آخر الأخبار
أنبوب الغاز والتغيّر السياسي في سوريا سفير إيران لـ"بغداد اليوم": لا خوف على العراق من الإرهاب وسنقاتل مع العراقيين الثاني من نوعه.. اغتيال عالمة بيولوجية سورية داخل منزلها اللقاء المفاجئ.. ماذا بحث السوداني في زيارته "غير المعلنة" إلى الأردن؟ موجة باردة تقترب من أجواء العراق وتحذيرات من شدتها

العطش يهدد "العنكور والطاش" ويدفع الأهالي للبحث عن مهن أخرى غير الزراعة وصيد الأسماك

محليات | 28-06-2024, 11:00 |

+A -A

بغداد اليوم - الانبار

تُصارع مناطق جنوب شرقي الرمادي، مركز محافظة الانبار (110كلم غرب بغداد) جفافاً مزمناً يهدد بتحويلِ قرى كاملة الى أراض جرداء بلا حياة، مجبرة سكانها على الهجرة والبحث عن فرص عمل في أماكن أخرى.

لم يعد يمتلك أبو علي، أحد الصيادين الذين هجروا قرية (العنكور) جنوب مدينة الرمادي، سوى الذكريات وقارب مهجور بهت لونه وتآكل خشبه، يواظب على زيارته بين حين وآخر، عله يراه متمايلاً مجدداً في بحيرة الحبانية وقد استعادت عافيتها.

إلا أنه وفي كل مرة، يجلس متكئاً بظهره الى قاربه الجاثم منذ عامين، تحيط بهما الأعشاب الجافة تحت شمس حارقة، مواسياً بذلك نفسه وقاربه على ما حل بهما.

"الطاش" و"العنكور" القريتان المتجاورتان اللتان يقطنهما نحو عشرة آلاف شخص، وتقعان بين نهر الفرات وبحيرة الحبانية جنوبي الرمادي، كانتا والى وقت قريب ضمن مساحة خضراء محاطتين بحقول القمح، وتكتظ في شاطئ بحيرة الحبانية القريب، العشرات من قوارب الصيد.  

"شبح الجفاف أجبر مئات العائلات على الهجرة" يقول أبو علي البالغ 45 سنة، وهو يشير بيده الى ما تبقى من البحيرة التي ضربها الجفاف، والأرض التي أصبحت جرداء في الجهة المقابلة.

ويضيف:"كان علي أن أفعل ذلك أيضاً قبل سنة، إذ انتقلت مع عائلتي المكونة من سبعة أفراد الى مدينة الرمادي، وغيرت مهنتي من صياد سمك إلى عامل بناء".

تعاني مناطق أطراف الرمادي، من شحة في المياه، لأسباب عديدة حسبما يؤكد متخصصون بيئيون، بدءا من النمو السكاني المتسارع الذي يثقل كاهل الموارد المائية المتاحة، واتساع مدى الجفاف جراء آثار تغيير المناخ، فضلاً عن سوء إدارة الموارد المائية، وضعف البنية التحتية.

لذا يواجه السكان المحليون في منطقتي "الطاش" و"العنكور" صعوبات في الحصول على المياه سواءً للشرب أو غيرها من الإستخدامات البشرية أو للماشية وري المزروعات. وما يحصلون عليه من مياه سواءً التي يشترونها من الصهاريج أو يسحبونها من بعض الآبار الصامدة في المنطقة "غير معالجة"، ما يعرضهم لمخاطر صحية كبيرة.

كما أن شحة المياه بنحو عام، وفي بحيرة الحبانية على وجه الخصوص، أدى إلى تراجع زراعي غير مسبوق، وتوقف صيادي الأسماك عن مزاولة عملهم، فشاعت البطالة واتسع نطاق الفقر. كما أثر انحسار مياه البحيرة، بنحو كبير على الحركة السياحية التي يعود تاريخ انشاء المرافق السياحية على ضفافها الى العام 1979.

