آخر الأخبار
تردي الكهرباء مجدداً في العراق مع انخفاض درجات الحرارة.. أين المليارات التي صرفت؟ مقتل 400 مسلح من النصرة بمعارك طاحنة مع القوات السورية في أدلب وحلب الكشف عن اخر تطورات موجة البرودة وهطول الامطار في العراق تفاصيل لقاء السوداني وملك إسبانيا نتنياهو: قد أوافق على وقف إطلاق نار بقطاع غزة وليس إنهاء الحرب

المشاريع المرورية تهدد المعالم الأثرية في بغداد وشكوى من قلة التخصيصات

محليات | 2-07-2024, 15:05 |

+A -A

بغداد اليوم -  بغداد

باتت المعالم التراثية التي تشتهر بها العاصمة بغداد مهددة بالاندثار مع التوسع العمراني الذي تشهده المدينة العريقة، الامر الذي جعل المختصون يناشدون بالحفاظ على هذه المعالم وتخصيص مبالغ كافية لحمايتها.

فقد اعتاد العراقيون في عاصمتهم بغداد رؤية معالم أثرية يفتخرون بوجودها كعمق تاريخي يعطي للمدينة سمات معمارية متميزة، إذ تشخص القباب المخروطية من بينها قبتا السيدة زمرد خاتون في جانب الكرخ والسهروردي في جانب الرصافة، تحملان معالم تاريخية للتطور المعماري.

وليس طراز هذه القباب بصورتها المخروطية ما يعد إرثاً متميزاً فحسب، بل هناك خصوصية في طبيعة المواد المستخدمة في بنائها، إذ دفعت وفرة الطين وندرة الخشب والحجر بالمعمار العراقي القديم إلى ابتكار فنون بناء جديدة على غرار تسقيف الأبنية باستخدام العقود والأقبية، عوضاً عن السطوح المستوية والاستغناء عن استخدام الأعمدة والدعائم ما دامت مادة الطين بطبيعتها مرنة تعطي البناء القدرة والكفاءة على التحوير والتحكم.

أما اليوم فإن ما بقي صامداً من الإرث التاريخي لمدينة بغداد طوال عقود طويلة قد يتهاوى بفعل المشاريع الحديثة وتحديداً المرتبطة بفك الاختناقات المرورية.

تهدد المشاريع الحديثة قبة السيدة زبيدة بعد نجاتها من القصف الأميركي خلال غزو العراق عام 2003، بحسب ما يقوله علي عواد القائم على خدمة مقبرة الشيخ معروف الكرخي الموجودة أسفل القبة نفسها.

وتقع قبة السيدة زبيدة وسط المقبرة نفسها، إذ ولد عواد قرب مكان ضريح الشيخ معروف الكرخي وتوارث مهنة حفار القبور عن والده، لكنه يخشى اليوم من تأثر القبة بسبب أعمال الحفر المستمرة القريبة من المكان.

وأثارت أعمال مشروع الجسر القريب من قبة زبيدة خاتون ومقبرة الشيخ معروف الكرخي كثيراً من الانتقادات، فكان من المقرر أن يؤدي المشروع الجديد إلى مد شارع داخل المقبرة مما يعني رفع كثير من القبور ولكن بعد احتجاجات الأهالي وحديثهم عن صعوبة نقل رفات ذويهم لأماكن أخرى، قررت الحكومة أن يكون هناك جسر لتقليل عدد القبور التي سيتم رفعها مع تقليص أعمدته للحد الأدنى من طريق إنشاء الجسر ذي الفضاءات الطويلة.


وعلى رغم ذلك فإن الحل الذي أقرته الحكومة العراقية لتقليل عدد القبور التي سترفع تناسى الإرث الحضاري الذي يقع قرب المقبرة المتمثل في قبة السيدة زبيدة، فاستمرار أعمال الحفر أدى إلى تصدع جدرانها، وبدأت المخاوف تزداد من انهيار هذا الأثر المهم خصوصاً مع تساقط جزء منه.

"يومياً وعندما ينتهي عمال الشركة المنفذة للمشروع من عملهم أبدأ في تنظيف ما تساقط من القبة، الذي يزداد إلى حد بعيد"، هذا ما يقوله علي عواد وهو يجمع أجزاء الحجارة التي تتساقط من الجدران الداخلية.

قباب اختفت

مؤرخون عراقيون تحدثوا عن أن أقدم قبة إسلامية في بغداد هي قبة قصر المنصور الخضراء. ووصف الخطيب البغدادي قصر المنصور وقبته قائلاً "كان في صدره إيوان (قاعة) طوله 30 ذراعاً وعرضه 20 ذراعاً وسقفه قبة، وكان على رأس القبة الخضراء تمثال فارس في يده رمح يتجه مع الريح، وكانت ترى من أطراف بغداد".

