ملف الهجرة... سمعة بريطانيا الحقوقية على المحك
عربي ودولي | 27-11-2022, 17:47 |
بغداد اليوم -متابعة
حركة المهاجرين واللاجئين إلى بريطانيا لم تعد على صفيح ساخن، بل أصبحت هي نفسها الصفيح الساخن الذي تجري عليه الصراعاتالسياسية الحامية والمعارك الاقتصادية الدامية، ناهيك بجهود الضرب تحت الحزام الأوروبية، ومحاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الداخلالبريطاني المتأزم.
الأرقام التي أعلنها "مكتب الإحصاءات الوطني" البريطاني قبل أيام لأعداد المهاجرين منذ مطلع العام وحتى يونيو (حزيران) الماضي بلغت504 آلاف، وهو العدد الأكبر على الإطلاق، بريئة من تأزم الأوضاع الشديد الحالي في بريطانيا، لكنها قد تكون مجرد عامل إضافيمساعد بملف الهجرة واللجوء المتفجر حساسية وغضباً وخطراً.
الهجرة جيدة "إلا أن"
خطورة ملف الهجرة واللجوء قديمة، لكن تجارب الهجرة الناجحة تطغى على الساحة حيناً، والجماعات الحقوقية تجمل الأوضاع حيناً آخر،والحرج السياسي يسكت الأفواه أحياناً، أما الطرح الواقعي فمؤجل حتى مرحلة ما قبل الانفجار.
هذه الآونة، لم يعد السكوت ممكناً أو التأجيل وارداً، تكالبت الأزمات على بريطانيا ووجد ملف الهجرة واللجوء نفسه في قلب الحدث المتأزم،حتى حلفاء الهجرة واللجوء التقليديون وجدوا أنفسهم في خانة "الهجرة جيدة إلا أن".
"إلا أن" تبقي القوس مفتوحاً، أحاديث جانبية تدور في أحد أفرع السوبرماركت المعروف بأسعاره المنخفضة نسبياً تتطرق إلى الأزمةالاقتصادية الطاحنة الحالية، التي نالت من الجميع، لا سيما الطبقات الأكثر احتياجاً.
والتطرق لا يخلو من إشارة على استحياء إلى "القادمين الجدد"، ربما كانوا الأوكرانيين الهاربين من الحرب، أو الألبان الباحثين عن فرصةبعيداً من الفساد وتدني الرواتب، أو الأفغان الهاربين من عودة حكم حركة "طالبان"، أو الإيرانيين أو العراقيين أو السوريين أو الإريتريين أوالسودانيين أو غيرهم من الهاربين من توليفة طاردة قوامها السياسة والأمن والاقتصاد والرغبة في حياة أفضل.
الأحاديث التي تدور بجوار صندوق ضخم يحتوي على معلبات يتبرع بها عملاء لديهم فائض لصالح آخرين رازحين تحت وطأة شظف الحياةالمتفاقم تسير على نهج "ما يحتاج إليه بيتك يحرم على الجامع"، لكن من دون ذكر الجامع.
إدارة سيئة
مجموع البريطانيين الذين يعتقدون أن حكومتهم تدير ملف الهجرة بشكل سيئ يقدر بالملايين، وبحسب استطلاع أجرته "يو غوف"(متخصصة في البحوث على الإنترنت) قبل أيام، فإن 87 في المئة من البريطانيين غير راضين عن تعامل الحكومة الحالية مع ملف الهجرة،وبينهم 62 في المئة يصفون التعامل الحالي بـ"السيئ جداً".
كما أن 37 في المئة من البريطانيين يعتبرون ملف الهجرة واللجوء إلى بريطانيا مسألة بالغة الحيوية، وهي نسبة آخذة في الارتفاع السريع،إذ كانت 24 في المئة حتى الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
الشعور الشعبي العام في بريطانيا هو أن موجات اللجوء والهجرة غير الشرعية القادمة، التي ترسو على الشواطئ البريطانية أو في مياههاالإقليمية بحاجة إلى "تعامل ما" يختلف عن الوضع الراهن.
الوضع الراهن يشير إلى زيادة في أعداد من ينجحون في دخول بريطانيا بطريقة غير شرعية من خارج منطقة الاتحاد الأوروبي، إضافةإلى عودة نشاط حركة السفر والتنقل بعد عامين من قيود الوباء، بما في ذلك القيود على الهجرة غير الشرعية.
