بغداد اليوم - البصرة
تتصاعد يومًا بعد يوم معاناة سكان البصرة بفعل أزمة المياه المالحة، في ظل غياب حلول فاعلة وتراجع الأمل بحل قريب، كشف مكتب مفوضية حقوق الإنسان في المحافظة، عن أرقام صادمة تشير إلى كارثة بيئية وصحية تلوح في الأف،. وعن تجاوز عدد المتضررين عتبة المليوني نسمة، وسط تحذيرات من كارثة صحية وبيئية وشيكة تهدد حياة الأهالي في أكثر من منطقة. وبينما تتزايد المؤشرات على انتشار أمراض جلدية وتنفسية مرتبطة بالمياه، يُطرح الملف مجددًا بوصفه إحدى أبرز الأزمات الخدمية التي تواجه الجنوب العراقي.
وقال مدير المكتب، مهدي التميمي، في حديث لـ"بغداد اليوم"، اليوم الثلاثاء (5 آب 2025)، إن "أكثر من مليونين من سكان محافظة البصرة يعانون من آثار المياه المالحة، خصوصاً في مناطق شط العرب، الفاو، قضاء أبو الخصيب، إضافة إلى 90% من مناطق مركز قضاء البصرة"، مؤكدًا أن الأزمة باتت تمسّ كل بيت، وتمتد إلى الجوانب الصحية والمعيشية اليومية للسكان.
وأضاف التميمي، أن "المؤشرات وعمليات الاستقصاء والزيارات الميدانية تشير إلى احتمالية وجود أكثر من 30 ألف إصابة بأمراض جلدية وحساسية مرتبطة بشكل مباشر بالمياه المالحة"، مبينًا أن "هذه الأرقام قد تكون أقل من الواقع الفعلي الذي يشير إلى كارثة صحية متفاقمة"، لا سيما في ظل ضعف الاستجابة الرسمية، وغياب البدائل الفاعلة لتأمين مياه صالحة للشرب.
وتزداد شكاوى الأهالي في البصرة من التراجع الحاد في جودة المياه وملوحتها الشديدة، التي باتت تتجاوز النسب المقبولة للاستخدام البشري، في ظل تراجع الإطلاقات المائية من دجلة والفرات، وعدم قدرة شط العرب على مواجهة المدّ البحري القادم من الخليج. ويؤكد مختصون أن تداخل مياه البحر المالحة مع مياه الشط، بسبب ضعف التدفق النهري، ساهم في تدمير شبكات المياه السطحية وأثّر على الآبار الجوفية، ما جعل ملوحة المياه ظاهرة يومية ملموسة في منازل المواطنين.
كما يشير خبراء إلى أن الأزمة البيئية هذه لم تعد مجرد خلل في البنية التحتية، بل تحوّلت إلى تهديد مباشر لصحة السكان، لا سيما مع تسجيل حالات جلدية مزمنة وأمراض تحسسية وتنفسية ناتجة عن استخدام المياه المالحة في الاستحمام والغسيل، ناهيك عن تأثيرها على الثروة الحيوانية والزراعية في المناطق الريفية المحيطة.
وتُعد مشكلة ملوحة المياه في البصرة من الأزمات المزمنة التي تعود جذورها إلى سنوات طويلة، وتفاقمت مع تقلّص الحصص المائية القادمة من نهري دجلة والفرات، نتيجة الخلافات المائية مع دول الجوار، وسوء إدارة الموارد داخليًا. وكان الملف قد تصدّر الواجهة عام 2018 بعد موجة تسمم جماعي طالت آلاف المواطنين بسبب المياه الملوثة، وهو ما فجّر احتجاجات شعبية واسعة في حينها.
ورغم تعهد الحكومات المتعاقبة بإيجاد حلول استراتيجية، وإطلاق الحكومة مؤخرًا عددًا من المشاريع التي تهدف إلى معالجة أزمة المياه في البصرة، أبرزها مشروع تحلية مياه البحر بسعة مليون متر مكعب يوميًا، ومشروع محطة مياه أم قصر بطاقة 1000 متر مكعب في الساعة، إلى جانب مشروع قناة ري شط العرب الذي يُفترض أن يزوّد مناطق واسعة بمياه منخفضة الملوحة.
ورغم أهمية هذه المشاريع على الورق، إلا أن أغلبها لا يزال في مراحله الأولى والواقع الميداني لا يزال يراوح مكانه، وسط غياب مشاريع التحلية الحقيقية، وفشل أغلب محطات المعالجة في تأمين كميات كافية من المياه الصالحة للشرب. كما يحمّل مراقبون الجهات المحلية والحكومة المركزية مسؤولية التباطؤ في مواجهة الأزمة، ويدعون إلى إطلاق خطة طوارئ حقيقية تشمل توفير محطات تحلية متنقلة، وتعزيز الإطلاقات المائية من منابع دجلة، ومراقبة الشبكات المائية لضمان عدم تلوّثها بمياه البحر.
بغداد اليوم - مجلس النواب يعقد جلسته بحضور 169 نائبا