزام بحصص "أوبك+" لتجنب الغرامات وخطط التعويض.

وهنا يكون العراق أمام خيارين: إما الاستمرار في النهج الريعي وانتظار تقلبات السوق، أو تبني سياسات مالية أكثر انضباطاً تراعي بناء صناديق سيادية وتطوير مصادر دخل بديلة. الخيار الأول يعني مزيداً من الأزمات، بينما الخيار الثاني يتطلب إرادة سياسية وإصلاحات صعبة لكنها ضرورية.

حتى مع استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، لا يتوقع عبد ربه قفزة كبيرة في الأسعار، بل ربما الاستقرار أو التراجع الطفيف، ما يعني أن العراق لا يملك ترف التأجيل. فالحقيقة التي يكشفها هذا النقاش أن الخطر ليس في الحرب وحدها ولا في انتهائها، بل في غياب سياسات اقتصادية متماسكة تقلل من حساسية الدولة تجاه صدمات النفط.

وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن الظروف الحالية تختلف جذرياً عن تلك التي شهدها العراق عام 2020 عندما هبط سعر برميل النفط إلى حدود 20 دولاراً بفعل جائحة كورونا وانهيار الطلب العالمي. اليوم، ورغم الحديث عن ضغوط نزولية محتملة على الأسعار بعد انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، إلا أن العراق يواجه سياقاً أكثر تعقيداً، إذ لا يقتصر الخطر على جانب السوق، بل يمتد إلى التهديد بعقوبات أمريكية محتملة تتعلق بملف الحشد الشعبي وقوانين تمويله.

هذه التركيبة تجعل من أي انخفاض في الأسعار أكثر خطورة مما كان عليه الحال قبل خمس سنوات؛ فالاقتصاد العراقي ليس مهدداً فقط بتقلب السوق، بل أيضاً بضغوط سياسية خارجية قد تؤدي إلى تقليص قدرته على الحصول على الاستثمارات أو الاستفادة من احتياطاته النقدية بشكل كامل. ووفق محللين، فإن هذا التداخل بين الاقتصاد والسياسة يعني أن بغداد باتت مطالبة ببناء هوامش أمان مالية أكبر، وعدم الاكتفاء بالرهان على تعافي الأسعار كما حدث بعد أزمة كورونا.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

وفاة العلامة محمد علي بحر العلوم إثر جلطة مفاجئة

بغداد اليوم - وفاة العلامة محمد علي بحر العلوم إثر جلطة مفاجئة أصابته أثناء سفره على متن الطائرة

اليوم, 22:31