“الحرب في أوكرانيا تستنزفها”.. هل يشعل خروج روسيا من سوريا معركة النفوذ بين القوى المختلفة؟
عربي ودولي | 7-06-2022, 20:53 |
بغداد اليوم-متابعة
أدى نقص التنسيق بين الوحدات العسكرية الروسية في أوكرانيا والمقاومة غير المتوقعة للأوكرانيين، فضلاً عن الدعم العسكري الأمريكي والأوروبي المقدم لكييف، إلى قيام موسكو بوضع حملات استراتيجية جديدة بخصوص سياستها.
ويقول محللون إن تأكد المعلومات بخصوص سحب روسيا وحداتها العسكرية ومقاتلي شركة "فاغنر" الأمنية من بعض مناطق سوريا، مثل إدلب وحماة واللاذقية ومنبج وتل رفعت وعين العرب بريف حلب، يعد محاولة من الكرملين لاستجماع قواه.
فهل تضع التحركات الاستراتيجية هذه نظام بشار الأسد في موقف صعب من شأنه نقل حرب القوى والنفوذ الدائرة في سوريا إلى مراحل جديدة؟
استغلال الانسحاب الروسي مع سوريا
تقول أمينة تشليك، الباحثة التركية في قضايا "الإرهاب والتطرف"، إن الولايات المتحدة وإسرائيل قد تسعيان إلى استغلال الانسحاب الروسي المتوقع من سوريا، للحد من "تمدد" النفوذ الإيراني. فبالإضافة إلى الدول التي تتحرك في المنطقة بالقوات الوكيلة، مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران، يمكن القول إن إسرائيل أيضاً قد أصبحت جزءاً من الأزمة في سوريا بسبب مئات الهجمات الجوية والبرية التي شنتها على البلاد.
وسبق أن أعلنت إسرائيل، أنها لن تسمح بـ"تمدد" الوجود الإيراني في سوريا، الذي تعتبره "تهديداً" لأمنها القومي.
ولا ترى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الوجود العسكري في سوريا بشكل مختلف عن الإدارات السابقة، وفي هذا الإطار تزعم إدارة البيت الأبيض أن لواشنطن أربع مهمات في سوريا، تتمثل أولاً في خفض العنف، وثانياً منع حدوث أزمة إنسانية.
أما المهمة الثالثة بحسب تشليك، التي تحدثت لوكالة الأناضول، فهي زيادة الضغط على تنظيم "داعش" بواسطة وجود عسكري دائم في شرق سوريا، عبر دعم تنظيم "بي كي كي/ PKK" – "وحدات حماية المرأة الكردية"، الذي تستخدمه قوة وكيلة في محاربة "داعش"، وأخيراً دعم إسرائيل ضد الميليشيات المدعومة من إيران.
إلا أن تراجع تأثير "داعش" تدريجياً في سوريا، ونشاط تنظيم "بي كي كي" التي تعد سبباً لحدوث أزمة إنسانية، وهجمات إسرائيل المستمرة، تثير التساؤلات حول جدوى الوجود الأمريكي في سوريا، والدعم العسكري والمالي الذي تقدمه واشنطن لأذرع "بي كي كي" بالبلاد.
ما الذي تريده أمريكا من سوريا؟
تقول الباحثة التركية، إن الولايات المتحدة ترغب في الاستفادة من الفراغ الذي سيخلفه انسحاب روسيا المرتقب من سوريا، وتدعي واشنطن أنها ستقوم بـ"أنشطة تجارية" فقط في شمالي البلاد، ستتركز بمجالي الزراعة والبناء، إلا أن أسماء الشركات والمشاريع التي تعتزم تنفيذها محاطة تماماً بجو من السرية.
ترغب واشنطن في السيطرة تماماً على الشمال السوري بواسطة قواتها الوكيلة، وتعتزم مواصلة وجودها في البلاد من خلال المشاريع التجارية.
في النهاية أدت تحركات الوحدات العسكرية الروسية في المنطقة إلى تسريع واشنطن جهودها لتنشيط "بي كي كي" في الميدان، بهدف تقليل مخاطر انتشار إيران وقوى المعارضة السورية إلى الحد الأدنى.