هذا كله، دفع الكثير من العائلات ومن بينها عائلة أبو علي، إلى النزوح نحو مناطق أخرى تتوافر فيها المياه، وقد يجدون فيها حياةً أفضل، لكن معظمهم يحملون في دواخلهم أملاً بالعودة يوماً إلى مناطقهم ومزاولة أعمالهم القديمة.

 

أزمة مياه

انخفاض مناسيب نهري العراق الرئيسيين دجلة والفرات والأنهر الصغيرة المغذية نتيجة قلة الاطلاقات المائية من دول المنبع تركيا وايران، وآثار تغير المناخ على تراجع التساقطات المطرية وارتفاع معدلات درجات الحرارة فضلاً عن سوء إدارة ملف المياه داخل البلاد، عوامل اشتركت جميعها بالتسبب في جفاف عدد كبير من القنوات الاروائية والآبار مما أثر بنحو مباشر على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الى جانب تضرر الثروة الحيوانية في مختلف أنحاء العراق، وفقاً لمتخصصين في المجالين البيئي والزراعي.

وبالعودة إلى منطقتي طاش والعنكور، فان خبراء البيئة يؤكدون بأن قلة الاطلاقات المائية من دول المنبع ليست السبب الوحيد وراء شحة المياه فيهما، بل أيضاً الإجراءات الحكومية المتخذة لتنظيم تدفق المياه من ناظم (الورار) باتجاه بحيرة الحبانية، ومن ثم اعادته الى نهر الفرات.

يوضح ذلك، المهندس عمار العاني، خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية، إذ يرى بأن "اعتماد منطقتي الطاش والعنكور على ما يصلهما من ناظم الورار سياسة تقليدية غير مجدية لأنها مرهونة بفيضان النهر".

ويشرح:"في حال انحسار موجة الأمطار وانخفاض الواردات المائية في نهر الفرات تقل الاطلاقات الى البحيرة وحسب الخطة المركزية لإدارة الموارد المائية تكون الأولوية لتأمين تصاريف وتعزيز عمود النهر بين مناطق أعالي الفرات والفرات الأوسط".

وناظم الورار، أحد أهم وأقدم النواظم في العراق يقع في مدينة الرمادي على نهر الفرات، مشيد بالخرسان ويبلغ طوله 209م ، توجد فيه 24 بوابة، عرض الواحد منها ستُ امتار، أنشئ في عام 1956 لغرض حجز المياه ورفع منسوبها وخزن الفائض في بحيرة الحبانية ومن ثم اعادتها الى نهر الفرات عند انخفاض مناسيبه.

ويرى العاني أن مشكلة العراق عموما ومحافظة الأنبار ومركزها الرمادي على وجه الخصوص "ليست بقلة الاطلاقات المائية بل بسياسة إدارة المياه عبر النواظم والسدود التي ما زالت تهتم بدرء الفيضانات" فمشاريع العراق عمليا ومنذ العام ١٩٢٠ ترتبط بدرء الفيضانات دون تبني حلول لإدارة المياه.

وقوع منطقتي الطاش والعنكور ضمن ذنائب حوض الفرات في الأنبار الذي يمتد من قضاء الرطبة الى الحبانية، جعلها خارج أولويات الخطط الزراعية، وهو ما أدى الى خروج أكثر من 250 ألف دونم عن الخطة الزراعية، وفقدان أنواع كثيرة من المحاصيل الزراعية لعل أهمها المحاصيل الصيفية من الخضروات ومحصولي الذرة والماش، حسب خالد الجابري مدير زراعة الأنبار.

ويحصل المزارعون في هذه المناطق على مياه السقي وفق آلية تعرف بـ(المراشنة) وهو عرف سائد يتيح لإدارة الموارد المائية تنظيم تدفق المياه، لكن القسمة هنا كما يقول مدير الزراعة تكون "بين المزارعين ونهر الفرات نفسه"، اذ تسمح الموارد المائية في الأنبار بتدفق المياه الى الأراضي الزراعية لساعات قليلة بينما تذهب النسبة الأكبر اما لخزن المياه أو اعادتها الى نهر الفرات.