لكن قبة قصر المنصور الخضراء تلك لم تصمد طويلاً فتأثرت بمياه الفيضانات التي تعرضت لها بغداد وتهاوت في العام الهجري 653، بحسب ما ذكر في كتاب الحوادث الجامعة لابن الفوطي. ويعني هذا الحديث أهمية الحفاظ على القباب القائمة حالياً.

القباب المخروطية

انتشرت القباب المخروطية في العراق خلال النصف الثاني من القرن الخامس الهجري حتى نهاية القرن السابع الهجري، وتعود إلى عصر الخلافة العباسية (123-656 هجرية)، وتحديداً بعد الربع الأخير من القرن الرابع الهجري، فأول من أدخلها هم العقيليون بعد 386 هجرية، ثم تلتهم دولة السلاجقة بعد 447 هجرية.

في الغالب تكون قبة الضريح منفردة أو ملحقة بمدرسة أو جامع. وللقباب المخروطية أنواع منها ذات المقرنصات من داخل البناء وخارجه وهو السائد.

بدوره يقول أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة تكريت الباحث في مجال التراث، الدكتور خليل خلف حسين، "إن القباب المخروطية تعد طرازاً معمارياً تميز التاريخ العراقي عن غيره في البلدان والحضارات الأخرى، وغالباً ما تكون القباب في الحضارات والبلدان الأخرى نصف دائرية، لسهولة بنائها مقارنة بالقبة المخروطية".

ويشير حسين إلى أن هذه القباب غالباً ما كانت تعبر عن المكانة العلمية والاجتماعية للشخوص الذين يدفنون في عمائرها لاحقاً، إذ لم تكن مهمتها كمدافن للشخصيات العلمية، بل مدارس وزوايا خاصة، ينشر عالم الدين أفكاره فيها ونظراً إلى اعتزاز طلابه به يدفنونه في المكان نفسه، فتصبح مرقداً لذلك العالم.

زمرد خاتون

وفي جانب الكرخ وقرب ضريح الشيخ معروف الكرخي في وسط المقبرة المعروفة باسمه تقع قبة السيدة زمرد خاتون ويشتهر الضريح باسم "الست زبيدة"، وغالب الآراء التاريخية تعدها أم الناصر لدين الله المتوفاة عام 599 هجرية. ويعود تاريخ بناء هذه القبة إلى القرن السادس الهجري وتضم خمسة قبور إضافة إلى السيدة زمرد خاتون.

تقوم قبة السيدة زمرد خاتون على قاعدة تتكون من ثمانية أضلاع، كما سقفت بقباب نجمية الشكل، ويتوسط الضلع الشمالي الشرقي مدخل القبة الأصلي وإلى يساره درج البناء يؤدي إلى سطح البناء.

تعد القباب المخروطية طرازاً معمارياً تميزت به العمارة العراقية (اندبندنت عربية)

تقوم القبة على جدران صلبة من ثمانية أضلاع أما خارجها فتزينها زخارف محفورة حفراً قليل الغور ومكونة من نجوم وبعض الأشكال الهندسية والزخارف النباتية.

مصير مجهول

كان العراق يضم سابقاً ما لا يقل عن 17 قبة مخروطية منتشرة في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وبغداد والأنبار والبصرة، لم يبق إلا القليل منها. وفقدت بلاد الرافدين قبة إمام الدور في محافظة صلاح الدين على يد تنظيم "داعش" والمخاوف تتجه الآن إلى قبة زمرد خاتون التي قد تنهار بسبب المشروع الجديد.

يرى مؤسس منظمة "إرث" غير الحكومية المعنية بالحفاظ على ثقافة وتراث العراق، شاذل نواف طاقة، أن الإرث الحضاري للبلاد يتعرض لهجمات عدة، من جانب التنظيمات الإرهابية وكذلك الميليشيات المتطرفة، فضلاً عن التقصير الحكومي "الذي يربطه البعض بالفساد الإداري المستشري أو بالتعصب والتطرف".

وأضاف "لعل المثال الأخير المتمثل بتدمير منارة مسجد السراجي العثماني من قبل السلطات المحلية في البصرة، التي يعود تاريخها إلى عام 1727 ميلادية، إذ يظهر إلى أي مدى يمكن أن يؤدي التعصب والطائفية إلى إلحاق الضرر بالتراث المادي للبلاد".

