الحيدر خانة تتكسر معالمه ووزارة الثقافة تعلّق بإحباط على إعمار محتضن قادة ثورة العشرين!
محليات | 3-06-2021, 11:50 |
بغداد اليوم – تقرير : محمود المفرجي الحسيني
الذي يتجول في بغداد، ربما لا يحتاج الى دليل سياحي او تراثي، لان الابنية الشامخة التي عاصرت التاريخ هي التي تتحدث عن تاريخ بغداد الذي يفوق عمره عمر دول تصنف في علم السياسة الحديث بـ "الكبيرة"، او الزعيمة.
وتحتوي بغداد على معالم سياحية وأثرية مثل المتاحف المعروضة التي فيها آثار منوعة ومختلفة من جواهر وعملات وهياكل بشرية وتماثيل من عصور ما قبل التاريخ حتى القرن السابع عشر الميلادي.
ومن شواهدها الأبدية الآثار الإسلامية التي تتمثل في بقايا سور بغداد ودار الخلافة والمدرسة المستنصرية التي فيها ساعة المدرسة المستنصرية العجيبة ومقر المعتصم ومسجده الشهير.
كما تحتوي على مساجد تاريخية عديدة منها، جامع الخلفاء والذي كان يسمى جامع الخليفة، وجامع الإمام الأعظم أبو حنيفة في الأعظمية، وجامع الأحمدية والذي كان فيه مدرسة تاريخية هي مدرسة الأحمدية، ومسجد الإمام موسى الكاظم وفيه الحضرة الكاظمية، وجامع مرجان في سوق الشورجة الذي كان يحتوي على المدرسة المرجانية، وجامع المنصور وجامع المهدي وجامع الرصافة، بالإضافة لمدارس تاريخية عريقة كالمدرسة الشرفية بجوار قبر أبي حنيفة النعمان والمدرسة الموفقية ومدرسة الآصفية، والمدرسة النظامية. وتعاني المباني التراثية في بغداد حاليا من الإهمال والتعدي عليها، خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
ومن ابرز الاماكن التاريخية الاثرية التي تحتضنه بغداد، هو جامع الحيدر خانة، من مساجد بغداد القديمة والتراثية ويقع في شارع الرشيد، في محلة الحيدرخانة، وبناهُ الخليفة أحمد الناصر لدين الله، اذ ان التسمية هي اسم لتكية قديمة لا يعرف تاريخها تنسب إلى رجل من الصوفية يعرف بحيدر وكان موقعها في مدخل السوق القديم، وقد بيعت من قبل متوليها سنة 1926م، فهدمت وحولت إلى فندق بحسب قول المؤرخ عماد عبد السلام رؤوف الذي يؤكد ان الجامع انشأه الخليفة العباسي الناصر لدين الله، ولقد أعاد بناءه وتوسعته الوزير داود باشا الكرجي آخر ولاة المماليك وكان والي بغداد عام 1234هـ/1819م، وفرغ من تعميره وبناءه عام 1242هـ/1827م، وشيد فيهِ مدرسة تدرس فيها العلوم العقلية والنقلية وسماها المدرسة الداودية.
وفي عام 1242هـ في عهد السلطان العثماني محمود خان بن عبد الحميد تم تعميره وصيانتهِ، وأعيد تعميره مرة أخرى في عام 1311هـ بأمر من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. ولقد أنشأ داود باشا للجامع محل سقاية ذات نافذة تطل على سوق الحيدر خانة يرتوي منها العطاشى، عرفت باسم سقاية جامع الحيدرخانة ولقد هدمت فيما بعد.
وآخر تجديد وتعمير للجامع كان في عام 1392هـ /1972م، وعثر أثناء أعمال التعمير على حجر كتب عليه بان شخصا يدعى حسن جدد بناء هذا الجامع في عام 1207هـ.
ويعتبر جامع الحيدرخانة من أجمل وأتقن جوامع بغداد من ناحية البناء الهندسية والمعمارية، والحرم مربع البناء متناسب الزوايا والأرجاء، وفرشه وأزاره من الرخام وأبوابه الثلاثة فخمة ومهيبة، ويحوي مصلى لفصل الصيف وآخر للشتاء، فمصلى الشتاء يعلو ذراعين عن الأرض وتعلوه قبة شامخة بالكاشي الملون الأزرق، وحولها قبتان صغيرتان ومنارة مئذنة عالية. أما مصلاه الصيفي فإنّ فيئه وقاية للمصلين من الشمس، وفي الجامع حجرات لسكن القائمين على شؤونهِ وللمؤذن وطلاب العلم.