 

تضرر الزراعة

على الرغم من أن العراق لا يعتمد بنحو مباشر على الزراعة الا أنها تعد مورداً مهما لشريحة كبيرة من سكان البلاد ولاسيما في محافظة الأنبار، إذ اعتاد كثيرون على استصلاح أراض زراعية واسعة تكون في العادة بالقرب من الأنهار، لتصبح موردا لهم يديمونه ويتوارثونه فيما بينهم.

"استغلال الأراضي الزراعية في مناطق حوض الفرات يتم عبر عقود يتم تجديدها سنويا حسب الخطة الزراعية" هذا ما يؤكده مدير زراعة الانبار الذي يقول بأن منطقتا الطاش والعنكور هي "أكثر المناطق تضررا جراء توقف مضخات المياه نتيجة انخفاض مناسيب نهر الفرات وجفاف جزء كبير من بحيرة الحبانية اللتين تطلان عليها ليصبح المتبقي من السكان المحليين امام أزمات متعددة في مقدمتها العطش والتلوث".

"إذا ماكو ماء ما تبقى لا أرض خضراء ولا وجه حسن" يقول المزارع عبد الله ذيبان(60سنة)، وهو يشير الى أبنائه الثلاثة الذين بدت عليهم آثار العطش والمرض واضحة.

هو من بين عدد محدود من مزارعي الطاش والعنكور، قرروا البقاء وعدم ترك أراضيهم الزراعية على الرغم من الجفاف الذي أفقدهم آلاف الدونمات منها، وهم يأملون أن تتخذ الجهات المعنية حلولاً تسهم في عودة الحياة الى أراضيهم التي يأكلها التصحر يوماً بعد آخر. 

يقول ذيبان بأنه لايقوى على العيش خارج بيئته الريفية على الرغم من قساوتها نتيجة الجفاف، ويؤكد:"قلة المياه وانعدامها في بعض الأوقات، كانت سببا في انتشار أمراض عديدة بين السكان بسبب عدم قدرة المزارعين على الحصول على مياه جارية واعتمادهم على المياه الراكدة إضافة الى ما تنقله صهاريج بيع المياه".

الباحث البيئي عبد الرحمن الراوي، يشدد على ضرورة أن يكون للعراق منهجية في التعامل الإيجابي مع البيئة لدعم تنفيذ إجراءات التصدي للأضرار الناتجة عن تغير المناخ والحد منها وتطوير تقنيات حديثة والبدء بممارسات جديدة في ترشيد استهلاك الموارد المائية.

وانتقد الراوي قرارات تقليص الأراضي الزراعية مؤكداً أن "تأثيرها سلبي على الزراعة بشكل عام ونوعية الأراضي الزراعية بشكل خاص وأن غياب المياه عن أي ارض زراعية لأكثر من موسم يؤثر بشكل سلبي على سلامة التربة وقد يحتاج المزارعون الى سنوات عدة وأموال طائلة لإعادة استصلاحها مرة أخرى".  

وكان المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان قد كشف يوم 17حزيران/يونيو 2024، عن خسارة العراق لـ15%من أراضيه الزراعية بسبب الجفاف والتصحر، وان ذلك قد أدى إلى نزوح نحو 100 ألف شخص منذ العام 2016. 

وذكر رئيس المركز فاضل الغراوي، بأن مساحة الأراضي المتصحرة في العراق تبلغ نحو 27 مليون دونم، أي ما يعادل تقريبا 15% من مساحة البلاد، فيما نحو 55‎% من مساحة العراق تعد أراضي مهددة بالتصحر، وأشار إلى أن أكثر المحافظات تضرراً هي ذي قار بنسبة تضرر بلغت 53%، أما باقي المحافظات فالنسب فيها تتراوح من 1% إلى 14%.

وكانت الأمم المتحدة قد صنفت العراق سنة 2022 من بين خمسة دول هي الأكثر تأثراً بالتغييرات المناخية على مستوى العالم، وأنه يواجه تحديات متعددة ومتفاقمة ناجمة عن التغييرات المناخية، بما في ذلك "موجات الحر الطويلة، وانخفاض معدل هطول الأمطار، ونقص وفقدان الأراضي الخصبة، وملوحة التربة، وعدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية، ونقص المياه العابرة للحدود، وانتشار العواصف الترابية".

