بغداد اليوم - بغداد
كشفت وسائل إعلام أمريكية، بينها موقع بوليتيكو ووكالة أسوشيتد برس، يوم الخميس (12 حزيران 2025)، أن واشنطن قررت تنفيذ خطة جزئية لإخلاء موظفين غير أساسيين من سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل، إضافة إلى السماح بمغادرة عائلات العسكريين من عدة قواعد في الشرق الأوسط، تحسبًا لمخاطر أمنية متوقعة.
هذه الإجراءات تأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر الإقليمي بين إيران والولايات المتحدة، على خلفية البرنامج النووي الإيراني، وتحركات دبلوماسية وعسكرية متبادلة. ومع أن الحكومة العراقية تؤكد أن الأوضاع الأمنية تحت السيطرة، فإن التوقيت المتزامن مع تحذيرات إيرانية وتصعيد في الخطاب الرسمي، يطرح تساؤلات جدية حول خلفيات القرار الأمريكي، وما إذا كان مقدّمة لإعادة رسم الحضور الأمريكي في العراق والمنطقة.
الإنذار الأميركي يتوسع: من البحرين إلى بغداد
بدأت المؤشرات الأولى للتقليص الأمريكي عبر قرار صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية يقضي بالسماح بمغادرة الموظفين غير الأساسيين وأفراد عائلاتهم من سفارات الولايات المتحدة في البحرين والكويت. وفي وقت لاحق، كشف موقع بوليتيكو أن هذا التوجه يشمل أيضًا البعثات الأمريكية في بغداد وأربيل، حيث أُبلغ معظم الدبلوماسيين بالاستعداد لمغادرة وشيكة.
وبحسب مسؤولين أمريكيين تحدّثوا لـ"بوليتيكو" و"أسوشييتد برس"، فإن القرار لا يستند إلى خطر مباشر محدد، بل إلى تقييمات أمنية عامة تشير إلى احتمالات تصعيد محتمل على مستوى المنطقة. وقد أشار مصدر دفاعي أمريكي إلى أن وزير الدفاع بيت هيغسيث وافق على مغادرة طوعية لعائلات العسكريين المنتشرين في الشرق الأوسط، ما يعكس اتساع نطاق التحذير ليشمل الجانب العسكري وليس فقط الدبلوماسي.
تشير هذه الخطوات إلى تحوّل احترازي واسع في طريقة تموضع الولايات المتحدة بالمنطقة، وتكشف عن تقديرات استراتيجية تُرجّح احتمالية التصعيد، ولو بشكل غير معلن، في ظل تشابك ملفات عديدة أبرزها النووي الإيراني، وأمن إسرائيل، ونشاط الفصائل المسلحة القريبة من طهران.
إيران تحذّر... وردود محسوبة على الأرض
في مقابل الخطوات الأمريكية، أطلقت طهران سلسلة من التصريحات التحذيرية، أكدت خلالها أن أي تصعيد ضدها سيُقابل بإجراءات حاسمة. الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، اتهم بشكل مباشر الدول الغربية بالسعي إلى تفكيك قدرات بلاده الدفاعية بهدف تسهيل الضربات الإسرائيلية دون رد، مؤكداً أن البرنامج الصاروخي الإيراني "خط أحمر" لا يخضع لأي تفاوض.
وفي تصريحات أخرى من محافظة إيلام، قال بزشكيان إن الولايات المتحدة تسعى إلى حرمان إيران من حقها المشروع في الدفاع عن نفسها، متسائلًا عن سبب منع بلاده من تطوير قدراتها في حين تواصل إسرائيل التهديد بالقصف، دون رادع. وأضاف أن الصواريخ الإيرانية كانت عنصرًا حاسمًا في الحرب مع العراق، وأن التخلي عنها اليوم سيعني التخلي عن أدوات الردع الفعالة.
التحذيرات لم تتوقف عند الرئاسة، بل توسّعت لتشمل المؤسسة العسكرية. وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصيرزاده، أكد أن أي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة "ستشمل استهداف القواعد الأمريكية في كل أنحاء المنطقة"، مشددًا على أن إيران لن تتردد في الرد إذا فُرضت عليها الحرب. وأضاف أن جميع القواعد الأمريكية، بما فيها تلك الموجودة في دول حليفة، ستكون في مرمى الاستهداف، وأن رفض طهران التفاوض على ملفها الدفاعي "أمر محسوم لا يخضع للنقاش".
أما على مستوى الخطاب الدبلوماسي، فقد أصدرت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بيانًا رفضت فيه التهديد باستخدام "القوة الساحقة"، مشيرة إلى أن مثل هذه التصريحات لن تغيّر من الواقع، وأن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد للتعامل مع الملف النووي. وأكد البيان أن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، لكنها ترفض التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، وتعتبرها سببًا رئيسيًا في عدم الاستقرار الإقليمي.
تشير هذه المواقف إلى أن إيران تتحرك بخطاب مزدوج يجمع بين التصعيد السياسي والتهديد العسكري، وفي الوقت ذاته، تحاول التمسك بغطاء دبلوماسي يضع مسؤولية التوتر على عاتق الغرب. هذا التوازن يعكس استراتيجية إيرانية حذرة، تعتمد على الردع دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، مع ترك الباب مفتوحًا أمام المفاوضات إذا تراجعت الضغوط.
