بغداد اليوم _ بغداد
واحدة من ذكريات معركة تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش في 2017، مشهدٌ لطفلة صغيرة تهرول متقدمة عوائل نازحة تسلك طريقاً ضيقاً تتواجد فيه القوات العراقية، وهي تصيح متسائلة "وينه.. وينه"، قبل أن يجيبها شخص ما: "هنا.. تعالي"، لتنتقل الكاميرا التي وثقت المشهد صوب المكان الذي أشار إليه المتحدث، فيظهر قائد عملية تحرير المدينة، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي وهو ينزل من عجلة عسكرية ليحتضن الطفلة ويقبلها ضاحكاً.
هذا المشهد، عكس الشعبية الواسعة التي تمتع بها الساعدي لبساطته وتواجده الدائم في خطوط القتال الأمامية بين جنوده حاسر الرأس دون خوذة أو درع، حتى باتت صوره متداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة بأبيات شعرية يفخر أصحابها بـ"عراقية" وشجاعة هذا الجنرال الذي وصفته الصحافة العالمية بـ"روميل العراق"، نسبة إلى القائد العسكري الألماني في الحرب الثانية "إرفين روميل"، المعروف بحنكته القيادية.
وبعد انتهاء معارك التحرير، عادت صور "أبو إبراهيم"، كما يحلو لكثيرين أن يشيروا إليه بكنيته، تعبيراً عن حبهم له وشعورهم بأنه قريب عليهم، ورفعاً للكلفة بين الغرباء أو الرسمية في التعامل، تنتشر على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يهنئونه بمنصبه الجديد كقائد لقوات جهاز مكافحة الإرهاب، وقبل أسابيع، عندما قاد عملية التراب الأسود في محافظة صلاح الدين لمطاردة خلايا تنظيم داعش.
كان هذا قبل أن تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، صباح اليوم، صدمة وموجة من التعاطف مع الفريق الساعدي، إذ تناقلت صفحات على هذه المواقع ووسائل إعلام أنباءً عن نقله إلى مديرية "الإمرة" في وزارة الدفاع أو ما يُعرف بـ"مقبرة الضباط"، وهي المديرية التي يُنقل إليها ضابط ذا رتبة كبيرة كآخر محطاته قبل التقاعد.
الساعدي، الذي تحدث لوسائل إعلام صباح اليوم مؤكدا خبر إحالته لمديرية "الإمرة" أوضح، أن القرار جاء بطلب من قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن طالب شغاتي للقائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي، وكشف عن مضمون مكالمة هاتفية جمعته بالأخير، حيث أخبره بأنه "يفضل السجن على هذه الإهانة"، مستفهماً من عبد المهدي عمّا إذا كان هناك أمرا شخصياً أزعجه فدعاه لإتخاذ هذا القرار بحقه، وهو ما نفاه عبد المهدي الذي أشاد بـ"كفاءة الفريق الساعدي"، وفق ما نقل الأخير.
آلاف العراقيين، عبروا عن صدمتهم وتضامنهم التام مع الساعدي، وكثير منهم يرى أنه ضحية أحزاب لاتريد قائدا عسكرياً مثل هذا "القائد العراقي"، معددين صفاته المتمحورة حول "الوطنية، والشجاعة، والإخلاص للعراق"، مؤكدين أن "منصبه الذي في القلوب" لن يتأثر بـ"قرارات الحاقدين عليه، وعديمي الولاء للعراق، وذوي المصالح الشخصية".
وأطلق ناشطون عدة هاشتاغات للتضامن مع الساعدي في مواقع التواصل الاجتماعي، بينها #عبد_الوهاب_الساعدي_مطلبنا، و#عبد_العراق_الساعدي، ولازالت تحضى بتفاعل واسعٍ حتى الآن، فيما وضع بعضهم صوره كبروفايلات لحساباتهم على هذه المواقع.
آخرون، أشاروا بعد التعبير عن تضامنهم مع الساعدي، إلى أن مصير هذا الرجل هو مصير أي مسؤول سواء عسكري أو مدني "يقدم العراق على ما سواه"، ولايلتفت للمصالح الشخصية أو يخضع لحزب سياسي و"دول أخرى"، تحميه عند الشدائد "ولو كان دمجاً أو تسبب بخسارة أرواح جنود كثر"، وسموا بعض هذه الدول بالإسم مرجحين وقوفها خلف إيقاف خدمة الساعدي على أرضه.
سياسيون ونواب، تضامنوا من جانبهم مع الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، ومنهم نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الاعرجي الذي كتب في تغريدة على تويتر: "دولة تؤمن بالدمج في مؤسساتها المهمة لا تتحمل بقاء قائد شجاع ميداني عرفه كل العراقيين بأفعاله، بين قياداتها العسكرية.. أكيد البديل دمج".