فيما أكدت منظمة الهجرة الدولية بأن أبرز أسباب النزوح في العراق، ترتبط بالمشكلات البيئية والحصول على المياه، الى جانب تلبية احتياجاتها من الخدمات والبنى التحتية، وتأمين سبل العيش، إذ ان 10% من نسبة السكان النازحين هي بسبب نقص المياه، و8.6% بسبب المعاناة لتلبية الاحتياجات، و8.2% بسبب قضايا الخدمات والبنى التحتية، و7.7% بسبب الاعتماد على الأرض كسبيل للعيش.

 

نقص مياه الشرب

في مايو آيار 2023 قالت بلاسخارت الممثلة الخاصة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق في جلسة لمجلس الأمن الدولي خصصت للعراق إن "90٪ من الأنهار في العراق ملوثة بسبب الجفاف وقلة الواردات المائية وبحلول 2035 لن يتمكن العراق من تلبية سوى 15٪ من متطلباته من المياه وأن سبعة ملايين نسمة في العراق يعانون من صعوبة الوصول إلى المياه".

هي مشكلة عامة في البلاد، لكنها تتركز في المحافظات الجنوبية الى جانب المحافظات الغربية مثل الأنبار، وهو ما دفع الحكومة الاتحادية الى الإعلان عن اتخاذ سلسلة إجراءات من أجل تجاوز آثار نقص المياه على حياة السكان.

وذكرت وزارة الموارد المائية، في آيار/مايو 2023 بأنها اتخذت إجراءات لمعالجة مشكلة مياه الشرب في القرى المحيطة ببحيرة الحبانية كقرية العنكور والطاش، بسبب قلة الموارد المائية، مشيرة الى حفر آبار في المنطقة.

غير أن متخصصين، يرون بأن حفر الآبار هو مجرد حل وقتي غير مجدٍ على المدى الطويل، لأن السكان سيعتمدون بنحو كامل على مياه تلك الآبار غير المتجددة بسبب استمرار المشكلة الرئيسية وهي قلة الإمدادات المائية سواءً لشحة الأمطار أو تقلص امدادات مياه الأنهر، لذا فهم يعتقدون بأن مياه الآبار ستتناقص وستجف بالكامل. 

وحتى حفر الآبار غير مواتٍ، إذ أن شحة المياه ولاسيما في مواسم انخفاض مناسيب نهر الفرات وقلة الأمطار تؤدي الى ارتفاع الملوحة في المياه الجوفية، والمستخرج منها غير صالح للزراعة أو للاستخدام البشري الا بعد دخولها بعمليات تحلية مكلفة.

واقع الجفاف، جعل الهم اليومي لمن تبقى من العائلات في مناطق الطاش والعنكور، هو توفير مياه صالحة للشرب، وبات تأمينها أمراً مكلفا جداً، فمعدل ما تنفقه كل عائلة على المياه يصل الى 200 ألف دينار (152 دولار) شهريا وقد يزيد عن ذلك. 

إذ ذكر العديد من أبناء القريتين لمعد التقرير، أنهم يشترون المياه من أصحاب الصهاريج الذين يجلبونها من النهر، ويملؤون خزان ماء سعة الف لتر بـ 15 الف دينار (10دولارات) وهي كمية تكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية ليومين أو ثلاثة أيام، حسب عدد أفراد كل عائلة، وبالنسبة لبعضها لا تكفي لسوى يوم واحد فقط. 

"اسمع ولا تصدك صار سنتين نسمع بيها" يقول علوان الكبيسي، احد السكان المحليين لمنطقة الطاش، معلقا على تغريدة مسؤول حكومي أعلن فيها عن قرب افتتاح مركز ماء الرمادي الذي سيوفر مياه صالحة للشرب لمناطق اطراف الرمادي.

فهو يعتقد بأن كل ما يطلقه المسؤولون من وعود، هي غير قابلة للتحقق، بسبب تجارب سابقة كثيرة حسبما يقول، ويضيف:"الوعود تكثر قبل الانتخابات، وبعدها لا نسمع أو نرى أي من المسؤولين او المرشحين". 

