محليات اليوم, 13:43 | --


نتيجة لفشل التسويق.. خسائر بعشرات ملايين الدنانير يتكبدها فلاحو كردستان

بغداد اليوم - اربيل
على الرغم من وعود الجهات الحكومية المعنية في اقليم كردستان، بدعم القطاع الزراعي وحماية المنتجات المحلية وتأمين أسواق لصرفها، يواجه المزارعون كل عام معضلة تكدس محاصيلهم من الخضراوات والفواكه نتيجة غياب أسواق التصريف ما يؤدي الى انهيار الأسعار، وتكبدهم لخسائر كبيرة بدلا من جني الأرباح.

وواوضح بشير رشيد، فلاح من قضاء عقرة التابع لمحافظة دهوك، وهو يرفع صوته محتجاً: "زرعت هذا العام 5 دونمات من الأرض بمحصول الخيار، كلفتني زراعتها ورعايتها أكثر من 10 ملايين دينار، كل يوم احاول بيعها لكنني الى الآن لم أتمكن من جمع ما صرفته، السوق متخمة بالمعروض وبدلاً من ان نربح نتكبد الخسائر ومحاصيلنا تتلف في الحقول".

وقال رشيد وهو يضرب كفيه ببعضهما، ويشير الى اكياس بلاستيكية مليئة بالخيار مكدسة في مدخل حقله: "في بعض الأحيان نبيع حمل سيارة بيك آب من الخيار بوزن 300 كيلوغرام مقابل 60 ألف دينار فقط، وهو مبلغ لا يغطي حتى أجرة نقل المحصول من الحقل للسوق، فتوقفت بعدها عن الجني والبيع".

ويضيف: "يحدث هذا كل عام مع جني محاصيلنا من الطماطم، البطاطس، البصل، الرقي، والخيار.. تنخفض أسعارها في السوق بطريقة مفاجئة، بسبب زيادة المعروض ما يحرمنا من الأرباح ويكبّدنا خسائر كبيرة، انتاجنا يتجاوز حاجة السوق المحلية والحكومة تعجز عن ايجاد اسواق خارج الاقليم".

 

اجراءات قاصرة

وتعلن حكومة إقليم كردستان منذ أكثر من عقد، أنها تدعم المزارعين من خلال منع استيراد المنتجات الأجنبية المنافسة في مواسم الجني، خصوصا من إيران وتركيا اللتين تدعمان المحاصيل الزراعية، لكن ذلك لا يكفي في ظل غياب اسواق بيع المحصول وانعدام البدائل.

وبحسب مزارعين ومهندسين زراعيين، فان محاولات حماية المنتج المحلي تفشل أيضا بسبب ضعف تطبيق الاجراءات ومع عدم ايجاد أسواق خارج الاقليم، مما يراكم الخسائر ويدفع المزيد من المزارعين سنويا للتخلي عن مهنتهم.

ويرى بشير، الذي يسكن في قرية سميلانه بناحية بجيل، وهي منطقة تشتهر بمحاصيلها المتنوعة، ان الزراعة في كردستان باتت مخاطرة حقيقية، وأن مئات الفلاحين مثله يواجهون نفس المصير من تراكم الخسائر، ويبين: "كيس الخيار يُباع بألفي دينار فقط، بينما الصندوق الصغير لا يتجاوز سعره الثلاثة آلاف، كل الجهد والمال يضيع دون أي عائد، فاي عمل هو هذا؟ إنه غير مجدٍ تماماً".

وتتكرر المشكلة ذاتها، مع محاصيل اخرى مثل الطماطم والبطاطس والبصل في فترات ذروة الجني، وهو ما يفرض السؤال الذي يتردد على لسان الكثير من المزارعين:"كيف يمكننا الاستمرار في ظل هذا الواقع؟".