فوائد جمة ولكن
شرعية الهجرة وكذلك عدم شرعيتها واللجوء كثيراً ما كان يتم التعامل معها من باب الفوائد الجمة والمنافع العظمى التي تعود على الدولالمستقبلة لهذه الموجات، عقود طويلة وقصص النجاح والتفوق والإنجازات التي يقدمها مهاجرون ولاجئون وأبناؤهم وبناتهم للمجتمعالبريطاني تتلى على المسامع وتسرد على الصفحات وتزخر بها لوحات الشرف والتميز والتفوق.
هذا السرد الإيجابي المستفيض الذي يرتكن إلى جانب كبير من الحقيقة والصحة لطالما أغفل ثلاث نقاط بالغة الأهمية: المهاجرون ليسوامجتمعاً من العباقرة والمنتجين بالضرورة، والهجرة واللجوء ملف وثيق الصلة بالسياسة والاقتصاد، والوجه الحقوقي الإنساني الذي لا يخلومن سياسة يحرك الملف ولو من بعد.
المهاجرون واللاجئون بشر شأنهم شأن غيرهم، بينهم من يبدع ويتفوق، وبينهم من لا يبدع أو يتفوق، وبينهم كذلك من يسبب مشكلاتويقترف تجاوزات.
وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان، المثيرة لكثير من الجدل لخطواتها وسياساتها التي تبدو "معادية" للهجرة أو ربما ميالة إلىتقليصها بشدة وهي نفسها ابنة مهاجرين، أثارت قبل أسابيع سجالاً عنيفاً لم يهدأ بعد.
بريفرمان قالت إنها تنوي خفض معدلات الهجرة إلى بريطانيا لأن "المهارات التي يحملها عدد كبير جداً من العمال المهاجرين متدنية، كماأن كثيرين من الطلاب الأجانب الذين يأتون للدراسة يصطحبون معهم عائلاتهم".
وأضافت "هؤلاء يأتون إلى هنا ولا يعملون بالضرورة، أو يعملون في وظائف لا تتطلب مهارات عالية، ولا يسهمون في تنمية اقتصادنا".
نعوت سلبية
الاقتصاد البريطاني هذه الآونة لا يذكر إلا مصحوباً بنعوت مثل "قاتم" و"متشائم" و"مرعب"، "بيان الخريف" (عرض الموازنة) الذي عرضهوزير الخزانة جيريمي هانت قبل أيام قليلة يعكس صورة بالغة القتامة، فمستويات المعيشة انخفضت لأدنى حد لها على مدى ستة عقود،والتضخم حقق أعلى مستوى له في 41 عاماً، والنقطة المضيئة المتفائلة في البيان لا تخرج عن توقع استعادة الاقتصاد البريطاني المستوىالذي كان عليه قبل الوباء مع حلول عام 2024.
وما لم يرد في "بيان الخريف" هو توقعات تشير إلى أن وضع بريطانيا الاقتصادي يرشحها لأن تكون الأضعف اقتصادياً بين "مجموعةالدول السبع" في عام 2023.
هذا يعني الكثير سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وملف الهجرة واللجوء وثيق الصلة بكل ما سبق، وهذا يعني أن النقطة الثانية المنسية ألاوهي الصلة الوثيقة بين السياسة والاقتصاد من جهة والهجرة واللجوء من جهة أخرى تكشف عن نفسها بوضوح ومن دون مواربة بدافعالظرف الطارئ.
يمين ويسار المنح
داخلياً وكلاسيكياً، تنتهج الأحزاب الغربية ذات التوجهات اليمينية سياسات تتراوح بين المنع باستثناءات والمنح بقيود بالنسبة إلى استقبالالمهاجرين واللاجئين، كما أن الأحزاب ذات التوجهات اليسارية تنتهج نهج الترحيب الكامل والفتح الشامل لهم.
لكن الأوضاع الطارئة من ضغوط الوباء و"بريكست" وحرب روسيا في أوكرانيا وغيرها دفعت اليمين واليسار إلى انتهاج نهج أكثر صرامةفي مسألة الهجرة واللجوء، حتى "حزب العمال" المعروف بسياساته الأكثر استيعاباً وقبولاً في هذا الشأن، أخذ في التزحزح جهة اليمينقليلاً.
وزيرة الداخلية في ح