قراءة في جولة ديسمبر.. "انتخابات العوائل" تفرض واقعًا سياسيًا مشوهًا
سياسة | 17-07-2023, 15:52 |
بغداد اليوم- ديالى
في بلد، مثل العراق، تتنوّع فيه تفصيلات اجتماعه السياسي تنوّعًا مُعقّدًا، لا يمكن إدراك حركة فواعله السياسية إلّا من خلال خطوط عامة ترسمها تلك الفواعل، وما إن تحلّ مناسبة الانتخابات، حتى يتمحور معظم الجمهور حول تلك الخطوط الإثنوطائفية، فيكون الناتج نظامًا سياسيًا محاصصاتيًا، تستولي عليه طبقة سياسية فاسدة، تعمل بموجب سلطة أوليغارشية تُمارس سياسة البقاء بالسبل كلها.
ومنذ تأسيس النظام السياسي الجديد الذي أعقب احتلال العراق في نيسان/ أبريل 2003، بدأ البيت التشريعي مُغلَقاً أمام المرشّحين المستقلين والأحزاب والقوى السياسية الصغيرة، نتيجةً للأنظمة والقوانين الانتخابية التي اعتُمِدَت خلال الانتخابات الماضية، والتي مكّنت الأحزابَ والتحالفاتِ الكبيرةَ والمتوسّطةَ من الفوز على حساب المرشحين المستقلَين، والقوى والأحزابِ الخارجة عن دوائر النخب السياسية المُعتادة.
والأمر لا يتعلّق بإقرار قانون انتخابات بالشرعيّة السياسيّة فحسب، بقدر ما تعلّقه بالحد من تأثير المتغيّرات السياسيّة داخل القوى السياسيّة ذاتها، إذ ما فتئت هذه القوى تشهد انقساماً داخلياً وانشطاراً في تحالفاتها وأحزابها بعد كل دورة انتخابيّة.
على سبيل المثال، دخلت القوى الشيعية في الانتخابات النيابية عام 2005 في تحالف انتخابيٍّ واحد، لكنها عادت لترتّب نفسها بعدّة تحالفات في كلٍّ من انتخابات العامين 2010 و 2014.
أما في الدورة الانتخابية عام 2018، فلم تتغيّر التحالفات فحسب، وإنما شهدت الأحزاب ذاتُها انشقاقاتٍ بارزةً؛ فخاض حزب الدعوة الإسلامية، الذي هيمن على منصب رئاسة مجلس الوزراء بين عامي 2005 و2018، بقائمتين انتخابيتين قادهما رئيسا مجلس الوزراء السابقان نوري المالكي (رئيسا لقائمة ائتلاف دولة القانون) وحيدر العبادي (رئيسا لتحالف النصر)، بينما انشق عمّار الحكيم عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وأسّس تيار الحكمة، كما وعقدت جميع هذه القوى تحالفات جديدة مختلفة عن تحالفاتها السابقة.
وتعلن بعض القوى، أن هذه الانشطارات والانشقاقات داخل القوى السياسيّة، ليست نابعة عن دوافع أيديولوجية أو اختلافات في الرؤى بينها بشأن السياسات الداخلية والخارجية، بالقدر الذي نتجت فيه من خلافٍ أساسيٍّ على توزيع المناصب بينها في الحكومة والمؤسسات المستقلة، فالقوى السياسيّة العراقيّة البارزة تتقاسم المناصب بعد كلّ انتخابات بحسب عدد المقاعد التي احرزتها.
في هذا الشأن تحدثت "بغداد اليوم" مع رئيس حراك ديالى الشعبي عمار شنبه التميمي، اليوم الاحد (16 حزيران 2023)، عن انتخابات كانون الاول القادم لمجالس المحافظات التي وصفها بإنتخابات "العوائل" بإمتياز.
وقال شنبه، إن "مجالس المحافظات حلقة دستورية لايمكن الغاؤها الا بموجب مسارات محددة، لذا يجب التعامل مع انتخابات 18 كانون الاول واقع حال كونها تشكل اعلى جهة تشريعية في المحافظات، والتي من صلاحياتها الكثير من الملفات الهامة والمعقدة".
واضاف، ان "انتخابات ديالى ستنفرد عن بقية المحافظات بانها انتخابات عوائل بامتياز"، موضحاً ان "كل نائب او مسؤول قام بتهيئة شقيقه او قريبه من الان لخوض ماراثونها مع استغلال مبكر لامكانيات الدولة في اتجاهات متعددة من اجل كسب الاصوات".
وأشار الى أن "لا تغيرات في انتخابات 2023، لانها ستؤدي الى اعادة تدوير نفس الوجوه والاحزاب والتكتلات، والتغيرات ستكون فق الاسماء لكن طبيعة المشهد والافكار والآلية ستبقى ذاتها، اي متاعب الناس لن تنتهي".
وتابع، ان "ابعاد المؤسسات والمال العام عن الصراع الانتخابي ضرورة، ويجب عدم الضغط على اي منطقة لكسب اصواتها بوعود تقديم الخدمات او غيرها".
وعادة ما تطرح الانتخابات منذ عام 2005، إشكاليةً صارخةً؛ تتلخص في السلوك الهوياتي القائم على الطائفة والعرق، وما ينتج من ذلك، وعلى هذا الأساس، ينظر بعض المحلّلين نظرة تشاؤمية إلى صورة الانتخابات المقبلة، أساسها: أولًا، وجود قانون انتخابي مصمم لمصلحة إعادة انتخاب هذه القوى من خلال صيغة سانت ليغو المُشوّهة لحساب الأصوات الانتخابية التي اعتمدها هذا القانون؛ ثانيًا، هيمنة هوية مكوّناتية لدى جمهور واسع ومنقاد نسبيًا، حتى مع شعوره بالإحباط من طريقة إدارة السياسة، فهو يشعر بأن هذه القوى تُمثّله في آخر المطاف في معادلة السلطة القائمة على التحاصص الطائفي والعِرقي؛ ثالثًا، توافر موارد مالية ومؤسساتية كافية لدى هذه القوى لاستخدامها في المواسم الانتخابية، وتقديم الإغراءات المادية اللازمة لشراء أصوات الناخبين المترددين، أو الدخول في عمليات تزوير.