الموقف العراقي... طمأنة رسمية رغم الحذر الأمريكي
في مواجهة التحركات الأمريكية، صدر موقف رسمي من الحكومة العراقية يخفف من حدة المخاوف، ويؤكد أن الوضع الأمني في البلاد مستقر ولا يستدعي اتخاذ إجراءات إخلاء. مصدر حكومي رفيع أوضح لـ"بغداد اليوم" أن قرار واشنطن بتقليص وجودها الدبلوماسي لا يخص العراق فقط، بل يشمل عددًا من سفاراتها في الشرق الأوسط ضمن تقييمات أمنية داخلية. وأضاف أن الحكومة العراقية "لم تسجل أي مؤشر أمني يبرر هذا النوع من الإجراء".
المصدر نفسه شدد على أن "كل المؤشرات والإيجازات الأمنية في العراق تدل على تصاعد مستوى الاستقرار واستتباب الأمن الداخلي"، لافتًا إلى أن "جميع البعثات الدبلوماسية، العربية والأجنبية، تعمل بحرية كاملة وتتمتع ببيئة آمنة وفاعلة". وبالرغم من ذلك، لم يصدر أي نفي رسمي من السفارة الأمريكية في بغداد بشأن خطط الإخلاء، ما يعزز الانطباع بأن الإجراء يُدار بهدوء وضمن ترتيبات داخلية أمريكية.
في المقابل، كشفت قناة "الميادين" عن تفاصيل إضافية حول توقيت القرار الأمريكي، حيث أكدت أن الإشعار الرسمي بالإخلاء وصل إلى السفارة يوم الأربعاء (11 حزيران 2025)، بينما كانت خطة الطوارئ معدّة مسبقًا منذ ثلاثة أسابيع. وأشارت المصادر إلى أن عملية الإجلاء لم تبدأ بعد، لكنها مرشحة للانطلاق خلال الساعات أو الأيام المقبلة، مع الإبقاء على الطواقم الأساسية وفي مقدمتهم القائم بالأعمال.
رغم محاولات التهدئة من الجانب العراقي، فإن التصرف الأمريكي يعكس تقييماً مختلفًا للمخاطر، ويكشف عن فجوة في قراءة الواقع الأمني بين بغداد وواشنطن. إذ ترى الولايات المتحدة أن أي تصعيد إقليمي قد يمتد إلى الأراضي العراقية بحكم التداخل بين نفوذ الفصائل المسلحة المقرّبة من طهران والمواقع الأمريكية المنتشرة في العراق، سواء في السفارات أو القواعد العسكرية.
بين الانسحاب التكتيكي وإعادة التموضع
الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة حاليًا لا تشير إلى انسحاب شامل من العراق، لكنها تعكس تحولًا واضحًا في قواعد التمركز والجاهزية، في ظل بيئة إقليمية متوترة. السماح بمغادرة الموظفين غير الأساسيين، وسحب عائلات العسكريين من قواعد عدة، كلها تدابير احترازية تهدف إلى تقليل المخاطر على الرعايا الأمريكيين دون التخلي عن الحضور الدبلوماسي أو العسكري بالكامل.
في المقابل، تصر طهران على تأكيد معادلة الردع، وتحذر من أن أي تصعيد سيقابل بإجراءات واسعة النطاق. الخطاب الإيراني، رغم تماسكه، يكشف عن قلق ضمني من احتمالات التصعيد غير المنضبط، وهو ما يدفعها لتوظيف التهديد العسكري كوسيلة ضغط على واشنطن وحلفائها.
الموقف العراقي يقف في منطقة وسطى. فبينما تحرص الحكومة على طمأنة الداخل والمجتمع الدولي بشأن الاستقرار الأمني، لا يمكنها إنكار أن العراق لا يزال ساحة محتملة لأي مواجهة غير مباشرة بين واشنطن وطهران. وجود فصائل مسلحة مدعومة من إيران، وارتباط بعض التحركات على الأرض بالمواقف الإقليمية، يضع العراق في موقع هش أمام أي تصعيد مفاجئ.
الأهم أن هذه التطورات تفتح الباب أمام تساؤلات أكبر: هل ما يجري هو إعادة تموضع مؤقت لإدارة أزمة عابرة، أم خطوة أولى في سياق استراتيجي جديد تعيد فيه واشنطن النظر في حجم وطبيعة وجودها بالعراق؟ وهل يملك العراق هامش مناورة حقيقي للحفاظ على استقراره في ظل هذا التوتر الإقليمي، أم سيُفرض عليه مجددًا واقع التوازن القلق بين طهران وواشنطن؟
الإجابات ستتضح مع تطورات الأيام المقبلة، لكن المؤكد أن قرار الإخلاء الجزئي، وإن بدا محدودًا في الظاهر، يعكس مستوى غير مسبوق من الحذر الأمريكي، ويعيد العراق إلى مركز دائرة الخطر الإقليمي المتسارع.
المصدر: وكالات
بغداد اليوم - بغداد سجلت أسعار النفط العراقي، اليوم الجمعة (13 حزيران 2025)، ارتفاعاً خلال التعاملات اليومية في السوق العالمية. وبحسب بيانات اطلعت عليها "بغداد اليوم"، فقد سجل خام البصرة المتوسط 68.44 دولاراً للبرميل، بينما سجل الثقيل 65.64