حمل سيارة بـ100 الف دينار

شوكت علي، فلاح آخر من دهوك، يشكو بدوره من خسائر كبيرة، حيث زرع محصولي الرقي على مساحة 5 دونمات، لكنه لم يحقق أي ربح، يقول: "بعت الرقي والقرع بأسعار منخفضة جداً، سيارة حمل صغيرة من نوع بيك آب مليئة بالرقي نقوم ببيعها بسعر 100 إلى 150 الف دينار، نبيع أحيانا رقية واحدة بوزن 10 كيلوغرامات بألف دينار فقط، والقرع أيضا نبيع الكيلوغرام بسعر 100 الى 150 دينارا".، هذه الأسعار لا تكفي لسد المصاريف".

ويتساءل: "هل هذا هو الدعم الذي وعد بتقديمه للمزارعين، الذين باتوا في وضع مزرٍ؟ هل يقبل الله ما يحصل لنا، كل الأموال التي صرفناها وتعبنا لأشهر وفي هذا الحر ذهبت هباءً، محاصيلنا باتت بلاء علينا، لم يعد جنيها مجديا لذلك نتركها"، ووجه انتقاده للحكومة والجهات المسؤولة قائلا "ان نصمت أو نتحدث الامر واحد، لا فائدة من كل ذلك".

ويناشد مزارعون من خلال فيديوهات ينشرونها على وسائل التواصل الاجتماعي، الجهات المعنية بإيجاد حل لهم، محذرين من أن الواقع الزراعي سيتجه الى مزيد من الإنحدار وسيتم التخلي عن الأراضي الزراعية الحالية. ويكرر مزراعون من مناطق دهوك واربيل القول بان "الوضع كارثي" ولا شيء يشجع على الاستمرار في الزراعة، مشيرين الى ان "أسعار المبيدات غالية، ومخازن التبريد مكلفة، ولا معامل للتعليب".

وعلى الرغم من انهيار الأسعار بالنسبة للمنتجين، فان ذلك لا ينعكس بصورة كبيرة على أسعار ذات السلع في الأسواق، حيث تعرض بأسعار تترواح بين 500 الى 1000 دينار للكيلوغرام الواحد، ويرجع ذلك الى حلقات البيع المتعددة، إذ تضاف تكاليف مراكز بيع الخضروات والفواكه (العلوة)، وكذلك أجور النقل الى محلات البقالة، كما يتم اضافة هامش من الربح.

 

مشاكل في التبريد والتسويق

أحد أسباب انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية المنتجة محليا، تتعلق بتكدس الانتاج، وذلك يرتبط بقلة مخازن التبريد في الاقليم وارتفاع أسعار الخزن فيها، حفظ المنتجات وخزنها لفترات أطول بل تعرضها للتلف السريع.

هذا ما يؤكده أصحاب مراكز بيع الخضراوات، مشيرين الى محدودية الكميات التي يمكنهم تخزينها بسبب غلاء التكاليف وانقطاعات الكهرباء وعدم وجود دعم حقيقي لأصحاب المخازن من الحكومة، ما يمنعهم من شراء المحاصيل من الفلاحين في أوقات ذروة الانتاج.

حجي أحمد، أحد باعة الجملة في علوة دهوك، يزاول مهنته منذ 15 عاماً، يقول بان الحكومة لا توفر أي دعم فعلي للفلاحين وأصحاب العلاوي. ويشير الى جملة من المشاكل: "منتجاتنا مثل الطماطم والخيار والشمندر وغيرها لا تصل إلى مدن الجنوب والوسط، لا يتم تقديم التسهيلات للمزارعين حتى ينقلوا محاصيلهم الى هناك، رغم وجود كميات كبيرة فائضة عن حاجة السوق هنا، بينما المنتجات الإيرانية والتركية تُباع هناك وهذا يثير استغرابنا".

