بغداد اليوم – بغداد
في مشهد جديد من التصعيد الدبلوماسي، أثار بيان المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، موجة تفاعلات داخل العراق، بعدما اتّهم بغداد ضمنًا بالتراجع عن التزاماتها بشأن ترسيم الحدود البحرية مع الكويت، محذرًا من ما وصفه بـ"الانتهاك لسيادة دولة عضو في المجلس". ومع تصاعد حدة اللهجة، دخل الإطار التنسيقي، على خط الرد، مؤكدًا أن البيان الخليجي لن يؤثر على انعقاد القمة العربية المقبلة في بغداد.
الإطار التنسيقي يرد: بيان منحاز
وقال عضو الإطار، علي الزبيدي، في حديث لـ"بغداد اليوم"، اليوم الخميس (8 أيار 2025)، إن "البيان منحاز كالعادة من قبل دول الخليج لصالح الكويت وضد العراق، وهذا الأمر تعودنا عليه من قبل تلك الدول، رغم أن العراق يعمل على تعزيز علاقاته مع كافة محيطه العربي والخليجي"، مضيفًا أن "هكذا بيانات لا تؤثر على علاقات العراق مع تلك الدول، فالبيان أراد فقط إظهار الموقف السياسي من هذه القضية بعد تفاعلها بشكل كبير داخل العراق".
وأكد الزبيدي أن "إصدار دول التعاون الخليجي هكذا بيان يحمل رسائل شديدة، لكنه لن يؤثر على عقد القمة العربية في بغداد إطلاقاً، ولن يكون له تأثير سلبي على مشاركة تلك الدول في القمة، فحتى الكويت ستكون حاضرة وبقوة"، مبينًا أن "العراق يعمل على تعزيز كل علاقاته، وهكذا ملفات حساسة يتم حلها وفق القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية، وليس عبر البيانات الإعلامية".
خلفيات الأزمة: ترسيم ما بعد العلامة 162
تعود جذور الخلاف إلى قرار المحكمة الاتحادية العراقية الصادر في أيلول 2023، والذي ألغى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت لعام 2013، المعروفة باتفاقية "خور عبد الله"، معتبرًا أنها وُقّعت دون موافقة البرلمان، ما يُعدّ مخالفة دستورية.
هذا الحكم فجّر أزمة دبلوماسية، دفعت بالكويت إلى رفع الملف إلى مجلس الأمن، مدعومة بموقف خليجي موحّد. لكن التطورات الأخيرة أعادت الملف إلى الواجهة، لا سيما مع طرح بعض الكتل السياسية العراقية ضرورة "إعادة النظر في الترسيم" لما بعد العلامة 162 البحرية، وهي النقطة التي تعتبرها الكويت خطًا فاصلاً بين مياهها ومياه العراق، بينما يرى البعض في العراق أن المياه المتبقية ما بعد العلامة 162 لم تُحسم رسميًا، ويجب التفاوض بشأنها.
تصعيد خليجي قبل القمة... رسالة سياسية؟
وجاء بيان مجلس التعاون الخليجي، ليؤكد ما وصفه بـ"دعم سيادة الكويت الكاملة على أراضيها ومياهها"، ويطالب العراق بـ"الالتزام بالاتفاقيات والقرارات الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 833".
ويأتي هذا التصعيد الدبلوماسي قبل أسابيع من انعقاد القمة العربية المقررة في بغداد في 17 أيار الجاري، ما يفتح الباب لتساؤلات بشأن ما إذا كانت بعض الدول الخليجية تحاول توجيه رسائل ضغط مسبقة للعراق، لدفعه إلى تقديم تطمينات بشأن الحدود البحرية، أو ربما لتأطير مخرجات القمة المنتظرة في سياق لا يُحرج الموقف الكويتي.
تفاعل عراقي داخلي حاد
في الداخل العراقي، شهدت الأيام الماضية تصاعدًا في اللهجة السياسية تجاه الكويت، لا سيما من نواب ينتمون للإطار التنسيقي. فقد دعا بعضهم إلى "تدويل الملف من قبل العراق هذه المرة"، وطرح القضية على طاولة القمة العربية ذاتها. كما طالبوا الحكومة بعدم تقديم أي تنازل جديد في هذا الملف، وربطه بالكرامة والسيادة الوطنية.
وبينما تصف وزارة الخارجية العراقية الخلافات الحالية بأنها "قانونية وتقنية"، يرى مراقبون أن الانقسام الداخلي وعدم وحدة الخطاب العراقي الرسمي في هذا الملف، قد يُضعف موقف بغداد على الطاولة الدبلوماسية، ويعطي دول الخليج فرصة لتكريس روايتها.
ما وراء البيان الخليجي؟
رغم نبرة التصعيد، لا يزال بيان مجلس التعاون يحمل لغة سياسية تقليدية لا تتضمن إجراءات فعلية ضد العراق. ويبدو أن الرسالة الأساسية هي الضغط المسبق قبل القمة، وربما توجيه الأنظار نحو موقف الكويت، كدولة مضيفة سابقة، تستشعر التهميش في بعض المسارات الإقليمية.
وبحسب مراقبين، فإن "الكويت تخشى أن يتحوّل الملف إلى قضية داخلية عراقية، تُستخدم سياسيًا، وتخرج عن الأطر المتفق عليها في الأمم المتحدة".
وبين الجدل القانوني، والتفاعل السياسي، والضغط الخليجي، يبدو أن ملف ترسيم الحدود مع الكويت يتحوّل من قضية قانونية إلى أزمة رمزية تُختبر فيها سيادة العراق وتماسكه الإقليمي. وفي ظل استعداد بغداد لاحتضان القمة العربية، ستكون طريقة تعاملها مع هذا الملف معيارًا لقراءتها للمرحلة المقبلة: هل تستجيب للضغوط بهدوء؟ أم تعيد فتح الملفات القديمة على طاولة عربية مزدحمة؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم- بغداد انطلقت اليوم الخميس، (8 أيار 2025)، أعمال الاجتماع الرابع لمجلس التعاون الستراتيجي، رفيع المستوى، بين العراق وتركيا في العاصمة التركية أنقرة. وترأس الاجتماع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.