بغداد اليوم - بغداد
الانتخابات العراقية تعود كعنوان أولي في المشهد السياسي، لكن هذه المرة ليس من زاوية البرامج أو الوعود، بل من زاوية المخاطر التي قد تجرها على الاستقرار الداخلي. فبينما يُفترض أن تكون صناديق الاقتراع وسيلة للتداول السلمي للسلطة، يحذر باحثون من أن طبيعة الصراع الانتخابي الدائر قد تتحول إلى أداة انقسام مجتمعي إذا خرجت عن الأطر الديمقراطية السليمة. وبحسب مراقبين، فإن المرحلة المقبلة قد تكشف مدى قدرة العملية السياسية على حماية النسيج الاجتماعي، أو زجه في معارك جديدة ذات طابع أهلي ومجتمعي.
أكد الباحث في الشأن السياسي عباس غدير، في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن "الصراع الانتخابي الدائر في الساحة السياسية لا يقتصر تأثيره على المشهد الحزبي فحسب، بل يمتد ليطال الاستقرار المجتمعي والأهلي بصورة مباشرة". وأوضح أن "حدة التنافس الانتخابي إذا تجاوزت الأطر الديمقراطية السليمة، فإنها قد تتحول إلى حالة استقطاب حاد داخل المجتمع، الأمر الذي يهدد النسيج الاجتماعي ويؤثر سلباً على العلاقات بين المكونات المختلفة".
ما يحذر منه غدير ليس مجرد فرضية؛ فالتاريخ السياسي الحديث للعراق مليء بأمثلة على كيفية انتقال التنافس السياسي إلى الشارع، وتحوله إلى صدامات أهلية أو استقطابات حادة بين مكونات المجتمع. ويشير مختصون إلى أن غياب التوازن بين القوى، وضعف القوانين الضابطة للحملات، يجعل من كل انتخابات ساحة مفتوحة لاحتمالات الفوضى.
وأشار غدير إلى أن "الخطابات المتشنجة واستخدام لغة التحريض أو التخوين في الحملات الانتخابية قد تفتح المجال أمام الانقسام المجتمعي، وهو ما ينعكس على الأمن الأهلي والتماسك الوطني"، مبيناً أن "المسؤولية تقع على عاتق القوى السياسية ووسائل الإعلام في توجيه التنافس نحو برامج وخطط واقعية تعالج مشاكل المواطن، بدلاً من إذكاء الخلافات والتوترات".
بحسب مختصين في الإعلام السياسي، فإن نبرة الخطاب هي التي تحدد مآلات التنافس؛ فكلما ارتفعت لغة التخوين والتحريض، تراجع مستوى الثقة المجتمعية وتقلصت فرص الحوار. ويؤكدون أن الإعلام الحزبي، حين يتحول إلى أداة لتصفية الحسابات، يسهم بشكل مباشر في صناعة الانقسام الأهلي، الأمر الذي يجعل الحملات الانتخابية عاملاً مهدداً للسلم أكثر من كونها محفزاً للمشاركة الديمقراطية.
فمنذ أول انتخابات بعد عام 2003 وحتى انتخابات 2021، شهد العراق سلسلة من التجارب التي عكست هذه الإشكالية. ففي انتخابات 2010، تحوّل التنافس بين ائتلافي "العراقية" و"دولة القانون" إلى اصطفافات مذهبية حادة أضعفت الثقة بين المكونات. وفي انتخابات 2014، زادت الحرب ضد "داعش" من حدة الاستقطاب، حيث ارتبطت الحملات بخطابات أمنية وطائفية. أما انتخابات 2018، فقد شهدت اتهامات واسعة بالتزوير وشراء الأصوات، ما أضعف ثقة المواطن بالعملية الانتخابية برمتها.
هذه التجارب السابقة تُظهر أن الانتخابات في العراق غالباً ما تخرج من إطارها الطبيعي، لتتحول إلى مرآة للأزمات السياسية والمجتمعية. وبحسب باحثين، فإن هذا المسار إذا تكرر في انتخابات 2025، قد يقود إلى مزيد من التصدعات داخل المجتمع، خصوصاً في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
وأضاف غدير أن "الانتخابات يجب أن تكون أداة لتعزيز الديمقراطية وترسيخ الاستقرار، لا سبباً في إضعافه"، داعياً "جميع الأطراف إلى الالتزام بالخطاب المعتدل، واحترام قواعد اللعبة السياسية، والحفاظ على السلم المجتمعي باعتباره الركيزة الأساسية لأي عملية ديمقراطية ناجحة".
يرى خبراء أن الانتخابات المقبلة تشكل اختباراً حقيقياً لقدرة القوى السياسية على ضبط خطابها، فإما أن تتحول إلى مناسبة لتجديد الثقة بالديمقراطية، أو تصبح وقوداً جديداً للأزمات. وفي ظل واقع سياسي هش وتدخلات خارجية متزايدة، فإن الالتزام بالخطاب المعتدل واحترام قواعد التنافس قد يكون الطريق الوحيد لتجنب زعزعة الاستقرار الأهلي.
وفقاً لمراقبين، فإن التحدي الأكبر أمام العراق لا يكمن في إجراء الانتخابات بحد ذاتها، بل في كيفية إدارتها وضبط مسارها السياسي والإعلامي. فإذا ما تحولت الحملات إلى منصات للتحريض والانقسام، فإن صناديق الاقتراع قد تنتج أزمات أكبر من قدرتها على الحل. أما إذا التزمت القوى السياسية بضوابط اللعبة الديمقراطية، فقد تتحول الانتخابات إلى نقطة انطلاق نحو استقرار أكثر رسوخاً.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم- بغداد أعلنت قيادة عمليات بغداد، اليوم الجمعة، (22 آب 2025)، عن إلقاء القبض على عدد من شبكات وعصابات لتجارة وترويج المواد المخدرة فضلاً عن "الدعارة والتهريب". وذكر بيان لعمليات بغداد، تلقته "بغداد اليوم"، انه