بغداد اليوم _ بغداد
في ظل التنافس الاقتصادي بين دول العالم المتقدمة واستثمار كل ما يمكن استثماره لتعزيز الموارد المالية، تتزاحم تركيا مع عدد من الشركات الاجنبية والعربية، للاستحواذ على آلاف الاطنان من نفايات ومخلفات المدن العراقية، لإعادة تدويرها وتحويلها إلى أموال، مستغلة عدم وجود معامل محلية.
افتقار العراق لوجود معامل لتدوير الكارتون المستعمل أو الورق المقوى، فتح الطريق أمام شركات أو وسطاء عراقيين لجمع هذه المواد وتهريبها، إلى تركيا عبر منافذ إقليم كردستان. وهناك يتم تدويرها وبيعها إلى الصين ودول أوروبية، وبعدها يتم إعادة تصديرها إلى العراق عل شكل منتجات، وفق شهادات أدلى بها عاملون في هذا القطاع لـ(بغداد اليوم).
في بغداد، ترفع أمانة العاصمة يوميا 10-11 ألف طن يوميا من النفايات. يبّين المتحدث باسم الدائرة حكيم عبد الزهرة أنها تُنقل بعد جمعها من الشوارع والأحياء وكبسها في حاويات خاصة، إلى محطات للجمع تقع في مناطق بعيدة عن بغداد.
سابقا، يوضح عبد الزهرة، كان هناك معملان لتفرز وتدوير النفايات، الأول في منطقة بوب الشام، والآخر في التاجي "لكنهما توقفا عن العمل منذ 2014 بسبب مشاكل فنية، ولايزال موضوعهما معلقا"، مشيرا إلى أن "الأمانة كانت تستغل مقالع معامل الطابوق لرمي النفايات فيها وتغطيتها بالتراب، لكنها منذ عام بدأت تعتمد طريقة كبس النفايات ووضعها في حاويات ومن ثم نقلها إلى منطقة النباعي".
وتشهد مناطق في محيط بغداد انتشارا واسعا لمناطق الطمر غير الصحية، أو ما يُطلق عليها بـ"مواقع الطمر العشوائي"، حيث يتم حرقها غالبا للتخلص من الأزبال المتراكمة فيها، رغم التحذير من خطورة ذلك على البيئة وصحة المواطنين وما تتسبب به من انتشار للأمراض، فيما يلفت المتحدث باسم امانة العاصمة إلى أن النفايات التي ترمى في بعض المناطق منها معسكر الرشيد لا تعود لدائرته، التي أبلغت مكتب رئيس الوزراء والأجهزة الأمنية باعتقال ومحاسبة وحجز العجلات التي ترمي النفايات هناك.
"تركيا تسيطر على نفايات معسكر الرشيد"
بهذه الأماكن، "تعمل تركيا على استغلال بعض الشركات المحلية العاملة في "نبش" النفايات وفرز المواد الاولية فيها، ثم تنقل تلك النفايات الى شركات بدائية غير نظامية او مجازة من اجل كبسها وتهريبها الى تركيا عبر اراضي اقليم كردستان"، كما يقول العامل في مكب معسكر الرشيد، كرار فاضل.
ويضيف فاضل ذو الـ21 عاما في حديثه لـ(بغداد اليوم)، إنه يعمل بمساعدة والدته يوميا منذ الساعة الخامسة فجرا وحتى 12 ظهرا على مدار الأسبوع، في فرز النفايات لإستخراج الفولاذ والنحاس والالمنيوم منها، دون أن يأخذا قسطا من الراحة، في مكب تعمل فيه ما يقارب 17 عائلة أخرى ذات العمل. وفي النهاية، يبيعون ما يجمعونه إلى "وسطاء أو متعهدين" بمبالغ "بخسة".
ويشير إلى تقسيم النفايات لأنواع، أهمها "نفايات الاحياء الراقية والمناطق الصناعية والتجارية" وتحتوي على "الفافون والنحاس وبعض الاشياء الثمينة من مخلفات الاجهزة الكهربائية وغيرها، وتتراوح أسعارها ما بين 10 الى 70 الف دينار عراقي"، لافتا إلى أن "النفايات هنا محجوزة بالكامل للاتراك كونها مواد اولية تعد رخيصة لهم وتعوضهم كثيرا عن شراء المواد الاولية الصناعية من دول اخرى، خاصة في الصناعات البلاستيكية والورقية والمعلبات المعدنية وغيرها".
وتقر مديرية التجارة في وزارة الصناعة بكردستان، بتصدير 431 طن من الكرتون والبلاستك المستعمل الى تركيا شهريا وباسعار زهيدة جدا.
"15% من حاجة العراق للكهرباء وآلاف فرص العمل مدفونة بالنفايات!"
من جانبه، يقول عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية حسن خلاطي، إن "المواطن العراقي يخلف ما يقارب 300 كغم من النفايات سنويا، فيما يبلغ وزن النفايات المخلفة بعموم البلاد سنويا حوالي 15 مليون طن"، مشيرا إلى وجود "44 موقع طمر صحي مرخص في العراق، و112 موقع غير مرخص".
وأضاف خلاطي، أن "العراق لو كان يعتمد على النفايات في انتاج الطاقة، لوصل الانتاج الكهربائي منها إلى 1.3 كيكا سنويا اي ما يعادل 12-15% من الحاجة الفعلية للكهرباء"، لافتا إلى "حاجة البلاد الى 20 معملا بقيمة تصل الى 600 مليون دولار. وفي حال تم انشاءها، ستوفر هذه المعامل ما يقارب 5 آلاف وظيفة وفرصة عمل، فضلا عن مساهمتها بنظافة البيئة".
وفي حين يستغرب حسن خلاطي "تعاقد الامانة ووزارة البلديات مع شركات التنظيف أو رفع النفايات من الشوارع دون ان تشترط عليها انشاء معامل لتدوير النفايات والاستفادة منها"، ويدعو إلى "فتح المجال امام القطاع الخاص للاستفادة من تلك النفايات عبر انشاء معامل صغيرة وتشغيل الايدي العاملة العراقية"، فأن حكيم عبد الزهرة، المتحدث باسم الأمانة، كشف عن "وجود عدة عروض من شركات اجنبية لشراء النفايات في العاصمة بغداد وتحويلها الى طاقة كهربائية"، مبينا أن "العرض يتم دراسته من قبل دائرة المواد الصلبة والبيئة، وهو بحاجة الى موافقة مجلس الوزراء، وكذلك وزارة الكهرباء".
"ما الحل؟"
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي باسم انطوان، إن "حل الاشكالات في ملف النفايات يتمثل باحالته للاستثمار، على غرار الدول المجاورة"، مؤكدا على أهمية "الرقابة حقيقية وتسهيل دخول الشركات الرصينة وتقديم الدعم الكبير لها للاستفادة من الثروات التي ستوفرها عملية تدوير النفايات، بالإضافة إلى ما ستوفره من رفع للأعباء ومنع التلوث والأضرار الصحية".
ويقول انطوان في حديثه لـ(بغداد اليوم)، إن "مشروع تدوير النفايات يحقق جدوى فنية واقتصادية، من خلال المواد الناتجة من مواد أولية ومركبات صناعية وحبيبات معدنية، وكذلك خلق فرص عمل جديدة قادرة على القضاء على البطالة"، مبينا أن "تدوير النفايات او السماح للشركات المتخصصة في تحويل النفايات الى طاقة سيوفر للبلاد طاقة كهربائية بكلفة قليلة جدا، في وقت نحن بأمس الحاجة لها".