بغداد اليوم - الخرطوم
من حين لآخر، ترصد تقارير معاناة الشعب السوداني المستمرة، جرّاء الحرب الدائرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، منذ منتصف إبريل 2023.
وقدّرت تقارير أممية وإعلامية خسائر الحرب الاقتصادية الكلية بنحو 200 مليار دولار أمريكي، والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى، مع دمار لنحو 60 في المائة من البنية التحتية للدولة، مع تشريد نحو ثلث السكان بين نازح ولاجئ، فيما تحدثت تقارير، عن إزهاق أرواح 60 ألفاً وعدد غير محصى من الجنود في الطرفين، وإصابة وإعاقة مئات الآلاف.
وتسببت الحرب في تدمير البنى الاقتصادية والتحتية للدولة، فيما أصبح نحو نصف السكان تحت خط الفقر، فيما يهدد الجوع نحو 20 مليون شخص، وفقاً للأمم المتحدة، ونزوح ولجوء نحو 14 مليون مواطن داخلياً وإلى دول الجوار.
وأحدث استمرار الحرب دماراً هائلاً على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ما أدى لفقدان السودان نحو 25 المائة من رصيده الرأسمالي، حسب المستشار الاقتصادي السوداني عبد العظيم الأموي.
وأكد في تصريح بعد مرور عامين على الحرب، " أن مؤشرات الاقتصاد الكلي تدهورت، وبلغ الانكماش 37.5، بينما ارتفع العجز المالي إلى مستويات قياسية بلغت 9.1 % من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفع معدل التضخم إلى 245 % في العام الأول بعد الحرب"، مشيرا إلى أن "تركيبة الاقتصاد السوداني تعتمد على قطاع الخدمات بنسبة 46.3 في المائة، وعلى القطاع الزراعي 32.7 %، والقطاع الصناعي بنسبة 21 % من حجم الاقتصاد."
وخلص إلى أن "استمرار الحرب أدى لتدهور اقتصادي أفقد السلطة 85 % من إجمالي الإيرادات، وتحول الاقتصاد إلى اقتصاد حرب بامتياز، وتمدد اقتصاد الظل غير المنظم في عدد كبير من ولايات السودان."
انتهاكات جسمية
ومع الأزمة التي يعيشها السودان، وتضرر منها بشكل مباشر الشعب، وثقت تقارير محلية، وحقوقية انتهاكات فظيعة بحق المدنيين، في مناطق عدة، من طرف الجيش والقوات المتحالفة معه.
أواخر شه فبراير من العام الجاري، اتّهمت "هيومن رايتس ووتش" قوة متحالفة مع الجيش السوداني بشن هجوم على قرية وسط البلاد أودى بحياة 26 شخصا على الأقل.
وقالت إن "قوات درع السودان" "تعمّدت استهداف المدنيين في هجوم يوم 10 يناير/كانون الثاني 2025" على قرية كمبو طيبة في ولاية الجزيرة حيث تصاعدت حدة المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الأسابيع الأخيرة، مشيرة إلى أن الهجوم أسفر عن مقتل 26 مدنيا، بينهم طفل، وتم خلاله نهب ممتلكات، بما في ذلك إمدادات غذائية، وإحراق منازل.
وشددت على أن هذه الأفعال تشكل جرائم حرب، وبعضها، مثل قتل المدنيين عمدا، قد يشكّل أيضا جرائم محتملة ضد الإنسانية.
في غضون ذلك، وثق "المرصد الوطني لحقوق الإنسان" في السودان مقتل وتعذيب أكثر من 440 مدنيًا من سكان مدينة الدندر، من قبل طرف الجيش السوداني، بمن فيهم أسر كاملة بدوافع جهوية وقبلية، خلال شهر أكتوبر الماضي.
وأوضح في بيان، أن الانتهاكات تأتي بعد دخول الجيش السوداني إلى مدينة الدندر في الأيام الماضية، واستردادها من قوات الدعم السريع، لافتا إلى أن "الانتهاكات طالت جميع الفئات، خاصة الشباب بزعم انتمائهم لقوات الدعم السريع، وأن التقارير الأولية تشير إلى أن هناك مئات المدنيين يتعرضون الآن لانتهاكات فظيعة".
وبالتزامن مع ذلك، أكّدت تقارير أن قوات الجيش، مدعومة بكتائب الحركة الإسلامية، نفذت حملة اعتقالات وتصفية استهدفت مدنيين أبرياء على أساس العرق والانتماء القبلي، أسفرت عن مقتل المئات، جميعهم من أبناء قبائل غرب السودان؛ بدعوى تعاونهم مع قوات الدعم السريع في أثناء سيطرتها على المدينة.
ولفتت إلى أن المجزرة شملت 72 أسرة، جميع أفرادها مدنيون لا علاقة لهم بالصراع، كما تم قتل بعض أصحاب المطاعم وبائعات الشاي بسبب تقديمهم الطعام أو الخدمات لقوات الدعم السريع خلال فترة سيطرتها على المدينة.
