بغداد اليوم - بغداد
تبدو المنطقة اليوم أمام أكثر السيناريوهات خطورة منذ سنوات، مع تزايد المؤشرات على احتمال اندلاع مواجهة عسكرية شاملة بين الولايات المتحدة وإيران، تتداخل فيها أدوار قوى إقليمية ودولية.
فالتحركات الدبلوماسية المكثفة، والتصريحات الحادة من قادة الحزب الجمهوري في واشنطن، والتسريبات حول نية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توجيه ضربة "حاسمة" إلى المنشآت النووية الإيرانية، أعادت رسم خطوط النار في خريطة الشرق الأوسط.
في المقابل، توحي مواقف طهران بالصمود والتحدي، لكن نبرة التهديد تتصاعد من كل الجهات، وسط غياب أي مؤشرات فعلية على تراجع الطرفين. والمقلق أكثر أن هذه الحرب – إذا اندلعت – لن تبقى محدودة، بل قد تتوسع لتشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن، ما يعني أن المنطقة تقف أمام مفترق طرق خطير، قد يغيّر شكلها السياسي لعقود.
ترامب والمهلة الحاسمة: خطاب لا يعرف التراجع
في قلب التصعيد الأمريكي، برزت تصريحات لافتة لعضو الحزب الجمهوري ورئيس التحالف الأمريكي الشرق أوسطي، توم حرب، الذي أكد في حديث خاص لـ"بغداد اليوم" من واشنطن، أن الرئيس دونالد ترامب لن يتهاون مع إيران، وأن المهلة المتبقية أمام طهران للتجاوب مع المطالب الأمريكية باتت محسوبة بالساعات.
وقال حرب إن "النظام الإيراني يجب أن يفهم أن المفاوضات مع ترامب ليست مفتوحة، بل لها حدود زمنية صارمة"، مضيفًا أن "الحديث عن تعليق التخصيب أو مقترحات جزئية لم يعد مقبولًا، لأن الإدارة الحالية – بقيادة ترامب ووزير الخارجية ماركوروف ومبعوثه الخاص ستيف وتكوف – ترفض السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم حتى لأغراض سلمية".
واستعرض حرب موقف الحزب الجمهوري بالقول: "الرئيس ترامب منذ العام 2015 يرفض أي صيغة تمنح إيران وقتًا إضافيًا، وقد تعهد في حملته الانتخابية الحالية بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، لا بعد سنين ولا عقود".
وأشار إلى أن المهلة الإيرانية تنتهي "نهار الأحد المقبل"، وفي حال عدم وجود تجاوب واضح، فإن "الضربة العسكرية قادمة"، على حد تعبيره.
وأضاف أن "الضربة لن تستهدف النظام الإيراني لإسقاطه بشكل مباشر، لكن نتائجها ستكون قاسية، وستفتح الباب أمام قوى المعارضة داخل النظام وخارجه، وستضعف النفوذ الإيراني في دول مثل العراق ولبنان واليمن".
وفي تصعيد لافت، حذر حرب من أن المماطلة الإيرانية مع ترامب "أمر خطير"، مشبهًا الموقف بمصير نظام صدام حسين: "النظام الإيراني يجب أن يتذكّر أن صدام كان يعتقد أنه أقوى من الولايات المتحدة، وانتهى كما رأى الجميع". وأكد أن "التهديد الأمريكي جدي، واللعب مع ترامب لا يشبه أي مرحلة سابقة".
من سوريا إلى العراق... خريطة الاشتباك الإقليمي تتّسع
في حال تنفيذ الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران، لن تبقى المعركة محصورة بين واشنطن وطهران، بل يتوقع أن تنفتح جبهات متعددة في المنطقة، تبدأ من العراق وسوريا، ولا تنتهي عند لبنان واليمن.
ويكشف توم حرب في حديثه أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد "يسمح للطائرات الإسرائيلية باستخدام الأجواء السورية لعبور الهجمات نحو الداخل الإيراني"، وهو تطور غير مسبوق في الموقف السوري، ويعكس – بحسب حرب – "مستوى الحصار الجيوسياسي الذي تعاني منه طهران، حتى من حلفاء تقليديين".
كما أشار إلى أن إيران "محاصرة بـ360 درجة"، موضحًا أن واشنطن تمتلك قواعد في البحرين والخليج والعراق، إضافة إلى تفاهمات أمنية مع عدد من الدول، تجعل خيارات إيران في الرد محدودة ومعرّضة للخسائر.
أما في العراق، فإن الحرب – وفق قراءة حرب – لن تمر دون تداعيات، لكنه استبعد انسحابًا أمريكيًا كاملًا، مؤكدًا أن الشركات الأمريكية "ما زالت تعمل، ولم ينسحب أي موظف من السفارة أو الشركات حتى الآن".
وأضاف أن "معظم موظفي الشركات الأمريكية في العراق هم من العراقيين، وبالتالي فإن استمرار النشاط الاقتصادي الأمريكي داخل العراق مرتبط باستقرار الوضع، وهناك اتفاقات تمنع الخروج السريع"، مشددًا على أن "زعزعة الوجود الأمريكي في العراق أمر غير وارد في المدى القريب، رغم تصاعد التهديدات".
