بغداد اليوم – بغداد
عند العودة إلى سجل ترامب الأول، يبرز تصريحه الأشد وضوحا "نريد السيطرة على نفط العراق" كاسترداد لكلفة التحرير، طرح يختزل النفط في معادلة غنيمة وسلطة.
اليوم، في قمة شرم الشيخ، عاد ترامب إلى الملف لكن بأداة مختلفة: تحذير علني من أن العراق "قد يواجه مشكلة" إن لم يحسن إدارة نفطه، مع توصيف العراق بأنه "بلد مليء بالنفط" يملك "كميات هائلة". بهذا الانتقال من خطاب السيطرة المباشرة إلى شروط إدارة و"اختبار حوكمة"، يتبدل شكل النفوذ لا غايته.
وفي الخلفية تنافس محتدم مع الصين التي راكمت حضورا عميقا في الحقول العراقية عبر شركاتها الكبرى والمستقلة، إلى حد أن تقديرات حديثة تتحدث عن سيطرة تمتد من ثلث الإنتاج وصولا إلى نحو الثلثين تبعا لطريقة الاحتساب وحصص التشغيل في الحقول الكبرى مثل الرميلة ونظيراتها.
في هذا الإطار تبدو جمل ترامب أقرب إلى رسم خطوط إدارة لا تعداد للاحتياطيات. المقصود هو كيف تدار سلسلة القيمة من المنبع حتى الموازنة: انتظام الإنتاج والصادرات شمالا وجنوبا، شفافية العقود، تحويل العوائد إلى كهرباء مستقرة وتقليص هدر الغاز المصاحب. هنا يصبح "الإحسان في الإدارة" هو الاسم الجديد لنفوذ غير مباشر: من لا يلتزم بهذه القواعد يواجه "المشكلة" التي لوح بها الخطاب، ومن يلتزم ينال أبواب استثمار ودعم. وعلى خط مواز، تتعامل واشنطن مع واقع منافسة صينية متسارعة: شركات صينية حكومية وخاصة توسع حصتها وتستهدف رفع إنتاجها في العراق خلال السنوات المقبلة، ما يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة التموضع عبر الاستثمار والعقود وتحسين شروط الأمن والبيئة التشغيلية، بحسب اقتصاديين.
ويرى مراقبون أن ضمن هذا التحول يكتسب "باب الشركات" وزنا مضاعفا. فبعد انكفاء فرضته هجمات طالت المصالح الأجنبية، بدأت شركات أمريكية تعود تدريجيا إلى السوق العراقية، وتطرح عودة الاستثمار بوصفها شرطا لعودة العلاقات إلى طبيعتها: حماية تشغيلية وأمنية، وضمانات قانونية واضحة، ومسارات تمويل وتقنية تسند حقول الجنوب ومشاريع التصدير. توازى ذلك مع حراك لافت لإحياء شراكات قديمة وتوقيع تفاهمات جديدة، في وقت تواصل فيه الشركات الصينية تثبيت موطئ قدم عبر عقود توسعة وتطوير. المشهد برمته يعكس سباق نفوذ اقتصادي–طاقي على أرض عراقية تقاس نتائجه بحجم الإنتاج المدار فعليا وبهوية المشغل والشريك في الحقول العملاقة وعلى رأسها الرميلة.
على مستوى توزيع الرسائل، يقرأ المحلل السياسي عدنان التميمي تصريح شرم الشيخ بوصفه انتقالا من شعار السيطرة المباشرة إلى إدارة غير مباشرة عبر شروط. يقول لـ"بغداد اليوم" إن "حديث ترامب عن النفط العراقي لم يكن عفويا، بل حمل مغزى سياسي واستراتيجي واضح، إذ ركز الرئيس الأمريكي لعدة دقائق على مجمل القضايا الإقليمية، وخصوصا ملف غزة، مكررا عبارة النفط، ما يعكس وجود استراتيجية أمريكية غير معلنة حيال طبيعة التفاعل مع العراق الذي يمتلك احتياطيات نفطية كبيرة وقادر على زيادة الإنتاج بفضل حقول لا تزال قيد التطوير". يدخل هذا التفسير في قلب المنافسة مع بكين: كل تحسن في انتظام التصدير وشفافية العقود يقوي حجج واشنطن الاستثمارية، وكل تعثر يوسع هامش الشركات الصينية التي أثبتت قدرة على التموضع السريع في مشاريع متوسطة وكبيرة. وفي هذا السياق يضيف التميمي أن ربط النفط بالدولار وبالسياسة الاقتصادية الأمريكية يمنح البيت الأبيض أداة ضغط مرنة: خفض الأسعار عالميا عند الحاجة عبر زيادة إنتاج شركاء موثوقين، وفتح أو إغلاق صمامات الاستثمار تبعا للالتزام بالقواعد.
يبدو أن انتقال واشنطن من السيطرة المباشرة إلى التحكم غير المباشر بشروط الإدارة لا يلغي هدف النفوذ، بل يغير أدواته. العراق يقاس اليوم بمدى إتقانه "ميكانيكا البرميل": إنتاج مستقر، صادرات لا تنقطع، كهرباء تبنى على غاز ملتقط لا محروق، وعقود واضحة تطمئن المستثمر وتحمي المال العام. المنافسة مع الصين تضيف عامل استعجال: كل نقطة شفافية واستقرار تنظيمي تمنح بغداد قدرة أعلى على موازنة النفوذين بدل الارتهان لأحدهما. وعند هذا الحد لا يعود سؤال اللحظة: من يملك النفط؟ بل من يملك خطة إدارة تجعل وفرة العراق قوة تفاوضية أمام واشنطن وبكين معا، وتحول اشتراطات "الحوكمة" من أداة سيطرة غير مباشرة إلى قواعد شراكة تضمن المصلحة الوطنية، وفق تقديرات سياسية اقتصادية متقاطعة.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
            
            بغداد اليوم -بغداد تسبب خلل فني، اليوم الثلاثاء (4 تشرين الثاني 2025)، بتعطيل تطبيق "سوبر كي"، ما أدى الى تصفير حسابات المستخدمين. وقال مراسل "بغداد اليوم"، إن "خللاً فنياً ضرب تطبيق (سوبر كي) وتتسبب بتصفير حسابات المشتركين