بغداد اليوم - بغداد
مع ازدياد الاستيراد غير المنضبط للسيارات وتحوله الى "شبه ظاهرة"، يبدو أن العراق يدفع ثمن خيارات اقتصادية آنية تُغرق السوق وتستنزف العملة الصعبة، بينما تقف الصناعة المحلية على الهامش بلا رؤية واضحة أو دعم استراتيجي. وكما يصفها مختصون، فإن "فوضى استيراد السيارات" لم تعد مجرد خلل تجاري، بل تحوّلت إلى واحدة من أبرز تجليات غياب التخطيط الإنتاجي في البلاد.
الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه كشف، في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن أكثر من 40 ألف سيارة استُوردت خلال النصف الأول من عام 2025، بكلفة تجاوزت 903 ملايين دولار، معتبرًا ذلك "مؤشرًا بالغ الخطورة على استمرار النزيف المالي في سوق العملة الصعبة". وأوضح أن هذه الأرقام تعكس "خللًا بنيويًا في السياسات الاقتصادية"، إذ تُغرق السوق العراقية بالسلع المستوردة في ظل غياب أي توازن إنتاجي داخلي.
يرى عبد ربه أن العراق يعاني من تراجع حاد في ثقافة التصنيع المحلي، ما يضيع عليه فرصًا كبيرة لتوطين الصناعات الخفيفة والتحويلية، ويجعل السوق عرضة للاستهلاك المتزايد من الخارج. ولو جرى تصنيع هذه الكميات داخل العراق، لكان بالإمكان "الحفاظ على مئات ملايين الدولارات وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل"، حسب تعبيره.
ويؤكد عبد ربه أن "النهج الاستهلاكي الحالي يُكرّس التبعية للأسواق الخارجية"، وهو ما يُضعف الأمن الاقتصادي ويزيد من عجز الميزان التجاري. كما أشار إلى أن الاعتماد المطلق على الاستيراد يُحرم العراق من بناء قاعدة إنتاجية مستدامة.
وشدد الخبير على أن التحول نحو التصنيع المحلي لا يتطلب معجزات، بل يمكن أن يبدأ عبر فرض رسوم تصاعدية على استيراد السيارات، وتوجيه نصف عائداتها لإنشاء مصانع تجميع محلية قادرة على تلبية الطلب الداخلي، مستشهدًا بنماذج إقليمية ودولية ناجحة في هذا المضمار.
نقل جماعي كهربائي كأولوية وطنية
واقترح عبد ربه إطلاق مشروع وطني لإنتاج حافلات نقل جماعي كهربائية داخل العراق، بالتعاون مع شركات عالمية رصينة، شريطة أن تراعي التصاميم ظروف البيئة المحلية من حيث تحمل درجات الحرارة العالية، وشحن سريع لا يتجاوز 30 دقيقة، وأنظمة تبريد تعتمد على الطاقة الشمسية.
ودعا عبد ربه إلى منح إعفاءات ضريبية لمالكي الحافلات الكهربائية لمدة خمس سنوات، وتوفير أراضٍ صناعية مجانية للمصنّعين، وتسهيلات جمركية على مستلزمات الإنتاج، بالإضافة إلى التزام حكومي بإحلال 50% من أسطول المركبات الحكومية بمركبات محلية الصنع.
رؤية مستقبلية: أرباح بمليارات وفرص لعشرات الآلاف
بحسب عبد ربه، فإن تنفيذ هذا التوجه خلال ثلاث سنوات يمكن أن يوفّر أكثر من 1.2 مليار دولار سنويًا من فاتورة الاستيراد، ويُسهم في خلق أكثر من 20 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، فضلًا عن تخفيف الازدحام والتلوث في المدن الكبرى وتحسين الصحة العامة.
وختم بالقول إن المطلوب اليوم هو قرارات جريئة تبدأ بتجميد تراخيص استيراد السيارات الشخصية لمدة عامين (باستثناء مركبات الإسعاف والنقل التجاري)، وتحويل خطوط الإنتاج غير الاستراتيجية إلى مصانع مركبات كهربائية بإشراف وزارة الصناعة، إضافة إلى إدماج تخصصات جديدة في الجامعات التقنية بدءًا من عام 2026 تُركز على هندسة المركبات الكهربائية وتقنياتها الحديثة.
وأكد أن "تصنيع حافلة كهربائية واحدة داخل العراق اليوم له من الأثر الاقتصادي ما يعادل مشروعًا وطنيًا لعقد قادم، أما الاستيراد، فسيبقى مجرد حل مؤقت نشتري به استقرارًا زائفًا على حساب مستقبل أجيالنا القادمة".
وبحسب مختصين في الشأن الاقتصادي، فإن الحاجة إلى تحوّل جاد في السياسة الاقتصادية تبدو اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فاستمرار الاستيراد دون ضوابط كفيلة بتنظيمه لن يؤدي إلا إلى استنزاف الموارد وتضييق فرص النمو المستدام. وحده التصنيع المحلي قادر على تحويل الأرقام السالبة إلى مشاريع منتجة، تحفظ العملة وتعيد بناء الثقة في السوق الوطنية.
بغداد اليوم – بغداد تتسارع في الكواليس السياسية العراقية نقاشات حساسة وغير معلنة بشأن مصير السلاح الذي لا يزال خارج سلطة الدولة، في وقت تزداد فيه المؤشرات على تحوّلات إقليمية، وضغوط دولية، ورغبة داخلية في حسم ملف الفصائل المسلحة التي كانت ذات يوم شريكًا