وفي عام 1920م، أجتمع في هذا المسجد أعيان بغداد وأنطلقت منه بداية أحداث ثورة العشرين. ولذلك سمي من قبل البغداديون بالجامع الثائر، ولقد أتخذ الملا عثمان الموصلي من الجامع مكاناً لهُ، ولبث خطبه، وتحريك الناس نحو الثورة، حيث جعل من ساحة الجامع موقعاً لتجمع يومي للناس.
ورغم ما يحمله هذا الجامع من تاريخ ، الا انه اليوم يتعرض الى الانهيار النسبي، بعد ان تعرضت قطع الشريط الخارجي، للجامع، الى السقوط ، في ظل دعوات لانقاذه من الانهيار.
ودعا الخطاط الدولي الباحث علي الحساني، الى انقاذ ( جامع الحيدر خانة ) في شارع الرشيد (ذاكرة العراق وبغداد الحية)".
وأضاف، انه " كلما أمر بهذا الشارع التراثي يطول وقوفي أمام الجامع لأمتع بصري بالشريط الكتابي الذي كتبه عميد الخط العربي المرحوم خالد الذكر الأستاذ هاشم البغدادي بخط المحقق".
وأوضح، وقفت اليوم "متألما و متأسفا لما آلت اليه أمور هذه العمارة بسقوط قطع من الشريط الخارجي".
الى ذلك طالب المؤرخ المهتم بتراث بغداد، طارق حرب، الوقف السني بإعادة تأهيل جامع الحيدر خانة بعد سقوط قطع من الشريط الخارجي للجامع الذي كتبت عليه ايات قرانية بخط الراحل هاشم البغدادي.
وقال حرب في حديث لـ(بغداد اليوم)، إن "جامع الحيدر خانة لايعتبر جامع لأداء الفرائض الدينية فحسب بل كان مركزاً لتحرك الجذوة السياسية ايام ما يعرف بـ(ثورة العشرين) حيث كان يحضر فيه ابرز السياسيين والشعراء بعد دخول الإنكليز إلى العراق".
وأضاف، أن "الخطاط هاشم البغدادي يعتبر خامس الخطاطين في تاريخ بغداد منذ تأسيسها على يد العباسيين، من بعد ابن مقلة وابن البواب والمستعصمي وسفيان الوهبي صاحب المدرسة الكبيرة في القرن التاسع عشر التي تخرج منها اكبر الخطاطين والخطاطات العرب".
وتابع حرب أن "سقوط قطع من الشريط الخارجي للجامع الذي كتبت عليه ايات قرانية بخط الراحل هاشم البغدادي يعتبر خسارة كبيرة للعراق لما يحملة من تراث وجمال لن يأتي ما يماثله بعد " مطالبا الوقف السني بالعمل على إعادة إعمار الجامع وصيانته".
ورغم اهمية الموضوع، الا ان رد وزارة الثقافة والسياحة والآثار حول امكانية تأهيل الجامع والمحافظة عليه كان فيها شيء من الاحباط.
وقالت الوزارة، إن عملية ترميم المباني ذات الطابع التراثي معقدة وليست سهلة نظراً لتعدد عائدية هذه المباني، حيث يكون جزء منها تابعا لوزارة الثقافة وجزء تابع للوقف السني او الشيعي وبعضها تابع لأمانة بغداد.
واوضح المتحدث باسم الوزارة احمد العلياوي في تصريح لـ(بغداد اليوم)، إن "حينما تتعرض الأماكن الأثرية إلى مشكلة ما فإن موضوع الصيانة يحتاج إلى استشارة من قبل خبراء عالميين كما حصل مع موقع طاق كسرى في بغداد حيث تم استدعاء مجموعة خبراء من بريطانيا واطلعت على الموقع وحددت حجم الأضرار والمواد المطلوبة لإعادة الأعمار".
وأضاف، أن "جامع الحيدر خانة بحاجة إلى صيانة تخصصية واستشارة من الخبراء المعنيين ولا يمكن إعادة الترميم بالطريقة المتداولة والتقليدية بل يجب ان يخضع للضوابط والشروط الخاصة في إعمار الآثار".
وتابع، أنه "يجب على الجهات المعنية التي يتبع لها جامع الحيدر خانة تحريك ملف الصيانة والترميم بالتشاور مع هيئة الآثار في دائرة التراث العراقي".
ان كرة المحافظة على هذه الاثار والارث الحضاري للبغداديين، باتت في ملعب الوزارة الملزمة بمتابعة هذا الموضوع المهم، وان لا يتم التعكز على تعدد عائدية هذه الاماكن الاثري، لانها بالتالي هي عائدة لكل العراقيين والبغداديين خصوصا.