طاقة يوضح أن تدمير هذا الإرث يعكس الحال الثقافية التي وصل إليها العراق حالياً والتي وصفها بـ"المتردية"، فضلاً عن غياب قيم التسامح واحترام الآخر التي نشأت عليها الأجيال العراقية.

الحفاظ على الهوية

أما في جانب الرصافة فتقع القبة المخروطية لضريح السهروردي وهو الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر السهروردي ويصل نسبه إلى أبي بكر الصديق وكان خطيباً شافعي المذهب. ونسبت اسم المحلة التي يوجد فيها الضريح إليه وصارت تعرف بمحلة الشيخ عمر وتقع في الجانب الشرقي من مدينة بغداد قرب الباب الوسطاني وهو أحد أبواب العاصمة. ويعود بناء القبة إلى عام 634 هجرية وهو عام وفاة الشيخ السهروردي ويتكون البناء من غرفة الضريح وألحق به مسجد يعود تاريخ بنائه إلى عام 917 هجرية.

تقوم القبة على غرفة مربعة الشكل خالية جدرانها من الزخرفة، أما خارجها فالشكل مكون من 11 صفاً من فوق المنحى الذي تقوم عليه القبة، فهناك اختلاف في مقرنصات القبة الخارجية عنها في الداخلية وعليه فإن قبة السهروردي مكونة من قبتين، الأولى مخروطية وهي الأصلية، والثانية أضيفت في ما بعد، وهي في باطن القبة الأولى وبينهما فراغ

وأشار إلى أن القباب المخروطية تعكس التنوع اللامتناهي في الأساليب الفنية، ذلك التنوع الذي أنتج مدارس فنية عريقة ضمت طرقاً متعددة تعبر في النهاية عن رسالة توحد الأمة "إن ما نفتقده اليوم هو تلك السمات الفنية التي عاشها العراق عبر تاريخه الثري ومن بينها اللامحدودية والتعددية". وأضاف "إن الرغبة في الحفاظ على هذه السمات التي يخسرها العراق يوماً بعد آخر تمثل الرسالة التي ينبغي أن يحملها التراث العريق لبلاد الرافدين لمختلف حضاراته وأديانه".

لا خطط واضحة

أما رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث، علي عبيد شلغم، فقال إن المواقع الأثرية بوجه عام ومنها الشاخصة داخل المدن خصوصاً تعاني تقادم الزمن وتأثرها بالعوامل الجوية، ومنها ما تأثر مباشرة نتيجة النزاعات المسلحة التي أدت إلى فقدان مواقع أثرية لا يمكن تعويضها.

لكن شلغم لم يوضح في حديثه خطة الهيئة العامة للآثار والتراث للحفاظ على قبة زمرد خاتون، بل اكتفى بالإيضاح بأن مشاريع تطوير المدن تؤثر في بنية المعالم الأثرية.

وقال "عمليات الحفر التي ترافق مشاريع تطوير المدن تؤدي إلى حدوث أضرار تسهم في إضعاف البنية الإنشائية للمعالم الأثرية وزيادة أخطار حدوث انهيارات كلية أو جزئية، مما يستدعي اتخاذ التدابير اللازمة قبل وأثناء العمل".

قلة التخصيصات

تتولى دائرة الصيانة والحفاظ على الآثار، إحدى تشكيلات الهيئة العامة للآثار في العراق، عملية صيانة وترميم المواقع الأثرية وفق خطط ودراسات تشمل جميع المواقع الأثرية في المحافظات كافة، إلا أن قلة التخصيصات المالية وبحسب رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث علي عبيد شلغم تقف عائقاً أساسياً لإكمال أعمال الصيانة.

وأضاف "قلة التخصيصات المالية تحول دون تنفيذ جميع أعمال الصيانة، والهيئة العامة للآثار مستمرة في التعاون مع جهات مانحة أجنبية في تنفيذ أعمال إنقاذ مدن أثرية ومواقع مختلفة بما يسهم في استدامتها وتأهيلها كموقع جذب سياحي".

لم تراع مشاريع تطوير الطرق معالم المدينة الأثرية بل باتت إحدى الوسائل التي تهدد هذه المعالم بالزوال، فلا يمكن القبول ببناء مشاريع حديثة على أطلال معالم تشكل السمات الأساسية لهوية المدينة وعمقها التاريخي، ولعل تحويل مسار جسر سيكون أفضل من هدم معالم تاريخية أو هدم مقبرة عمرها 1200 عام جمعت رفات أهل بغداد على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.

المصدر: اندبندنت