عدوى الثقة المهزوزة تصيب الدولار وتشوه سطوته
كتب: حسنين تحسين
لم يكن الانخفاض الأخير في سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي نتاجًا لخطة اقتصادية مدروسة، بقدر ما كان نتيجة مباشرة لتحركات السوق المرتبطة بآليات العرض والطلب، وسط نقص واضح في المتوفر من العملة المحلية ( الدينار).
بدأت بوادر هذا التراجع مع تشديد القيود الأمريكية على حركة الدولار، خاصة تلك الرامية إلى الحد من تهريبه إلى الخارج، ما ساهم في هبوط السعر من مستويات 153,000 دينار لكل 100 دولار.
في المقابل، ساهم تأخر الحكومة العراقية في تقديم جداول الإنفاق العام إلى البرلمان، وعجز الموازنة الواضح، في تعطيل صرف مستحقات العديد من الجهات، ولا سيما أصحاب رؤوس الأموال. هذا التأخير أدى إلى انكماش السيولة (الدينار) داخل السوق، ما زاد الضغط على الدولار وساهم في تقليص الطلب عليه.
وعلى الصعيد الإقليمي، خفّضت التغيرات السياسية
في كل من سوريا بالدرجة الاساس و لبنان من مساحة الدولار القادم من العراق في تلك الأسواق، ما شكّل عاملاً إضافيًا ساعد في استمرار الانخفاض.
إلى ذلك، أدّى إعلان الحكومة عن فرض استقطاع جمركي جديد اعتبارًا من يونيو إلى تراجع نشاط الاستيراد، في ظل مساعي التجار لتقليل التكاليف، ما انعكس بدوره على حجم الطلب على العملة الأجنبية.
رغم هذه المؤثرات، تظل الثقة المحدودة بالنظام المصرفي العراقي أحد العوامل الجوهرية التي تعيق استقرار السوق. إذ يفضّل كثير من المواطنين الاكتناز النقدي داخل المنازل، نتيجة التجارب السابقة مع تغيّر سعر الصرف خلال حكومة الكاظمي، وما نتج عنها من اهتزاز في الثقة العامة بالمؤسسات المالية.
وبناءً على هذه المعطيات، يبدو أن تراجع الدولار الحالي غير مستند إلى أسس اقتصادية متينة، بل هو انعكاس لحالة ارتباك اقتصادي وصدمات آنية، وما يدعم هذا الرأي، أن أسعار السلع المستوردة في السوق لم تتراجع رغم الانخفاض الكبير في سعر الصرف، بل شهدت ارتفاعًا غير مبرر!!، ما يشير إلى تحفظ واضح من حائزي الدولار في التفاعل الإيجابي مع هذه التغيرات.
في ضوء ذلك، فإن أي تحسّن في الإنفاق العام أو عودة السيولة إلى الأسواق قد يؤدي إلى ارتداد سريع في سعر الدولار، ما يجعل المشهد المالي الحالي أقرب إلى حالة استقرار هشّ قابل للاهتزاز، لا إلى تحوّل نقدي مستدام.