مصدر في الموارد المائية بمحافظة الأنبار، ذكر بأن بحيرة الحبانية فقدت نحو 85% من مياهها،  ولم يتبق منها سوى 500 ألف متر مكعب من المياه، بعد أن كانت تمتلئ بثلاثة مليار متر مكعب. ويقول المصدر الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أن المنطقة المحيطة بالبحيرة فقدت بذلك موردها الأهم في الحصول على المياه لتلبية احتياجات السكان، ولجأت إلى بدائل أخرى معظمها يهدد الصحة. 

 

الدكتور محمد صباح، مدير الصحة العامة في دائرة صحة الأنبار، يرى بأن تداعيات انخفاض مناسيب المياه تنذر بكارثة بيئية، فالنقص الواضح في المعدلات الطبيعية لحاجة المواطن من مياه الشرب والاستخدامات اليومية لأغراض النظافة الشخصية، تؤثر على الصحة العامة وتساهم في انتشار الأمراض الجلدية وأمراض الجهاز الهضمي.

صباح أكد بأن "الإجراءات الاستباقية التي تتخذها ملاكات صحة الأنبار من خلال اللجان الصحية الميدانية عبارة عن حلول آنية وإن ساهمت في احتواء الازمة وابقائها ضمن معدلاتها الطبيعية الا أنها لا يمكن أن تكون الحل الأمثل عند ارتفاع معدلات التلوث وانتشار والأوبئة".

وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الأمطار المتساقطة شتاء وربيع 2024 مازال العراق يعاني أزمة جفاف خانقة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات التبخر وتزايد الحاجة للمياه نتيجة تزايد عدد السكان.

زياد فياض (52 سنة) من سكان قرية العنكور، يقول ان أصحاب صهاريج نقل المياه استغلوا أزمة المياه في المنطقة لتحقيق مكاسب على حساب معاناة السكان. ويشكو من ارتفاع أسعار المياه التي يفرضها اصحاب الصهاريج دون وجود رقابة حكومية. 

ويقول:"أصبح همهم الوحيد كيف يساوموننا على فرض أسعار عالية على الرغم من أن الفقر والبطالة قاسمان مشتركان بين جميع العائلات هنا".

فياض يؤكد بأنه أنفق في الشتاء كمعدل 150 ألف دينار (114 دولار) لتوفير مياه صالحة للاستخدام البشري لعائلته المكونة من تسعة أفراد، رغم ان المياه منقولة من محطات الإسالة داخل مدينة الرمادي، متوقعا أن يتضاعف الرقم في أشهر الصيف.

ويضيف بشيء من الأسى:"لا نملك خيارا غير الشراء، من أجل سد حاجتنا من مياه الشرب ومياه الاستخدامات الصحية وما تبقى من ماشيتي، أما الأرض فلها رب يسقيها!".

 

حلول ومعالجات

العراق عموما بحاجة الى إدارة جديدة لملف المياه وفق الطرق الحديثة التي تسمح بترشيد استهلاك المياه والمحافظة على وارداته المائية من خلال بناء السدود والنواظم التي تضمن خزن المياه وعدم هدرها باتجاه الخليج العربي عند وصولها الى شط العرب في البصرة دون الاستفادة منها.

أمجد العلياوي، أحد السكان المحليين لمنطقة الطاش، انفجر غضبا وهو يشير الى نهر الفرات:"ها هو الماء موجود، صحيح انه اقل من السابق بكثير لكنه موجود، الخلل اذن ليس بسبب قلة المياه من تركيا وايران فقط، فهذه حجج واكاذيب، الخلل من حكوماتنا التي لا تعرف كيف تحافظ على المياه!".

أمجد مزارع أباً عن جد، لكنه وبسبب قلة الأمطار ومياه السقي، يزاول اعمال بيع وشراء حرة، يردد ما سمعه مرارا من متخصصين في الزراعة، من أن حل مشكلة المياه في العراق يكمن في اتباع الوسائل الحديثة للري. يقول بانفعال:"اذا طبق الأمر من شمال العراق الى جنوبه، ستكفينا هذه المياه" ويشير مجددا إلى نهر الفرات.