ويضيف: "الحكومة غير مهتمة بمشاكل الفلاح ولا بنا نحن أصحاب العلاوي. هل يعقل ان نبيع 24 كيلوغرام من الطماطة بـ3 آلاف دينار، و15 كيلوغرام من الخيار بـ1500 دينار. نحن لا نستطيع تصريف غالبيتها ولو بهامش ربح بسيط، بينما في أشهر الخريف والشتاء يرتفع سعر كيلو الطماطم وكذلك الخيار الى ما فوق الألف دينار".

ويلفت حجي احمد الى مشكلة أخرى، تتعلق بارتفاع أسعار الكهرباء المزودة لمخازن التبريد:"طلبنا مئات المرات أن يتم توفير الكهرباء لمخازن التبريد بأسعار مدعومة كجزء من القطاع الزراعي حتى نتمكن من شراء المنتجات من الفلاحين، ولكن لا أحد يقبل بهذا".

التذبذب في الأسعار مشكلة أخرى كما يقول علي كمال، الذي يعمل في علوة زاخو، مبينا ان ذلك يسبب مشاكل للمزارعين واصحاب العلاوي وحتى أصحاب المحلات الصغيرة لبيع الخضراوات والفواكه.

ويوضح: "انهارت اسعار الخيار في نهاية شهر حزيران، والكيس الذي كان يضم اكثر من عشر كيلوغرامات كان يباع بألفي دينار أو أقل، وهو ما دفع الكثير من المزارعين الى التخلي عن مزروعاتهم، بعد أيام ارتفع السعر الى ضعفين وثلاثة اضعاف بالتالي من سوقوا محصولهم في الفترة السابقة تكبدوا خسائر لا تعوض".

ويتابع: "في ذات الفترة وبينما ارتفع سعر الخيار، هبطت اسعار محصولي الطماطة والبطاطا ومحاصيل أخرى الى حد كبير، وبيع صندوق الطماطة بألفي دينار.. هذا التذبذب في السوق مشكلة كبيرة وتكبد معظم المزارعين خسائر، فانت وكأنك تقامر في ظل غياب خطة تسويق دقيقة.. انت وحظك مع حجم المعروض".

 

الروزنامة الزراعية والتطبيق

مع بداية كل موسم زراعي، تعلن وزارتا الزراعة في الحكومتين المركزية وفي إقليم كردستان عن "روزنامة زراعية" تهدف إلى تنسيق عملية استيراد المنتجات بالنحو الذي يدعم الإنتاج المحلي ويساهم في حماية الفلاحين.

كريم سليمان، وكيل وزارة الزراعة في حكومة إقليم كرستان، يقول:"كل عام يتم إعداد الروزنامة الزراعية بالاتفاق مع الحكومة الاتحادية، وأي محصول محلي ينتج في العراق من الفاو في جنوبي البصرة الى شمالي اقليم كردستان يخضع لتلك الروزنامة، ويتم بموجبها منع دخول المحاصيل من ايران وتركيا في فترات جني وتسويق المحصول المحلي، وذلك لضمان بيع المنتجات المحلية بأسعار مناسبة".

إلا أن العديد من الفلاحين يرون أن هذه الإجراءات، تبقى مجرد حبر على ورق، او تواجه تجاوزات متكررة، ولا تطبق بفاعلية على الأرض، ويتم أحيانا الاستيراد بنحو غير قانوني، وأحيانا تعطل نقل عمليات المنتوجات الزراعية من مناطق اقليم كردستان الى وسط وجنوب البلاد.

وينبه فلاحون من اقيم كردستان، ان عملية النقل بين المحافظات تتطلب وحدات تنسيق فعالة هي غير موجودة في واقع الحال، وان ما يحدث هو تسويق بجهود فردية، كما ان التسويق لمحافظات بعيدة يتسبب بتكبد كلف اضافية دون ان يكون هنالك ضمانات للبيع .

