مقالات الكتاب أمس, 23:46 | --


السطحيون.. إعادة برمجة العقول والتهديد غير المرئي للأمن

كتب اللواء الدكتور سعد معن الموسوي – رئيس خلية الإعلام الأمني

في زمن تتسارع فيه أدوات التأثير، وتتبدل فيه جبهات المواجهة، لم تعد التهديدات الأمنية تنحصر في السلاح والجغرافيا، بل أصبحت العقول ساحة الحرب الأولى وخط الدفاع الأخير.

كتاب "السطحيون.. ما يفعله الإنترنت بأدمغتنا" للمفكر نيكولاس كار ليس مجرد طرح معرفي، بل تحذير عميق من عملية برمجة ناعمة تتم داخل عقول الأفراد يومياً عبر الشاشات والأجهزة، دون أن يشعروا بها.

كار يوضح أن الدماغ يتشكّل حسب ما نمارسه باستمرار، ومع هيمنة النمط الرقمي المتسارع والمجزأ، تصبح عقولنا عاجزة عن التركيز، والتأمل، والتفكير المركب، وهذا لا يشكل تحدياً معرفياً فقط، بل تهديداً أمنياً صامتاً، لأن العقل السطحي قابل للاختراق، سهل الانقياد، لا يملك أدوات التحقق، ولا القدرة على الربط بين المعلومة وسياقها.

من موقعنا كمتخصصين في علم النفس الإعلامي، ندرك أن الإعلام لم يعد ناقلاً للمعلومة فحسب، بل أصبح مكوّناً للوعي، وصانعاً للاتجاهات، وساحة للتلاعب السلوكي. وهذا ما يجعل المنصات الرقمية اليوم واحدة من أخطر أدوات التأثير الاجتماعي والسياسي حين تغيب الرقابة والوعي.

المشكلة لا تكمن في كثرة المعلومات، بل في طريقة استهلاكها؛ إذ إن التعرّض المستمر للمنشورات السريعة، والمقاطع القصيرة، والعبارات الجاهزة، يخلق نمطاً ذهنياً كسولاً يكتفي بالتفاعل الفوري، وينفر من التفكير العميق، مما يضعف الحس النقدي، ويزيد هشاشة الوعي العام.

وهنا يظهر التحدي الأمني الأهم: كيف نحمي مجتمعاتنا من هذا التآكل البطيء في القدرة على التحليل؟ كيف نبني جهاز مناعة فكري داخل كل فرد، يمنعه من الانقياد خلف العناوين الجذابة، أو الحملات الموجهة، أو الروايات المختلقة؟

نحن بحاجة إلى إدماج علم النفس الإعلامي في السياسات الأمنية، ليس من باب الثقافة، بل من باب الوقاية الوطنية؛ لأن اختراق الوعي أسهل من اختراق الحدود، وإذا فقد المواطن قدرته على التفكير المستقل، فلن تنفعه كل أدوات الحماية الخارجية.

"السطحيون" ليس كتاباً ضد التكنولوجيا، بل دعوة لفهم أثرها الحقيقي على الإنسان والدولة. ومع ذلك، فإن قراءتي للكتاب تتجاوز التحذير إلى التحليل النقدي؛ فالكاتب يسلّط الضوء على ظاهرة حقيقية، لكنه يتعامل معها بمنظور معرفي فردي، بينما الواقع يفرض علينا أن نقرأها كخطر مؤسسي جماعي أعمق بكثير.

نحن لا نواجه فقط تحولاً في سلوك الأفراد، بل نمواً لصناعة سطحية عالمية تُغذّي اللاوعي الجمعي، وتُعيد تشكيل المجتمعات وفق منطق الاستهلاك لا الوعي، ووفق سرعة المحتوى لا عمقه. وهذا ما يجب أن نواجهه، ليس فقط بالأبحاث، بل بسياسات أمنية فكرية تقطع الطريق على أي مشروع خفي يستهدف تفريغ الإنسان من إنسانيته، وتحويله إلى متلقٍ منفعل، بلا هوية ولا وعي.

أهم الاخبار

بوتين يغير موقفه من ايران وينصحها بالموافقة على شروط ترامب: صفر تخصيب لليورانيوم !

بغداد اليوم - ترجمة شهد الموقف الروسي من الملف النووي الإيراني بحسب ما نشرت صحيفة التيلغراف البريطانية اليوم السبت (12 تموز 2025)، تغيرا كبيرا، حيث أوردت الصحيفة معلومات عن قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بإبلاغ ايران بضرورة الموافقة على كافة الشروط

أمس, 23:57