يقر جمال عودة، مدير الموارد المائية في محافظة الأنبار، بأن قلة الايرادات المائية أدت الى تقليل المساحات الزراعية "وهو ما أثر على انتاج المحاصيل الزراعية المهمة كالحنطة والشعير مما يهدد الأمن الغذائي بنحو كبير".

ويقول ان هنالك جهوداً حكومية تبذل "للتحول من الري السيحي القديم الى الري بتقنيات الري الحديث مع تفعيل الاتفاقيات الدولية والاقليمية لتأمين الحصص المائية العراقية".

البروفيسور د. مروان متعب، وهو استشاري المياه الجوفية، قدم مقترحات عديدة لمعالجة مشكلة المياه، منها بناء نحو 200 سد صغير على ضفاف نهري دجلة والفرات، من أجل انعاش المنطقة الوسطى والجنوبية في العراق ومنع تصحرها بإنشاء حزام أخضر.

فضلاً عما يمكن أن تحققه الفكرة من تنمية اقتصادية من خلال تفعيل الزراعة، وإنشاء مصانع تأخذ مادتها الأولية من محاصيل زراعية عراقية، سيتم كبح جماح التغيير المناخي وتشغيل آلاف من الأدي العاملة ووقف استيراد الكثير من البضائع وانتقال العراق لتصدير المنتجات الزراعية بمختلف أنواعها، كما يرى الدكتور متعب.

وللمحافظة على المياه في الوقت الراهن، يقترح تحويل كافة القنوات المائية السطحية الحالية إلى شبكة أنابيب عملاقة للحفاظ على كمية ونوعية المياه وحمايتها من "التلوث والنفايات والتجاوز والتبخر". وهو يفضل إحالة المشروع إلى شركات إقليمية أو عالمية رصينة وفق أسلوب دفعات نفطية يومية لا تدخل ضمن الحصص في أوبك.

 

قائممقام قضاء الحبانية علي داود سليمان، يقول بأن العنكور تم ضمها مؤخرا الى بلدية الحبانية لضمان تقديم الخدمات الأساسية لها، وتم رصد مبلغ ملياري دينار لإنشاء مجمع للمياه. لكنه يشير الى ارسال الموارد المائية كتابا تؤكد فيه خروج بحيرة الحبانية عن الخدمة بسبب قلة مياهها. 

وذكر القائممقام أن كتباً رسمية رفعت إلى محافظة الأنبار لإنشاء محطات مياه أو حفر آبار ارتوازية او إنشاء محطات تحلية للمياه لمعالجة المياه الجوفية، مؤكدا ارسال معدات كري الى البحيرة لتقريب المياه إلى الأهالي بعد مناشدات وجهوها، وان اتفاقا جرى مع مديرية ماء الأنبار لإرسال حوضيات ماء صالح للشرب إلى المنطقة لتزويد الأهالي بها لحين حل المشكلة بنحو نهائي.

"وعود وعود، فقط وعود" يقول المزارع أبو أحمد (47 سنة) من سكان العنكور. ويضيف بغضب ان الحكومات المحلية في مناطق أخرى قامت بتوفير صهاريج لنقل المياه الى أهالي المناطق التي تعاني العطش "لكن هنا، نسمع فقط وعودا دون تنفيذ".

ويشكك بالحديث عن إنشاء مشروع للمياه في المنطقة وعن حلول نهائية لمشاكل السكان مع انحسار المياه، لافتا الى أن مشكلة الفساد تعطل كل المشاريع. 

ثم يتساءل وفي عينيه نظرة دهشة:"نحن هنا وبالقرب منا بحيرة أو ما بقي منها، وعلى مسافة غير بعيدة هنالك نهر الفرات، وهذا حالنا عطشانين وأراضينا ميتة، فكيف هو حال الناس في مناطق ليس فيها أي مصدر للمياه؟!".

 انجز التقرير تحت اشراف شبكة "نيريج" ضمن مشروع الصحافة البيئية الذي تديره منظمة "أنترنيوز".