بغداد اليوم - بغداد
في موسمٍ انتخابي تُباع فيه الكلمات أكثر من الأفعال، وتُروَّج فيه الوعود كأنها برامج، تخرج إلى العلن ما تُعرف بـ"القوائم البيضاء" للرعاية الاجتماعية. تُقدَّم هذه القوائم، التي لم تُقرّ بعد في أي موازنة، بوصفها منجزًا لبعض السياسيين، وكأنها مشروعهم الخاص، لا برنامج الدولة العام.
النائب ياسر إسكندر يضع يده على الجرح حين يقول خلال حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "سياسيين ومرشحين في عدد من المحافظات عمدوا مؤخرًا إلى الترويج لحصولهم على مئات الأسماء بهدف إدراجها ضمن برنامج الرعاية الاجتماعية"، في وقتٍ لا يوجد فيه أي تخصيص مالي فعلي لهذه الأسماء حتى اللحظة.
تصريح إسكندر لا يأتي من فراغ. ففي تقرير صادر عن National Endowment for Democracy عام 2023، وُصفت هذه الأساليب بـ"الزبائنية المقنّعة"، حيث تُستخدم أدوات الدولة لخدمة الحملات السياسية عبر إعادة تدوير البؤس كأصل انتخابي لا كحق إنساني.
ما يُسمّى بـ"القوائم البيضاء" ليس أكثر من خطوة إدارية أولى، تُستخدم كدعاية انتخابية لا كمشروع مؤسسي. يقول إسكندر: "هذه القوائم تمثل مرحلة تحضيرية فقط، بانتظار موافقة مجلس الوزراء على توفير التخصيص المالي اللازم، وهو أمر يحتاج إلى بعض الوقت". ومع هذا، تُقدم للناس وكأنها مكتملة، تُذيّل بأسماء المرشحين، وتُوزّع في اللقاءات الانتخابية والمضافات الاجتماعية كما تُوزّع المنشورات.
مقارنةً بهذا الواقع، تكشف دراسة ميدانية أعدّتها الجامعة الأمريكية في السليمانية عام 2024 أن أكثر من 60% من المواطنين العراقيين فقدوا الثقة ببرامج الرعاية الاجتماعية، ويرون أن شمولهم أو استبعادهم لا يتم على أساس الاستحقاق، بل وفق القرب من السياسي لا القرب من الفقر.
في بلد يُشاع فيه الخلط بين مؤسسات الدولة وأدوار الأفراد، تتحوّل حتى الحقوق العامة إلى مواد انتخابية. يضيف النائب إسكندر أن "استخدام هذه القوائم في مسارات الكسب الانتخابي ومنح الناس آمالاً بوجود غطاء مالي لها أمر غير دقيق ومخالف للواقع"، مشيرًا إلى أن الأسماء ستُدرس لاحقًا من قبل الوزارة، لكن "شمولها مرهون بتوفر التخصيصات، وهو ما يُعد العنصر الأهم".
في هذا السياق، نجد تصريحًا رسميًا لوزير العمل أحمد الأسدي، نُشر عبر وكالة الأنباء العراقية، يؤكد أن "الوزارة تسلمت أكثر من 1.5 مليون طلب جديد للرعاية، ولا يمكن شمول أي منها ما لم تُقر التخصيصات من قبل الحكومة ووزارة المالية".
الخطورة لا تكمن في وجود القوائم، بل في طريقة تسويقها. تُقدَّم للناس كما لو كانت إنجازًا شخصيًا للمرشح، وكأن الرعاية الاجتماعية منحة انتخابية لا برنامجًا وطنيًا. وهنا، يحذر النائب من أن "منح الناس آمالًا وهمية تحت غطاء هذه القوائم يُعد تضليلاً ومصادرة للكرامة قبل أن يكون خرقًا للعدالة"، في إشارة واضحة إلى أن المواطن بات مستهدفًا في حاجته، لا مستفيدًا من استحقاقه.
توصيف كهذا يجعل من الوعد نفسه أداة إخضاع. ففي بيئة تعاني من عجز هيكلي في التنمية وفرص العمل، يصبح أي وعد بالدعم المالي بمثابة صك نجاة، حتى وإن لم يكن له وجود في دفاتر الموازنات.
هكذا، تتحول الرعاية الاجتماعية، التي وُجدت في الأصل لحماية الفقراء، إلى منصة لشرعنة استغلالهم، وتُكتب الأسماء على ورق هش، لا بقصد الشمول، بل بقصد التحشيد. وما قاله إسكندر عن "ضرورة توضيح الحقائق للرأي العام"، لا يُعد دعوة للشفافية فحسب، بل صرخة أخلاقية في وجه طبقة سياسية باتت ترى في بؤس الناس أصواتًا محتملة.
فالدولة لا تكون دولة عندما تُختزل في ورقة يوزّعها مرشح، والمواطن لا يكون مواطنًا عندما يتحوّل إلى رقم في قائمة لا تحمل إلا الوهم. وفي النهاية، تبقى القوائم بيضاء فقط من حيث التسمية، بينما هي في الحقيقة مكتوبة بحبرٍ شفاف لا يراه إلا من يبحث عن صوت، لا عن عدالة.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم- بغداد توقعت هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، اليوم الأربعاء، (23 نيسان 2025)، موجة غبار غداً الخميس وتستمر الى الجمعة المقبلة وتشمل العاصمة بغداد. وذكر تقرير صادر عن قسم التنبؤ الجــوي في الأنواء الجوية، تلقته "بغداد اليوم"،