كتب: الدكتور نبيل العبيدي / خبير الدراسات الأمنية والاستراتيجية
لطالما كان السلم والأمن في العراق هاجسًا مركزيًا، يشغل بال أبناء الرافدين والعالم أجمع. فبعد عقود من الصراعات، والحروب، والاضطرابات الداخلية والخارجية، تظل قضايا تحقيق الاستقرار الدائم وتوطيد دعائم السلم الاجتماعي في صلب الأولويات الوطنية. إن فهم تعقيدات هذه المسألة يتطلب نظرة شاملة للتحديات القائمة، والفرص المتاحة، والمسؤوليات المشتركة التي تقع على عاتق جميع الأطراف.
يواجه العراق مجموعة من التحديات المعقدة التي تعيق مسيرته نحو السلم والأمن المستدامين. فقد كانت هناك تركة ثقيلة للصراعات الماضية اذ خلفت عقود من الدكتاتورية والحروب الداخلية والخارجية ندوبًا عميقة في النسيج الاجتماعي، وزرعت بذور الانقسام الطائفي والعرقي، وأضعفت مؤسسات الدولة. هذا الإرث يظهر في ضعف الثقة بين مكونات المجتمع، وتصاعد الخطاب التحريضي في بعض الأحيان.
اما التحدي الاخر فهو تحدي الإرهاب والتطرف وعلى الرغم من الهزيمة العسكرية للتنظيمات الإرهابية، لا تزال الخلايا النائمة تشكل تهديدًا أمنيًا، خاصة في المناطق المحررة. كما أن الفكر المتطرف لا يزال يجد أرضًا خصبة في بعض المناطق التي تعاني من غياب الخدمات، وضعف التعليم، وغياب فرص العمل، مما يجعلها عرضة للاستقطاب.
كما ان هناك تحدي ربما يكون اكثر ضراوة من التحديات السابقة الا وهو ضعف مؤسسات الدولة والفساد وهذا تحدي يعاني العراق من ضعف في بعض مؤسسات الدولة، مما يؤثر على قدرتها على بسط سيادة القانون وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. كما أن الفساد المستشري في مختلف مستويات الدولة يعد تحديًا كبيرًا، فهو يقوض ثقة المواطنين بالحكومة، ويعيق جهود التنمية، ويغذي حالة عدم الرضا.
اما التحدي الأخير الذي لم نجد له حل وهو التدخلات الخارجية وتأثيراتها فهذا بحد ذاته تحدي اذ ان العراق لا يزال ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية، مما يعقد المشهد الأمني ويزيد من التوترات الداخلية. هذه التدخلات قد تزيد من حدة الاستقطابات وتعيق بناء توافق وطني حقيقي.
لكن على الرغم من تلك التحديات التي واجهها العراق ولا يزال يواجهها فان آفاق واعدة نحو الاستقرار، اذ يمتلك العراق مقومات مهمة لتحقيق السلم والأمن. ومن هذه المقومات هي:
أولاً، الإرادة الشعبية نحو الاستقرار: هناك رغبة حقيقية لدى غالبية العراقيين في تجاوز الماضي والعيش في بلد مستقر ومزدهر. هذه الإرادة يمكن أن تكون دافعًا قويًا نحو التغيير الإيجابي.
ثانيًا، دور القوات الأمنية الوطنية: لقد أثبتت القوات الأمنية العراقية بجميع صنوفها قدرتها على مواجهة التحديات الكبرى، وخاصة في حربها ضد الإرهاب. تعزيز احترافية هذه القوات، وابتعادها عن التسييس، وترسيخ ولائها للدولة العراقية، هو مفتاح أساسي لتحقيق الأمن.
ثالثًا، الجهود الحكومية للإصلاح: تبذل الحكومة العراقية جهودًا لتعزيز الحوكمة، ومكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، وتعزيز المصالحة الوطنية. هذه الجهود، إذا ما استمرت وتوسعت، يمكن أن تساهم في بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وتخلق بيئة أكثر استقرارًا.
رابعًا، دور المجتمع المدني والمبادرات المحلية: تلعب منظمات المجتمع المدني والوجهاء المحليون دورًا حيويًا في تعزيز التماسك الاجتماعي، ونزع فتيل النزاعات، وبناء جسور الثقة بين المكونات المختلفة. دعم هذه المبادرات وتعزيزها يمثل عنصرًا أساسيًا في بناء السلم من القاعدة.
إن تحقيق السلم والأمن في العراق ليس مسؤولية طرف واحد، بل هو جهد مشترك يتطلب تضافر كل الجهود. على الحكومة أن تعمل بجد على تعزيز سيادة القانون، ومكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، وتوفير فرص العمل، وإنصاف جميع المواطنين دون تمييز. وعلى القوى السياسية أن تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وتتبنى خطابًا جامعًا، وتعمل على بناء توافقات وطنية حقيقية.
أما المواطن العراقي، فعليه أن يدرك دوره المحوري في حفظ السلم الأهلي، ورفض الفكر المتطرف، والتعاون مع الأجهزة الأمنية، والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمع يقوم على التسامح والتعايش. كما يجب على المجتمع الدولي أن يستمر في دعم العراق في جهوده لتحقيق الاستقرار، وتقديم المساعدة في إعادة الإعمار، وتبادل الخبرات في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.
في الختام، إن مسيرة العراق نحو السلم والأمن المستدامين قد تكون طويلة وشاقة، لكنها ليست مستحيلة. فبإرادة وطنية جامعة، وجهود مخلصة، ورؤية واضحة، يمكن للعراق أن يتجاوز تحدياته ويفتح صفحة جديدة من الاستقرار والازدهار، ليستعيد دوره الحضاري كمركز للإشعاع المعرفي والسلام في المنطقة والعالم.
بغداد اليوم – ذي قار أفاد مصدر مطلع، اليوم الثلاثاء (29 تموز 2025)، بأن أهالي قضاء الجبايش في محافظة ذي قار شيعوا ثلاثة زائرين قضوا غرقا، بينهم زائران يحملان الجنسية الإيرانية وآخر من محافظة البصرة، وذلك أثناء محاولتهم السباحة في أحد أنهار الجبايش. وأوضح