بغداد اليوم - كردستان
في خضم أزمة الرواتب المتجددة بين بغداد وأربيل، برزت تصريحات لافتة تؤكد أن إقليم كردستان بات في موقع لا يُحسد عليه، بعد أن استنزف ما بحوزته من أوراق ضغط في مواجهة الحكومة الاتحادية. ورغم محاولات قيادات كردية التلويح بعلاقات دولية وأوراق سياسية واقتصادية، إلا أن مراقبين يرون أن الإقليم اليوم لا يملك سوى خيار التهدئة والدخول في مفاوضات حقيقية، في ظل تراجع فاعلية الضغط الخارجي، وتزايد الأزمات الداخلية.
باحث سياسي: لا أوراق فعّالة بيد الإقليم
وقال الباحث في الشأن السياسي رعد عرفة، في تصريح خاص لـ"بغداد اليوم"، إن "إقليم كردستان لا يملك المزيد من أوراق الضغط التي تحدثت عنها القيادات الكردية مؤخرًا"، داعيًا حكومة الإقليم إلى "التهدئة وبدء مرحلة تفاوض جادة وحوار مسؤول مع الحكومة الاتحادية لإنهاء الخلافات المتكررة حول ملف الرواتب".
وأشار عرفة إلى أن "المراهنة على أدوات الضغط السابقة، كالنفط، والحدود، والدعم الأمريكي، لم تعد ذات جدوى في ظل الوقائع السياسية والمالية الجديدة داخل العراق والمنطقة".
رهان على الخارج بلا مردود مباشر
وبيّن عرفة أن "الإقليم ما يزال يعوّل على المجتمع الدولي، وخاصة علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية"، مستدلًا على ذلك بالرسالة التي وجّهها مجلس وزراء الإقليم إلى الشركاء الدوليين.
لكن هذا الرهان – كما يوضح الباحث – لا يعوّض الحاجة لحل داخلي مستند إلى اتفاق سياسي وقانوني مع بغداد، لا سيما في ظل الضغوط الشعبية والمالية التي تعاني منها محافظات الإقليم، وفي مقدمتها السليمانية.
خلافات داخلية تُضعف الموقف الكردي
وبينما تُحاول حكومة الإقليم تصوير الأزمة كصراع مع بغداد على الحقوق الدستورية، إلا أن انقسام البيت الكردي ذاته – خصوصًا بين الحزبين الحاكمين (الديمقراطي والاتحاد الوطني) – جعل من موقف أربيل ضعيفًا وغير موحد.
وهو ما يجعل حديث ممثل حكومة الإقليم في بغداد، فارس عيسى، عن امتلاك وسائل ضغط "لا يعكس الواقع فعليًا"، بحسب مراقبين يرون أن الانقسامات الداخلية تؤدي إلى تقويض أي جهد تفاوضي مشترك مع الحكومة الاتحادية.
هل تنقلب المعادلة؟
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن ما كان يُعدّ سابقًا أوراق ضغط كردية، بات اليوم عبئًا على حكومة الإقليم، خصوصًا مع فشل تمرير قوانين مالية خاصة، وتراجع عوائد النفط، وتعطّل بعض الملفات المشتركة في مجلس الوزراء الاتحادي.
وبينما تبدي بغداد صلابة في التعامل مع الأزمة تحت شعار "المساواة بين المحافظات"، يُتوقع أن تزداد الضغوط على الإقليم من الداخل، إذا لم تتجه القيادة الكردية إلى مسار تفاوضي واقعي بعيدًا عن الخطابات التعبوية.
وفي لعبة الضغط والضغط المقابل، يبدو أن الإقليم استنفد أدواته دون تحقيق اختراق حقيقي في ملف الرواتب، لتبقى الحقيقة الوحيدة أن لا حل إلا بالحوار. وبينما تراقب واشنطن بصمت، والشارع الكردي يزداد غليانًا، فإن الزمن لا يعمل لصالح من يراهن على الخارج دون ترتيب الداخل.