النفوذ الإيراني
تزداد مخاوف واشنطن من قيام إيران بملء الفراغ الذي سينتج عن انسحاب روسيا المرتقب من سوريا، فكما هو معروف هناك تاريخ طويل للوجود الإيراني في سوريا.
كما أن قوات الحرس الثوري الإيراني و"فيلق القدس" وأجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، دائماً ما تقدم الدعم العسكري واللوجستي والتدريب من أجل حماية سلطة نظام بشار الأسد.
وبعد تراجع العمليات الروسية في سوريا بسبب الحرب على أوكرانيا، ازدادت تحركات إيران وزاد تواجدها في البلاد.
وعقب الخسائر الكبيرة التي تعرض لها "بي كي كي" بسبب هجمات "داعش" على الحسكة (شمال شرق) مطلع عام 2022، تدخلت القوات الخاصة الأمريكية وضمنت انسحاب "داعش" من المنطقة.
وبفضل ذلك تمكنت الميليشيات الإيرانية من الحصول على مساحات سيطرة جديدة، حيث زادت من وجودها تدريجياً في الحسكة ومحيطها، ويبدو أن التأثير الإيراني في سوريا سيزداد أكثر مع انسحاب روسيا، ولعل الزيارة التي أجراها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى إيران في 8 مايو/أيار الماضي دليل على ذلك.
إلا أنه وجب التنبيه إلى أن النفوذ الإيراني في سوريا سيتشكل أيضاً وفقاً لمراكز القوى الأخرى في البلاد، إذ إن إسرائيل أيضاً تعد من القوى المهمة التي ستؤثر في استراتيجيات طهران بالبلاد، إلى جانب واشنطن.
فرصة وتهديد
وترى إسرائيل أن الانسحاب الروسي من سوريا فرصة وتهديد في الوقت نفسه، ففي عام 2018، نفذت مقاتلات إسرائيلية غارة جوية على محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا، ما أدى لضرب طائرة روسية كانت تحلق بالمنطقة من قبل أنظمة الدفاع الجوي لدى النظام السوري، وهو ما تسبب في أزمة كبيرة بين روسيا وإسرائيل، قبل احتوائها.
وصرح المسؤولون الإسرائيليون مراراً، بأنهم لا يردون على الوجود العسكري الإيراني في سوريا بالشكل الكافي، تجنباً لضرب طائرات أو وحدات عسكرية روسية عن طريق الخطأ.
وأدى عدم وجود الوحدات الروسية التي طالما شاركت عناصر النظام السوري في هجماته الجوية والبرية، بجبهات القتال إلى راحة نفسية لدى إسرائيل في هجماتها التي تستهدف العناصر الإيرانية.
ففي 12 و27 أبريل/نيسان الماضي، شنت إسرائيل هجمات جوية بالقرب من العاصمة دمشق، أدت لمقتل 4 جنود من قوات النظام السوري، حيث كانت الهجمات تستهدف في الأساس الميليشيات الإيرانية.
وفي مايو/أيار الماضي، نفذت إسرائيل هجمات كثيفة على بلدة مصياف غربي حماة، حيث تتواجد الميليشيات الإيرانية، وكان الهدف من الهجمات كسر سيطرة طهران في تلك المنطقة.
عملية عسكرية تركية
يواصل تنظيم "بي كي كي" تكبد خسائر فادحة عقب عملية "المخلب-القفل" التي أطلقتها تركيا في أبريل/نيسان الماضي، بهدف القضاء على التنظيم وامتداداته في شمال العراق.
ولمّحت تركيا إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة تهدف لتشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً (داخل سوريا) لمنع انتشار التنظيم واستجماع قواه من جديد عقب التطورات الأخيرة في البلاد.
ولم يتم الإعلان بعد عن تفاصيل العملية، إلا أنه يمكن القول إنها ستقضي على وجود "بي كي كي" على الحدود التركية، وستغير مساحات نفوذ القوى الموجودة في البلاد، إلى جانب دعم العودة الطوعية للكثير من السوريين في تركيا، كما تقول الباحثة تشليك.