في الوقت ذاته، تتخوف أوساط سياسية عراقية من أن يكون العراق أول ساحة رد إيرانية في حال تنفيذ الضربة الأمريكية، خصوصًا مع وجود قواعد عسكرية أمريكية وفصائل مسلحة على طرفي المعادلة، ما يجعل البلاد في عين العاصفة من دون أن تكون طرفًا مباشرًا فيها.
إيران والرد المحسوب: بين تهديد الردع وحسابات البقاء
على الجانب الآخر، تتابع طهران التصعيد الأمريكي بلهجة عالية لكنها محسوبة. فرغم التهديدات العلنية التي أطلقها وزير الدفاع الإيراني باستهداف كل القواعد الأمريكية في المنطقة، لا تزال إيران تسير ضمن مسارين متوازيين: التلويح بالقوة، والإبقاء على قنوات التفاوض قائمة عبر وسطاء إقليميين ودوليين.
الاستراتيجية الإيرانية حتى الآن تركز على مبدأ الردع الشامل، دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة ما لم تُفرض عليها، وهو ما تُترجمه تصريحات رسمية متكررة بأن أي ضربة إسرائيلية أو أمريكية ستقابل برد غير محدود، يشمل قواعد وقوات ومصالح في الخليج والعراق وسوريا، وحتى البحر المتوسط.
إلا أن الموقف الإيراني معقّد داخليًا أيضًا. فالنظام يواجه ضغوطًا اقتصادية غير مسبوقة، وانقسامات داخلية بين تيارات متشددة وإصلاحية، بالإضافة إلى تزايد أصوات المعارضة، خصوصًا بعد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
ووفقًا لتحليلات غربية، فإن إيران تدرك أن أي رد غير محسوب قد يُستخدم كمبرر دولي واسع لضربها عسكريًا، أو لإحالتها مجددًا إلى مجلس الأمن مع دعم دولي شبه كامل، وهو ما يجعلها تتحرك ضمن معادلة "التصعيد دون الانفجار".
لكن في حال تنفيذ الضربة الأمريكية بالفعل، فإن خيارات طهران في الرد قد تتضمن استخدام حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم "حزب الله" في لبنان، و"أنصار الله" في اليمن، بالإضافة إلى فصائل مسلحة في العراق وسوريا، ما يعني أن المواجهة قد تأخذ طابعًا غير مباشر أولًا، ثم تتوسع لاحقًا إذا لم يتم احتواؤها.
الاحتمال الأخطر
ما بين المهلة التي حددها الحزب الجمهوري، وتهديدات إيران المتصاعدة، ومواقف الدول الحليفة التي بدأت تتضح تدريجيًا، يتشكل مشهد متوتر يقترب من الانفجار، حتى وإن بدا مؤجلاً أو مشروطًا بسقف تفاوضي محدد.
الضربة الأمريكية – إن حدثت – لن تكون محدودة في أثرها، حتى لو كانت موضعية في التنفيذ. لأن الرد الإيراني، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائه، سيفتح أكثر من جبهة، ويضع المنطقة في مواجهة مفتوحة تتداخل فيها العسكرة بالسياسة، والردع بالتغيير المحتمل في موازين النفوذ.
في هذا السياق، يُنظر إلى العراق باعتباره أحد أبرز الساحات التي ستتأثر بالضربة، إن لم يكن منطلقًا لبعض ملامح الرد الإيراني، في ظل وجود قواعد أمريكية وفصائل مسلحة على حد سواء، وصراع نفوذ لا يزال مستمرًا بين الطرفين داخل المشهد العراقي.
من جهة أخرى، فإن دولًا مثل لبنان واليمن وسوريا ستكون في قلب الاشتباك، بدرجات متفاوتة، مع احتمالية أن تُستغل الأزمة لإعادة رسم التحالفات الإقليمية أو فرض واقع جديد على الأرض، سياسياً وعسكرياً.
ورغم أن كل طرف يدرك كلفة الحرب، إلا أن التقديرات تشير إلى أن "حسابات المخاطرة" قد تكون أقوى من حسابات التهدئة، خصوصًا مع وجود ترامب في البيت الأبيض، وخطابه المتشدد تجاه إيران، وإصراره على تغيير قواعد اللعبة دون العودة إلى الاتفاقيات السابقة.
النتيجة أن المنطقة اليوم تقف أمام مفترق حقيقي: إما تراجع محدود في اللحظة الأخيرة يُعيد الجميع إلى طاولة التفاوض، أو تصعيد عسكري يقلب المعادلة ويعيد خلط الأوراق إقليميًا ودوليًا.
وحتى ذلك الحين، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الشرق الأوسط يعيش لحظة ترقب مفتوحة على كل الاحتمالات... وأقربها الانفجار.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - متابعة أكد المرشد الإيراني علي خامنئي، في رسالة متلفزة وجهها مساء اليوم الجمعة (13 حزيران 2025)، إلى أبناء الشعب الإيراني، أن القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية سترد بحزم على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، مشدداً على أن كيان