وبعد دخول الحرب في عامها الثالث منتصف إبريل المنصرم، أكد فريق الخبراء المعني بالسوداني، والتابع لمجلس الأمن الدولي، في تقرير أحاله إلى مجلس الأمن، تنفيذ الجيش غارات جوية، راح ضحيتها مئات المدنيين، بدارفور.
وأوضح أنه تحقق من 140 غارة خلال 11 شهرا، أصابت 20 منطقة حضرية، في مختلف أنحاء دارفور، مشيرا إلى أنها أصابت المدنيين والمنازل، والمناطق المكتظة بالسكان، ومخيمات النازحين داخليا، والبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات، والأسواق المزدحمة.
وخلص إلى أن ذلك أدى إلى مقتل وإصابة عدة مئات من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، وسط محدودية مرافق الرعاية الصحية، كما أعاقت قدرة المدنيين، على القيام بأنشطتهم اليومية.
وبعد وصول الجيش إلى الخرطوم أواخر شهر أذار/ مارس الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن إعدامات جماعية في الخرطوم، نفدها الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، بحق مدنيين عزل.
وأعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك عن فزعه إزاء التقارير التي تفيد بوقوع عمليات قتل خارج إطار القانون، على نطاق واسع، ضد المدنيين في الخرطوم، مشيرا إلى أن مفوضية حقوق الإنسان راجعت العديد من مقاطع الفيديو المروعة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ 26 آذار/مارس، يبدو أن جميعها قد صُوّرت في جنوب وشرق الخرطوم.
وأظهرت مقاطع فيديو ، رجالا مسلحين – بعضهم يرتدي الزي العسكري وآخرون بملابس مدنية – ينفذون إعدامات بدم بارد ضد مدنيين، غالبا في أماكن عامة. "في بعض المقاطع، صرّح الجناة بأنهم يعاقبون مؤيدي قوات الدعم السريع".
ونسبت التقارير الأممية، عمليات القتل إلى القوات المسلحة السودانية وأفراد من الأجهزة الأمنية التابعة للدولة، بالإضافة إلى ميليشيات ومقاتلين مرتبطين بالقوات المسلحة السودانية.
تهديد وجودي لمستقبل السودان وشعبه
إن استمرار الحرب الأهلية في السودان يُنذر بكارثة إنسانية تهدد مستقبل البلاد وأجيالها القادمة، حيث تتسبب هذه الحرب المستعرة في تدمير منهجي للبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والطرق، مما يعيق أي آمال في التنمية المستدامة.
الاقتصاد السوداني، الذي كان يعاني أصلاً من تحديات هيكلية، يواجه الآن انهيارا شبه كامل، مع تدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، مما يفاقم معاناة المواطنين ويغرقهم في دوامة الفقر المدقع.
والأخطر هو على الصعيد الاجتماعي حيث تشهد البلاد تفككا خطيرا في نسيجها الاجتماعي، و تتزايد التوترات والعداوات بين مكونات الشعب على أسس عرقية وقبلية، لا سيما بعد الانتهاكات المروعة التي أعقبت سيطرة الجيش والكتائب الإسلامية المتحالفة معه على العاصمة الخرطوم قبل أشهر، والتي تضمنت عمليات قتل وتهجير وعنف ممنهج ذات طابع عرقي.
هذه التطورات لا تعمّق الانقسامات فحسب، بل تهدد بوأد أي فرصة للتعايش السلمي في المستقبل، و في هذا السياق، يبرز الدور المتواضع والباهت للدول العربية، التي لم ترقَ جهودها الدبلوماسية والسياسية إلى مستوى التحدي، رغم أهمية السودان كبلد عربي أصيل ولاعب محوري في المنطقة، ينبغي على هذه الدول أن تتحرك بشكل عاجل ومنسق، مستخدمة نفوذها الإقليمي والدولي للضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، ودعم عمليات الوساطة، وتوفير المساعدات الإنسانية، ليس فقط لإنقاذ السودان من الهاوية، بل أيضًا للحفاظ على استقرار المنطقة العربية التي ستتأثر حتماً بتداعيات انهيار هذا البلد الاستراتيجي، و إن غياب تحرك عربي جاد ومؤثر سيُسهم في تفاقم المأساة، ويُحمّل الدول العربية مسؤولية تاريخية عن ضياع فرصة إنقاذ السودان وشعبه من مستقبل مظلم.
بغداد اليوم – كركوك أكدت دائرة صحة كركوك، اليوم الجمعة (9 أيار 2025)، أن المحافظة باتت خالية تمامًا من أي إصابات مؤكدة بمرض الحمى النزفية، بعد شفاء آخر حالة كانت تخضع للعلاج داخل المؤسسات الصحية. وقال مدير إعلام صحة كركوك، سامان علي، في تصريح