بغداد اليوم - بغداد
مع اقتراب انسحاب القوات الأمريكية من العراق وانتقاله من حيّز التفاهمات إلى دائرة التنفيذ، تتصاعد التحذيرات من تداعيات محتملة قد تُعيد البلاد إلى مشهد معقد أمنيا وسياسيا واقتصاديا. وفي وقت تختلف فيه مواقف القوى العراقية بين مؤيد ومعارض، يرى خبراء استراتيجيون أن أي انسحاب غير مدروس قد يترك فراغا يصعب على الدولة وحدها احتواؤه.
قال الخبير في الشأن الاستراتيجي رياض الوحيلي لـ"بغداد اليوم"، إن "أبرز المخاوف تتمثل أولاً في الفراغ الأمني الذي قد ينشأ نتيجة غياب الدعم الفني والاستخباري للقوات العراقية في مواجهة الإرهاب، خصوصاً مع وجود جيوب نائمة لتنظيم داعش".
الخبراء يؤكدون أن تجربة 2011 لا تزال ماثلة في الأذهان، حين أدى الانسحاب الأمريكي المبكر إلى صعود تنظيم داعش وسيطرته على ثلث العراق بعد عامين فقط. ومع استمرار نشاط الخلايا النائمة للتنظيم في مناطق متفرقة، يُخشى أن يتكرر السيناريو ما لم تُعزز القدرات العراقية في مجال الاستطلاع الجوي والاستخبارات الفنية التي يعتمد العراق فيها بشكل كبير على واشنطن والتحالف الدولي.
أضاف الوحيلي أن "المخاوف الثانية تتعلق باحتمال تصاعد نفوذ بعض الجماعات المسلحة على حساب مؤسسات الدولة، مما يهدد هيبة القانون وسيادة الدولة".
مراقبون يرون أن أي فراغ أمني سيُستثمر من قبل الفصائل المسلحة لتعزيز حضورها الميداني والسياسي، الأمر الذي قد يضعف سلطة الحكومة المركزية. هذا الاحتمال يثير مخاوف من تحوّل العراق إلى ساحة "ازدواجية مؤسسات" حيث يتراجع دور القوات النظامية لصالح الجماعات التي تمتلك موارد مالية وتسليحية مستقلة.
وأشار الوحيلي إلى أن "الملف الثالث يتمثل في التأثيرات الإقليمية المباشرة، إذ قد تسعى أطراف إقليمية لملء الفراغ بما ينعكس سلباً على استقرار العراق ويجعله ساحة صراع بالوكالة".
الانسحاب الأمريكي قد يعيد رسم خطوط النفوذ في المنطقة، خصوصا مع وجود لاعبين إقليميين مثل إيران وتركيا ودول الخليج. ويرى باحثون أن العراق قد يتحول إلى مسرح لتصفية الحسابات إذا لم يستطع فرض سيادته، وهو ما يهدد بإدامة حالة عدم الاستقرار الإقليمي عبر الحدود السورية والعراقية على وجه الخصوص.
قال الوحيلي إن "الملف الرابع يتعلق بالجانب الاقتصادي، خاصة في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية وملف الطاقة، حيث يشكل الاستقرار الأمني عاملاً أساسياً لجذب الشركات العالمية".
الاستثمارات في قطاعات النفط والطاقة تعتمد بدرجة كبيرة على الضمانات الأمنية. أي تراجع في هذا الجانب سيجعل العراق أقل جذبًا للشركات العالمية، ما يؤثر على خطط التنمية الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، فإن اضطراب العلاقة مع الولايات المتحدة قد ينعكس على قدرة بغداد في الوصول إلى الأسواق المالية العالمية أو التعامل مع المؤسسات الدولية.
أضاف الوحيلي أن "المخاوف الخامسة هي الانعكاسات السياسية الداخلية، أبرزها انقسام القوى الوطنية بين مؤيد ومعارض للانسحاب، الأمر الذي قد يزيد من حدة الانقسام السياسي ويضعف وحدة القرار الوطني".
الانقسام حول بقاء القوات الأمريكية ليس جديداً، إذ ترافق مع كل حكومة عراقية منذ 2003. اليوم، يُخشى أن يتحوّل إلى أزمة داخلية تعمّق الشرخ بين المكونات الثلاثة الرئيسية: الشيعة، السنة، والكرد. هذا الانقسام قد يعرقل قدرة البرلمان والحكومة على إنتاج قرار موحد، ما يضعف موقع العراق التفاوضي مع واشنطن ويجعله عرضة للضغوط الخارجية.
الوحيلي شدد على أن "معالجة هذه المخاوف تتطلب رؤية وطنية موحدة تقوم على تعزيز قدرات القوات العراقية، وتحقيق توازن في العلاقات الخارجية، وتقديم المصلحة الوطنية العليا على الحسابات الضيقة".
ويرى مراقبون أن الحل لا يكمن فقط في توقيت الانسحاب أو بقائه، بل في قدرة العراق على صياغة استراتيجية شاملة تحصّن أمنه الداخلي وتوازن موقعه بين القوى الإقليمية والدولية، وإلا فإن ثمن القرارات المتسرعة سيكون مضاعفا.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - بغداد منذ 2003، شهدت الساحة العراقية تحالفات متقلبة بين البيوت السياسية الكبرى (الشيعية، السنية، الكردية)، غالباً ما كانت محكومة بمصالح آنية أكثر من ارتباطها برؤية استراتيجية. ومع كل دورة انتخابية، تتجدد الانقسامات وتُعاد صياغة التحالفات