مشكلة تكدس المحاصيل في مواسم ذروة الانتاج وبالتالي تكبد الفلاحين خسائر كبيرة، تحصل في مناطق وسط وجنوبي العراق كذلك، حيث عانى الفلاحون في شهر حزيران 2025 من عدم تمكنهم من تصريف وبيع الرقي (البطيخ الأحمر) الذي انخفضت اسعاره بنحو كبير الأمر الذي منعهم من تغطية حتى تكاليف الانتاج كما يقول مزارعون.

ذلك الواقع دفع مزارعين في سامراء الى نشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يقومون باتلاف المحصول برميه من سيارات حمل صغيرة، في رسالة احتجاج او استغاثة للجهات المعنية لإنقاذهم من خسائر لا يمكن تعويضها.

 

ما هي الحلول؟

يرجع مهندسون زراعيون، خسائر المزارعين المتكررة الى مشاكل التسويق المرادفة لكثرة الانتاج وتجاوزه للحاجة المحلية، الى عشوائية خطط الانتاج الزراعي وعدم وجود برامج حكومية تضبط انتاج كل محصول في عموم العراق بما يتوافق مع حاجات السوق في الأوقات المختلفة.

يقول فاضل مصطفى، المهندس الزراعي، ومدير دائرة زراعة عقرة، ان "الزراعة فن وليست تقليداً، أو مجرد حرث وزرع ومن ثم حصاد للمنتوح، في عقرة لدينا 2000 بيت بلاستيكي كلها تُزرع بالخيار فتنتج أكثر من 20 ألف طن سنويا، وهذه كمية كبيرة لا تستوعبها السوق المحلية فتنهار الأسعار، وبدون شك هذا خطأ".

ويضيف: "من الأفضل تحويل 500 بيت بلاستيكي الى انتاج الطماطم، و100 بيت لزراعة البامية، أو أي نوع آخر من المحاصيل قليلة الانتاج، بمعنى ان يكون الانتاج محدودا ومتنوعاً، ولهذا يجب على حكومة إقليم كردستان ومن خلال لجانها الخاصة ان تحدد المناطق والأماكن التي يجب زراعتها بكل محصول وكميات الانتاج".

ويرى مصطفى، أن حل هذه المشكلة يتطلب إعادة تنظيم ما يتم زراعته "لا يمكن ان تتم الزراعة بنحو عشوائي ودون تخطيط دقيق للأنواع المنتجة والمساحات المخصصة". ويضيف على ذلك ضرورة "زيادة عدد مخازن التبريد في كل منطقة زراعية لاستيعاب المنتوج لفترات أطول، فضلا عن إنشاء مصانع مختلفة لإنتاج معجون الطماطم وعصير العنب والتفاح والخوخ وعشرات المنتجات الاخرى، وبذلك يحقق المزارعون الأرباح التي يتطلعون اليها بدل تكبد الخسائر سنويا".

ويعود مدير دائرة زراعة عقرة، لتأكيد أهمية منع استيراد المحاصيل من خارج البلاد في فترات نضوج المحاصيل المحلية: "إذا اغلقت الحدود امام المحاصيل المستورة في جميع أنحاء العراق فلن يتضرر أي مزارع. في جنوب ووسط البلاد تنضج الطماطة وغيرها من المنتجات مبكراً ويمكن حينها تسويقها الى اقليم كردستان، فيما تنضج تلك المحاصيل في وقت متأخر باقليم كردستان وحينها يمكن ارسالها الى باقي المدن العراقية".

المصدر: شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية

أهم الاخبار

ديالى تحيي ذكرى عاشوراء.. 72 ساعة من الاستنفار الأمني في المزارات

بغداد اليوم – ديالى دخلت المزارات الشيعية في محافظة ديالى مرحلة الذروة الأمنية مع اقتراب يوم عاشوراء، وسط أجواء روحانية تتعالى فيها المواكب وتزدحم الطرق. وأعلنت هيئة المزارات الشيعية في المحافظة، اليوم السبت (5 تموز 2025)، بدء تنفيذ خطة أمنية مشددة

اليوم, 18:10